ارشيف من :آراء وتحليلات
’فرسان العزة’: ’القاعدة’ في قلب اوروبا
افتتح القضاء الفرنسي، في الثامن من حزيران/يونيو الماضي، ملف مجموعة "فرسان العزة السلفيّة"، بعد ثلاث سنوات من إعلان السلطات الفرنسية تفكيكها، عقب التحريض على اعتداءات إرهابية ضد فرنسا.
ومع ظهور تنظيم "داعش"، واجهت فرنسا خلال الأشهر الماضية ارتفاعا كبيرا في عدد الشبان الذين توجهوا للقتال في سوريا والعراق، وهم يشكلون خطرا في حال عودتهم مع احتمال تنفيذهم أعمال عنف، في ظل وقوع عدد من العمليات الإرهابية في فرنسا.
التأسيس
"فرسان العزة" مجموعة تأسست في آب/أغسطس 2010، في منطقة نانت فرانكو التونسية، على يد الفرنسي من أصل مغربي محمد الشملان، وعدد من النشطاء الإسلاميين الشباب. وعقب تأسيس المجموعة قاموا بتدشين منتدى الكتروني على شبكة الأنْترنت يعلنون خلاله "مكافحة الإسلاموفوبيا" و"الدفاع عن المسلمين والحجاب" في فرنسا.
المرتكزات الفكرية
ويمكن من خلال تتبع هذه المجموعة ملاحظة أنه ليس سوى امتداد لفكر تنظيم "القاعدة"، خاصة أنهم لا يخفون نصرتهم للتكفيريين في مختلف أصقاع العالم. وقد نجحت في لفت الأنظار إليها من خلال تصريحات زعمائها، الذين يحملون الجنسيات الأوروبية، وهي تصريحات مثيرة للجدل اضافة الى خروجها للتظاهر في الساحات العمومية واستفادتها من حرية التعبير للجهر بـ "الدعوة إلى إقامة الخلافة" في أوروبا وسائر دول العالم.
وكانت الصحافة الفرنسية قد وصفت "فرسان العزة"، بأنهم إحدى جماعات الإسلام الراديكالي، التي تتبنى أفكار مؤسس جماعة الإخوان سيد قطب، وأفكار زعيم ومؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن وأن المواطنين الفرنسيين كفار، والحكومة الفرنسية تمثل حكم الطاغوت، وأن الديمقراطية كفر.
ان موقع مجموعة "فرسان العزة" على الإنترنت والذي تم إغلاقه لاحقا كان قد نشر كتابات من قبل "إن جماعتنا بحاجة إلى طاقات بشرية للعمل في سبيل الله، نبحث عن كل الكفاءات وخاصة عن جنود، فإذا كنتم تحبون رياضة القتال وتشعرون بأنكم قادرون على التدخل بسرعة عند الحاجة، فإننا نرحب بكم".
وقال مؤسس التنظيم محمد الشملان، "إن انتفاضتنا ستترجم إلى أفعال، إننا جنود الإيمان، إننا نستعد جسديا للتصدي إلى اعتداءات محتملة ولا نخفي ذلك".
وتمثل عمدة اهداف الجماعة كما تدّعي "الدعوة إلى الله، والدعوة إلى التوحيد، الدعوة إلى الجهاد، الدعوة إلى الخلافة". وتستند جماعة "فرسان العزة" في مواجهتها للسلطات (دول الغرب) الى حجة انها أنظمة كافرة لا تطبق شرع الله، ويجب محاربتها.
تنظيم القاعدة
مِن أَبرز الأنشطة التي نظمتها المجموعة، التي توصف انها حركة سلفية جهادية الاحتجاج الذي نظم صيف 2010 وسط ساحة "لاموت" في مدينة "لاموج"، ورفعوا خلاله شعارات ولافتات تدعو إلى مقاطعة مطاعم "ماك دونالدز" الأمريكية وذلك لصلتها بإسرائيل، وهو الاحتجاج الذي اعتقل خلاله الشملان وسُجن لأربعة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة "التحريض على التمييز العنصري"، قبل أن تنظم المجموعة احتجاجا آخر أمام محكمة في مدينة "مو" الفرنسية، ضد القانون المدني الفرنسي، حيث قاموا بإحراق نسخ منه.
