ارشيف من :آراء وتحليلات
هل تكون تل ابيض مدخلا لهزيمة داعش في سوريا؟
بعد أن كان مسلّحو تنظيم "داعش" الإرهابي الأجانب (المهاجرون) يستقدمون عائلاتهم من خارج سوريا والعراق لإسكانهم في مدن الموصل وتكريت ودير الزور والرّقّة وغيرها من مدن العراق وسوريا حيث سيطروا، وذلك بالرغم من وجود تحالف دولي يحاربهم (مبدئيّاً)، وحيث نُلاحظ الآن أنّ هذه العائلات بدأت تترك أماكن سكنها في بعض مدن شرق وشمال سوريا كالرّقّة ودير الزور باتّجاه الموصل والرّمادي بالرّغم من الضّغوط العسكريّة من الجيش العراقي والحشد الشعبي عليها، نستطيع أن نستنتج إدراكهم الجدّي لبداية التحوّل في طريقة مواجهتهم من قِبَل طائرات التحالف التي ساهمت بشكل واضح وفعّال في مساندة قوّات حماية الشعب الكردي لاستعادة السيطرة على مدينة ومعبر تل أبيض على الحدود مع تركيا شمال الرّقّة.
لمدينة ومعبر تل أبيض أهميّة جغرافيّة واستراتيجيّة مهمّة في خارطة الانتشار والسيطرة في الشمال السوري على الحدود مع تركيا، فهي تقع في الوسط تقريبا بين مدينة القامشلي الحدودية مع العراق وتركيا شرقاً وبين مدينة اسكندرون على المتوسط غرباً، ويعتبر معبرا حدوديا أساسيا من بين المعابر النادرة التي ما زالت مفتوحة مع تركيا وتشكل مع مدينة عين عرب (كوباني) خطا حدوديا مهمًّا يعطي من يسيطر عليه قدرة استراتيجيّة واضحة في مسك المعابر الأساسيّة مع تركيا وفي التحكّم بريف الرّقّة الشمالي وفي فصل ريف الحسكة عن ريف حلب حيث الحراك المسلّح على أشدّه بين التنظيمات والفصائل المتشدّدة التي تواجه الجيش السوري من جهة أو التي تتصارع فيما بينها لفرض سيطرتها من جهة أخرى.
تل ابيض
استعدادا لمعركة "الرقة " المصيرية والتي يمكن تسميتها بام المعارك بالنسبة لـ"داعش" بدأ التنظيم الارهابي تحضيراته الميدانية والعسكرية ولذلك نقل أغلب وحدات النّخبة والأسلحة الفعّالة لديه من دير الزور وتدمر إلى الرّقّة وبدأ بتحضير خطوطه الدفاعيّة شمال المدينة حيث شوهدت أعمال حفر خنادق وإقفال اغلب الطرقات الفرعية والمعابر الترابية بين المدينة وريفها الشمالي، وهذه التحضيرات في الاعمال الهندسية تفرضها طبيعة الارض المحيطة بمدينة الرقة السهلية اجمالا وخصوصا من اتجاه الشمال حيث الاراضي الزراعية وتغيب بالكامل الهضاب والتلال مما يفرض خلق شبكة متكاملة من الانفاق والحفر الفردية وحفر الاليات والمدرعات لتأمين خط مدافعة مناسب للمواجهة، كما أن طبيعة الارض المكشوفة تعطي أفضلية في المدافعة لمن يمتلك تفوقا في سلاح المدرعات، الأمر الذي تفتقده الوحدات الكردية والتي سيكون من الضروري حصولها على الصواريخ المضادة للدروع الاميركية الصنع من نوع " تاو" والتي حصلت عليها "جبهة النصرة" وكانت حاسمة في معركتها الاخيرة ضد الجيش السوري في ادلب وجسر الشغور، وذلك لمواجهة مدرعات "داعش" وآلياته الثقيلة التي استولى عليها من ثكنات الجيش العراقي في الفلوجة والموصل ومن مراكز الجيش السوري في الشمال والشرق وخصوصا في حلب ودير الزور وفي مطار وقاعدة الطبقة في الرقة .
خرق
بالتوازي مع التحضيرات للدفاع عن الرقة حقق "داعش" بالأمس خرقين خطرين الاول في مدينة الحسكة والثاني في عين العرب، حيث عمد في كل من الاثنتين الى تنفيذ مناورة شبيهة بالأخرى تمثلت بالاستعانة بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون لإحداث خرق على أكثر من مدخل للمدينتين، قبل أن تتدفق عناصره بشكل مباشر وعلى اكثر من محور ضمنا من اتجاه الاراضي التركية في عين العرب وتتغلغل في بعض الاحياء، وترافق ذلك مع خروج خلايا نائمة تابعة للتنظيم من بين القاطنين داخل المدينتين ليشتبك هؤلاء جميعا مع قوات من الجيش والشرطة السورية والدفاع الشعبي في الحسكة ومع قوات حماية الشعب الكردي في عين العرب وترافق ذلك وكعادة هذا التنظيم الارهابي مع تنفيذ مجازر مرعبة بحق السكان الآمنين، ولكن ومع استيعاب الصدمة الاولى من هذين الخرقين تعمل الوحدات السورية ووحدات الحماية الكردية للسيطرة على الموقف والقضاء على المهاجمين من ارهابيي "داعش".
بانتظار ما ستؤول إليه المواجهة في تدمر مع الجيش السوري الذي على ما يبدو بدأ ينفّذ خطّته بتنفيذ مهاجمة معاكسة استندت إلى تجميع قواته بعد إعادة انتشارها مؤخرا وهو يتحضر للاطباق على التنظيم الإرهابي في المدينة التاريخيّة وسط البادية، سوف يكون التحالف الدولي أمام اختبار بالغ الأهمية في جديته وفي التزامه بمحاربة "داعش" وذلك في طريقة رده على الأتراك الذين ظهرت بصماتهم واضحة في الوقوف مع "داعش" في فرملة الاندفاعة الكردية الأخيرة وفي طريقة متابعته او عدم متابعته الدعم الجوي الفعال لمساعدة وحدات حماية الشعب الكردي في محاولة سيطرته على الموقف المستجد و تثبيت جبهته بمواجهة داعش في اقصى الشمال السوري ولاحقا عند المهاجمة المرتقبة للتنظيم الارهابي في مدينة الرقة .