ارشيف من :آراء وتحليلات

اميركا تحترف هندسة الحروب واستثمارها؟!

اميركا تحترف هندسة الحروب واستثمارها؟!

حينما تستعر الحروب تحتاج الى من يغذيها، تغذيتها لا تقتصر على الموقف الدولي المؤيد أو المناهض، ولا على سياسة المحاور، او مواقف المنظمات غير الحكومية، تغذيتها الاخطر تختصر بحطب الفتنة وادواتها، وبالمال والاعلام والسلاح القاتل الذي يشعلها.  

هندسة الحروب، وصناعتها واستثمارها، والاتجار بها، حرفة تمتهنها اميركا، لتوريد مخازن الاسلحة المكدسة لديها، فبعد تهيئة أجواء الفوضى الهدامة والتشرذم والانقسام، تزدهر صفقات الاسلحة، وكلما تعمّقت الازمات وتجذرت الاصطفافات، او ازداد القلق على المصير، والخوف من الآخر، تضاعفت مبيعات السلاح، والشاهد على ذلك انه في ظل ثورات ما يسمى بـ"الربيع العربي" تضاعفت مبيعات الأسلحة الأمريكية ثلاث مرات عمّا كانت عليه، ووصلت الى اعلى مستوى لها عام 2011 مقارنة بالسنوات السابقة.

فالاستقرار في المنطقة نقيض سياسة اميركا ومصلحتها، التي تقوم عمدة اقتصادها على دعامتين اساسيتين الاولى انتاج السلاح وتوريده الى عالمنا العربي لتأجيج الصراعات البينية، والثانية سرقة ونهب ثرواتنا النفطية، لذا لطالما كانت المنطقة تغلي في النزاعات والحروب، فمنذ اغتصاب فلسطين والحروب تتالى، حرب خليج اولى وثانية وثالثة، حروب اهلية متفرقة، اعتداءات صهيونية، واحتلال افغانستان والعراق، ومؤخراً العدوان على اليمن، وحرب "داعش" الهمجية البربرية.

اميركا تحتكر سوق السلاح

لا شك ولا ريب، انه لفهم خلفيات ما يجري في منطقتنا، يقتضي البحث عن مكامن ازدهار تجارة السلاح، لا سيما في ظل ما نشهده من استفادة الدول الاستعمارية من اشتعال المنطقة لتسويق اسلحتها وعقد صفقات اسلحة بمليارات الدولارات، وفي ظل تنافس جلي لتصدر المراتب الاولى في بيع الاسلحة، ولا يخفى ان قراءة بيانية لمجمل صفقات الاسلحة في السنوات الاخيرة تكشف  الكثير من الحقائق المخفية، واولى هذه الحقائق وجود خريطة "جيو تسليحية" تقسم العالم الى مناطق نفوذ واسواق سلاح للدول الكبرى، لا ينازع فيها طرف الآخر.    

اميركا تحترف هندسة الحروب واستثمارها؟!
مقاتلات اميركية

ومن الحقائق الظاهرة ايضاً، تربع اميركا على عرش تجارة الاسلحة، حيث تظهرها الارقام الاولى عالمياً في مبيعات الاسلحة وبأرقام خيالية فهي تحتكر أكثر من 75% من سوق السلاح العالمي (94 دولة)، بعدما ارتفع حجم مبيعاتها بين 2010- 2014 بنسبة 23%، حصة دول الشرق الأوسط منها فقط 32%، ولعل ذلك يعود بالدرجة الاولى الى براعة واشنطن في حياكة المؤامرات واللعب على تناقضات الدول، بين الكوريتين، من خلال تخويف كوريا الجنوبية من الشمالية لمدها بالسلاح، وعلى وتر الخلاف بين الهند وباكستان، والصين وتايوان، وروسيا واوكرانيا،.. وحتى عندما تهادن ايران وتخوض معها مفاوضات نووية مطوّلة، فان الادارة الاميركية تستغل التفاوض لاذكاء الهواجس الخليجية من أجل تحقيق المزيد من الارباح عبر صفقات اسلحة جديدة، كتلك التي ابرمتها مع السعودية وقطر والامارات. وعندما تمنح امريكا آل سعود الضوء الاخضر لشن حرب جديدة على اليمن، ثم تتركهم لوحدهم في الميدان، فانها تستغل المملكة لتفريغ مخازن الاسلحة التي باعتها إياها من أجل إعادة ملئها من جديد. وهنا يكفي ان نعرف ان حجم مبيعات الأسلحة إلى الدول الخليجية زادت بنسبة تربو على 70 % في خلال السنوات الخمس الماضية. وأن السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم عام 2014، وأن مشترياتها  خلال الفترة (2013- 2014) ارتفعت بنسبة 54%، ووفقاً للخطط المستقبلية فمن المتوقع أن تنمو في هذا العام 2015 بنسبة 52%.