ومع بروز الجدال حول قانون يحظر الحجاب في الأماكن العمومية الفرنسية، خرج شملان برفقة زملائه في تظاهرات ضد هذا القانون، تطالب بما وصفوه "سحب القوانين المشينة ضد الحجاب والنقاب"، فيما ضمت بيانات "فرسان العزة" مطالب أخرى برحيل القوات الفرنسية عن الأراضي ذات الغالبية المسلمة دون شروط".
وفي17 ايلول/سبتمبر عام 2010، تظاهرت الجماعة خارج مقر المحكمة العليا الفرنسية في "ليموج" احتجاجا على تهديد القس الأمريكي حرق القرآن الكريم. وقاموا في ايلول/سبتمبر 2011 بالتشويش على تنظيم أول صلاة للجمعة في إحدى ثكنات الدفاع المدني والتي تم تحويلها إلى مكان للصلاة بعد قرار وزارة الداخلية حظر الصلاة في الشوارع.
وكان تقرير للاستخبارات الفرنسية حصلت عليه صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أفاد بأن مجموعة "فرسان العزة" تربطها علاقات مع جهات إسلامية في الخارج متورطة بأعمال إرهابية، واستنادا إلى التقرير نفسه فإن هذه المجموعة تعمل بأسلوب أشبه بالميليشيات الخاصة ومجموعات القتال، كما أنهم يوفرون لبعض العناصر النشيطة تدريبا مكثفا على تقنيات القتال وسيناريوهات احتجاز الرهائن.
وفي نيسان/ ابريل 2012 ، اعتقل زعيم "فرسان العزة" وبعض المتطرفين في فرنسا، بتهمة التخطيط لعمليات خطف بينها واحدة تستهدف قاضيا يهوديا.
حل الجماعة
في نهاية كانون الثاني/يناير2012، طلب وزير الداخلية الفرنسي آنذاك، كلود غيان تفكيك جماعة "فرسان العزة"، باعتبار إنه "من غير المقبول أن تأوي فرنسا مجموعة تقوم بتدريب أشخاص على الكفاح المسلح"، على حد تعبيره.
وقد تم حل هذه الجماعة في 1 اذار/مارس 2012، وفقا للقانون الفرنسي رقم 10 الصادر عام 1936 والخاص بالجماعات والميليشيات المسلحة.
وعقب هذا القرار، نشر التنظيم بيانا على موقعه طالب فيه الجيش الفرنسي بالانسحاب من الأراضي ذات الغالبية المسلمة دون شروط أو مهلة فضلا عن إلغاء القوانين التي تحظر الحجاب والنقاب ومحذرًا من أنه في حالة عدم الاستجابة لهذه المطالَب ستكون الحكومة الفرنسية قد دخلت في حرب على المسلمين.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الفرنسية آنذاك، هنري بيار برانديه، بأن بلاده لم يسبق لها أن اتخذت قرارا مماثلا بحق أي جمعية اسلامية منذ العام 1936. وأضاف، أن "فرسان العزة" تنظيم يتبنى العنف ويسعى للمس بالشكل الجمهوري للدولة بدعوته إلى إقامة مجتمع خاص بالمسلمين تحكمه خلافة إسلامية.
وكان الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، قد أعلن، في تصريحات لراديو "أوروبا 1" ، أن حملة الاعتقالات "ليست على علاقة بتولوز فقط، بل جرت على كامل أراضي البلاد"، وذكر أنها "مرتبطة بشكل من الإسلام المتطرف، وتتفق مع العدالة".
وفي 28 اذار/مارس 2012، ألقت السلطات الفرنسية القبض على 19 فردا من المجموعة، يحملون الجنسية الفرنسية وينحدرون من أصول عربية ومغاربية، وفي مقدمتهم "أمير الجماعة" محمد الشملان، وعثرت الشرطة على أسلحة في منازلهم وبالكشف على الحاسب الآلي الخاص بـ"أمير" التنظيم وجدت إرشادات له يدعو فيها العناصر التابعة له إلى تعلم الرماية.
وفي شباط/فبراير 2013، رحّلت فرنسا رجلًا مغربيًا تشتبه في صلته بجماعة "فرسان العزة". وذكرت وزارة الداخلية أن علي بن حمو الذي أعيد إلى المغرب عضوًا في خليتين لهما صلة بهذه الجماعة التي "جعلت من فرنسا هدفا رئيسا لها".
