ارشيف من :آراء وتحليلات
ريفي يخرُج من ’فيلم رومية’ صِفر اليدين
حمزة الخنسا
لم يكن يوماً الحديث عن صراع خفي بين مجموعة نواب ووزراء وشخصيات تيار المستقبل، من باب التجنّي أو التمنّي، من قبل "حاقدين" أو "مغرضين". ولم يكن جُلّ ما كُتِب من مقالات، وسُرِّب من معلومات، حول أجنحة، وصقور وحمائم داخل البيت الأرزق، من باب "المؤامرة".
المؤامرة التي حاول الوزير أشرف ريفي، تحميلها مسؤولية تسريب فيديو تعذيب سجناء في سجن رومية، تتكشّف خيوطها يوماً بعد الآخر. سرّبت وسائل الإعلام المختلفة هوية الجهة التي تولّت رفع الفيديو على موقع "يوتيوب" للمرة الأولى، قبل أن يصار الى نشره وتوزيعه على نطاق واسع. نقلت وسائل الإعلام عن مصادر متابعة للتحقيقات التي تجري على خلفية شريط التعذيب، أن "الشريط نشر في بادئ الأمر من قبل صحافي يشغل منصب مستشار للوزير ريفي".
معلومات جديدة تتكشّف في هذا السياق. تفيد هذه المعلومات بأن مصوّري حالات التعذيب هم خمسة أفراد ينتمون الى فرع المعلومات التابع للأمن الداخلي، الذي كان مديره العام اللواء أشرف ريفي. تضيف المعلومات بأن المصوّر الرئيسي لفيديو التعذيب، هو من مدينة طرابس عاصمة الشمال. وفيما القضية سلكت مسارها القضائي، أصبح لدى الجهات المعنية شبه إقتناع بأن المسؤول عن الحادث من ألفه الى يائه، هو مَن حاول استثماره سياسياً.
الانقسام في المستقبل عالمكشوف ودون اقنعة
سياسياً، يمكن التوقف عند شكل التحرّك الذي حصل على خلفية التسريبات. الإستثمار الشخصي للحدث بدأ منذ لحظة الإعلان عن فيديو التعذيب. التحضيرات كانت مكتملة في انتظار ساعة الصفر، خصوصاً أدوات التحرّك في الشارع، بدءاً من مجموعات الشباب التي تحرّكت في غير منطقة، مروراً بالشعارات الموحّدة التي رفعوها، وصولاً الى إجماع المتظاهرين على مطلب وحيد: إستقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق.
في السياسة أيضاً، يسأل البعض عن سبب صراع ريفي ـ المشنوق. أيضاً يسأل هذا البعض عن الدافع الذي جعل ريفي يُخرج الى الشارع صراعاً ظلّ طويلاً طي "اللملمة" والصالونات السياسية. ردّة فعل الوزير نهاد المشنوق إثر "فيلم ريفي" الأخير قد توضح بعضاً من جوانب توتّر وزير العدل.
تقول المعلومات إن وزير الداخلية نهاد المشنوق، حرص على التواصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، إثر الضجة التي أحدثها ريفي على خلفية شريط التعذيب. فهِم المشنوق أنه المستهدف من حراك ريفي وأتباعه في الشارع. من المعلوم أن علاقة المشنوق بمحمد بن نايف ممتازة. هنا بالضبط يكمن سبب حنق ريفي، الذي كان يعتقد بأنه رجل السعودية في تيّار المستقبل، لا نهاد المشنوق. هذا ما يفسّر أيضاً محاولة ريفي المستمرة تظهير عمل المشنوق في الداخلية على أنه مُنسّق مع حزب الله وفي خدمته.
لم يكن سعد الحريري ليبقى مكتوف الأيدي أمام "الفضيحة" التي سبّبها صراع أركان تيّاره. إتصاله بريفي والمشنوق، وتالياً حضور ريفي الى الداخلية، كان بمثابة الإعتذار وفعل الندامة الذي أُجبر وزير العدل على تلاوته، تكفيراً عن خطئه. حاول ريفي التخفيف من حدّة إعتذاره باتهام حزب الله بالوقوف وراء كل ما جرى. في الأساس، نسّق ريفي الإتهام مع "غريمه" نهاد المشنوق، ومع سعد الحريري أيضاً. لكن الإتهام بحدّ ذاته لم يكن مقنعاً للثلاثي نفسه، فضلاً عن الشارع اللبناني بشكل عام والمستقبلي بشكل خاص. فَهِم اللبنانيون أن التسوية بين أبناء الصف الواحد اقتضت تعليق الخلافات على شمّاعة حزب الله.
بدا حزب الله، من خلال ردّه القاسي على ريفي، أنه لن يقبل أن يلعب دور الشمّاعة تُعلّق عليه المغامرات والألاعيب والصراعات الداخلية لأركان فريق المستقبل. خصوصاً أن هذا الفريق يبدو جلياً أنه غير متماسك، وأن المقبل من الأيام سيُظِهر الكثير من الصراعات بين أعضائه، الذين يتصرّف كل واحد منهم على أنه الآمر الناهي والزعيم الأوحد وارث تركة الحريري الأب. وعليه، لن تكون مرحلة ما بعد التحقيق بملابسات "فيلم ريفي" كما قبله، لناحية تعاطي الحزب مع الأحداث المماثلة.
في المحصّلة، بات واضحاً لدى جمهور المستقبل قبل غيره، أن الوضع داخل أسوار "البيت الحريري" ليس على ما يُرام. أضافت حادثة سجن رومية سبباً إضافياً لشريحة واسعة من هذا الجمهور، للإعتقاد بأن مسؤولي تيّار المستقبل ونوابه ووزراءه، أصبحوا "قرطة عالم مقسومين". الإنقسام يُقلق الشارع بطبيعة الحال. ما يُقلقه أكثر إستخدام الشارع ورموز التطرّف والأحداث الأليمة فيه، في إطار تصفية حسابات سياسية بين رمزين، دَرَج الإعلام على وصفهما بـ"الصقور"، وعُلّقت عليهما أحلام مستقبلية كثيرة.