"داعش" مشروع استثماري حربي اميركي بامتياز

ما بين هاجس نووي ايران وفزاعة "داعش" تقود اميركا توازنات المنطقة الدقيقة، وتستثمرها، لخلق المزيد من الانقسامات والتفتيت، ورسم الجغرافيا السياسية وفق مصالحها النفطية، وتحقيق المزيد من صفقات السلاح، ولعل ذلك ما يبرر الرغبة الاميركية الجامحة بإطالة عمر هذا التنظيم الى أمد غير محدود فنراها تتحدث عن حرب طويلة معه لسنوات. كيف لا وبمجرد اجتياح "داعش" للموصل شمال العراق وتهديدها للاردن ودول الخليج، ابرمت 3 صفقات اسلحة اميركية مع كل من السعودية والامارات واكبرها مع قطر بـ11 مليار دولار وهي أكبر صفقات البنتاغون عام 2014. يضاف الى ذلك، ارتفاع الطلب على الاسلحة الاميركية والمعدات والأدوات الخاصة بحماية الحدود والقوات بسبب زيادة مشاركة جيوش الشرق الأوسط في محاربة التكفيريين. وهكذا شكلت "داعش" مشروعا استثماريا حربيا منتجا ادى الى انعاش انتاج ومبيعات واسواق الاسلحة الامريكية.

وبالطبع لا تنسى امريكا استرضاء حلفائها عبر توزيع جوائز ترضية عليهم، فتعطي هامشاً لبريطانيا للعب في الساحة الافريقية، وبان يكون لها موطئ قدم في الخليج من خلال توريد الاسلحة الى البحرين، كما تترك بعض الفتات لفرنسا(لبنان، المغرب، الصين، مالي، مصر، تسعى مع قطر والامارات)، التي احتلت المركز الخامس عالمياً في حجم مبيعات السلاح. لا سيما وانه بدا ان باريس لا تتعامل في الآونة الاخيرة مع الدول العربية كدولة بل كمافيا مختصة بتجارة السلاح، و"سمسار" هدفه تحقيق بعض الارباح، كما يحصل في لبنان من خلال ما اصطلح على تسميته بالهبة السعودية( صواريخ ميلان)، او من خلال الحراك والحملات الدبوماسية التسويقية التي يقودها لوران فابيوس بنفسه لاقناع مصر والامارات وقطر بشراء طائرات "رافال"، وكسب مليارات الدولارات.

خلاصة الامر، شكل عام 2011 عاماً مفصلياً بالنسبة لتجارة الاسلحة الاميركية
شكل عام 2011 عاماً مفصلياً بالنسبة لتجارة الاسلحة الاميركية
، فقبل هذا التاريخ، هيمنت حالة التدهور الاقتصادي وسياسات التقشف المعتمدة والخفوض المطبقة في النفقات العسكرية، ما أدى الى تراجع مبيعات أكبر 100 مجموعة عالمية اميركية واوروبية لصنع الاسلحة، وذلك للمرة الاولى منذ نحو 20 عاماً، لكن اللافت ان ما اعقب عام 2011 من احداث كان كفيلاً بتبديل الصورة كاملة، وبنقل الاقتصاد الاميركي وصناعاتها الحربية من مرحلة الى أخرى، حتى وصلت مبيعاتها عام 2014 الى 34.2 مليار دولار، بعدما كانت 30 مليار دولار عام 2013، واللافت ايضاً ان حجم مبيعات الاسلحة في تزايد مضطرد، وان تأثير انخفاض أسعار النفط، بقي محدوداً على خطط الإنفاق العسكري، وكل ذلك يعود بشكل اساس الى دول الخليج، التي واصلت شراء انظمة تسليحية بذريعة الخشية من الاتفاق النووي الايراني.

انطلاقاً مما تقدم، يتضح ان الادارة الاميركية تتلاعب بما يسمى"عقائد عسكرية" أو مبادئ استراتيجية لخدمة مبيعاتها الحربية والحفاظ على مصالحها الحيوية، ليس في الشرق فحسب بل في العالم اجمع وفق خططها الاستعمارية، وعقيدتها الراسخة "فرق تسد"، لاستنزاف ثروات الدول.
2015-06-27