التهم الموجهة
ويبدو أن التحقيق لا يستهدف مجرد نشاط دعائي بل "مجموعة من العناصر الناشطة ونواة صلبة حول محمد الشملان يمكن أن تنفذ أعمالا ارهابية في فرنسا"، هكذا وصف المحققون القضية.
وعثر المحققون على أجهزة الكمبيوتر للعديد من عناصر المجموعة "إرشادات للتجنيد" وجهها "الأمير" تتضمن خصوصا "ضرورة التعليم على الرماية (البحث عن نوادي رماية قريبة منكم)".
أمام القضاء
في الثامن من حزيران/يونيو الماضي، بدأ القضاء الفرنسي محاكمة خمسة عشرة عضوا من "فرسان العزة"، بتهم تتعلق "بالتحضير لاعتداءات في فرنسا"، من ضمنهم قاصر وُضع تحت المراقبة بمؤسسة سجنية للقاصرين، فيما تتجه الأنظار باتجاه قائد الخلية، محمد الشملان، الذي يعد الرأس المدبر لأنشطتها على الأنترنت وخارجه، فيما يرى القضاء الفرنسي، إبّان اعتقاله لأوّل مرة عام 2011، أن تصريحات شملان "عنيفة" وتحرض على "التمييز العنصري والديني" في فرنسا.
ووفقا لمصادر قضائية وإعلامية فرنسية، رصدت الشرطة، التي كانت تتابع أعضاء المجموعة في مراحل متعددة على الأنترنت، حيث أوردت ان شملان كان يُعدّ لشراء بنادق وسترات واقية، إلى جانب ضبط أسلحة لدى عدد منهم حين اعتقالهم في اذار/مارس عام 2012، إلى جانب مخطط لخطف قاضٍ في مدينة ليون، فيما تشير التحقيقات إلى بلوغ المجموعة مراحل متقدمة في التجنيد والتدريب على الرماية والسلاح الناري.
كما طلب أعضاء التنظيم الحصول على بيانات "رجال الشرطة والقضاة والنواب، وعدد من الشخصيات الأخرى، من أجل تكوين قاعدة معلومات قوية، تمكن المجموعة من الضغط على هؤلاء وإدخال الرعب إلى قلوبهم".
ونقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية عن محققي قسم مكافحة الإرهاب، أن "فرسان العزة" قد تمكنوا من الاستيلاء على البيانات الشخصية لعدد من اعضاء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، مثل العناوين وأرقام الهاتف، والبريد الالكتروني، وأرقام السيارات، وعدد الأطفال، والمهنة.
إلا أن بيرانجيه تورنيه محامي الشملان اعتبر أن الادعاء ليس لديه اتهام ملموس ضد موكله الذي أسس "فرسان العزة لمكافحة معاداة الإسلام على الصعيد الإعلامي".
ويواجه المتهمون الذين تستمر محاكمتهم حتى 23 تموز/يونيو الجاري إمكان الحكم عليهم بالسجن حتى عشر سنوات.
تمدد الجماعات الارهابية في أوروبا
لجماعة "فرسان العزة" علاقات قوية مع الجماعات المتطرفة وجيل من المهاجرين في أوروبا الذين يدعون إلى تأسيس الخلافة، ومن هذه الجماعات التي ترتبط بها "فرسان العزة" جماعة "الشريعة من أجل بلجيكا" وهي جماعة اسسها متشددون من مسلمي بلجيكا عام 2010.
وتربط الجماعتين عدة أواصر ويتبادلون الزيارات، حيث سبق أن شارك أعضاء "الشريعة من أجل بلجيكا" في تظاهرات بفرنسا إلى جانب "فرسان العزة" ضد حظر النقاب في الأماكن العمومية، كما أنهم يتبادلون المواد الإعلامية.
ورغم اختلاف التسمية فإن الأهداف نفسها تجمع "الجماعتين"، بل تجمعهما مع جماعات مثل "'الشريعة من أجل هولندا" و"الشريعة من أجل بريطانيا" و"الشريعة من أجل السويد" و"الشريعة من أجل أستراليا".
وتتبنى هذه الجماعات ايدلوجية متقاربة وهي الايدلوجية "السلفية الجهادية"، كما يسعون الى تطبيق الشريعة الاسلامية في أوروبا، وإقامة إمارة
إسلامية.