ارشيف من :آراء وتحليلات

مفاوضات الربع الساعة الأخير في فيينا وصيغ الحلول المقترحة

مفاوضات الربع الساعة الأخير في فيينا وصيغ الحلول المقترحة

مفاوضات فيينا النووية دخلت الربع الساعة الاخير، الجولة الجارية حالياً حاسمة ومفصلية، والايام والساعات المتبقية الفاصلة عن 9 تموز مصيرية، عليها تبنى تحولات "جيوسياسية" او دراماتكية كبرى، العدو والصديق، الكل يترقب ما سيتمخض عن تلك المحادثات في السباق الماراتوني النووي الاطول، والكل يؤجل استحقاقاته بانتظار ما ستؤول اليه تلك المفاوضات، لادراكهم ان اشعاعاتها لن تنحصر في دائرة محددة، بل ستلف المنطقة بأكملها، ما قد ينعكس ايجاباً او سلباً على ملفاتها المعقدة والكثيرة.


الرياح القادمة من فيينا، محمّلة بنفحة ايجابية، وتوحي بتقدُّم في سير المفاوضات، بشّر به أكثر من طرف مفاوض، وظهر في المساعي الجدية لدى هذه الاطراف لتتويج المحادثات باتفاق نهائي، وعدم الرغبة بتفويت الفرصة الذهبية السانحة والعودة الى نقطة الصفر، وأولى المؤشرات الايجابية بانت في  الافراج عن دفعة جديدة من الاموال الايرانية المجمدة (13 طنا من الذهب)، وكذلك من خلال سير المفاوضات لتوفير الاخراج الملائم للاتفاق، ومحاولة اجتراح الحلول الممكنة ولو بصيغ تعجيزية، تكفل انتصار كلا الفريقين لمنطق على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، ظهر ذلك من العروض والعروض المقابلة، والمترافقة مع حراك دبلوماسي موازٍ نشط في اتجاهات عدة على خطوط طهران- فيينا، لتذليل العقبات، كما حصل في الزيارة المفاجئة والسريعة لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو منذ يومين الى طهران، والتي تشير المعلومات الى انه حمل فيها رسائل اميركية بعدما كان استبق الزيارة بلقاء مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري، كما حمل منها عروضًا ايرانية مقابلة.

المفاوضات النووية الايرانية بين تحولات جيوسياسية او دراماتيكية كبرى
واذا كانت معظم البنود العالقة وقيد التفاوض حالياً لا تتعلق باساس الاتفاق النهائي قيد الصياغة بل بالبروتوكولات الاضافية، فإن سير المفاوضات الجارية، يشي أيضاً بأن ثمة تغيراً حاصلاً بالمقاربة الغربية للملف النووي في الايام الاخيرة، خصوصاً بعد الكلام الحازم لآية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي والذي رسم فيه خطوطاً حمراً وحدد فيه سقف التفاوض، وأدرك الغرب مدى صلابة الموقف الايراني، ما انعكس تقدماً في المفاوضات وبجملة الاقتراحات التي طُرحت للخروج من القضايا العالقة، بالاخص النقاط الثلاث (الابحاث، التفتيش والمقابلة، العقوبات).

المعلومات تشير الى ان التفاوض تخطى مسألة الابحاث النووية، وأن الأخذ والرد والمد والجزر يتمحور حول نقطتي التفتيش، ومقابلة العلماء النوويين، من ناحية والعقوبات من ناحية اخرى.

مفاوضات الربع الساعة الأخير في فيينا وصيغ الحلول المقترحة
المفاوضات النووية

تفتيش المنشآت النووية

حمل يوكيا أمانو الى طهران تطمينات مفادها أن عمليات التفتيش ستكون محددة وداخل المنشآت النووية، وأن المطلوب من العلماء بعض المعلومات لزيادة الشفافية، أما المراكز العسكرية، فلن تكون عرضة للتفتيش الشامل، بل الممنهج غير المفاجئ والمنسق مع الطرف الإيراني، وفي هذا السياق، تجري – كما يبدو- بلورة صيغة بديلة معقدة تربط أي عملية تفتيش مستقبلية لمواقع نووية ايرانية يشتبه الغرب باستخدامها لاغراض عسكرية باستصدار قرار من مجلس الامن، وبجملة شروط صعبة، منها شروط تقنية تتعلق بتقديم اثباتات حول نسبة الاشعاعات، ومنها سياسية، تفرض اجراءات محددة كموافقة الحكومة الايرانية وتبليغها مسبقاً، واقتصار التفتيش على اقسام محددة وان تكون محددة الزمان والمكان والموضوع. 

مقابلة العلماء النوويين

اما بشأن مقابلة العلماء النوويين، فتشير المعلومات الى ان أمانو حمل الخميس معه بعد لقائه مسؤول لجنة الامن القومي الايراني علي شمخاني اقتراحاً ايرانياً بان يصار الى اجراء مقابلات خطية بالمراسلة وليست وجاهية مع العلماء الايرانيين، فتقدم لهم اسئلة خطية وتتم الاجابة بالطريقة نفسها شرط ان يكون موضوع الاسئلة محدداً وتكون محصورة بتاريخ الملف النووي، وبمعنى آخر ان يكون موضوعها محدداً بمدى زمني وبما كان عليه الموضوع النووي سابقاً.

العقوبات المفروضة على ايران

يبقى أن النقطة الشائكة والاكثر تعقيداً تتعلق برفع العقوبات الجائرة عن طهران، وهي تتفرع الى ثلاث محاور، يتعلق الأول بالرفع الشامل للعقوبات والتلقائي بمجرد توقيع الاتفاق، وهو ما يطالب به الجانب الايراني والرفع التدريجي وعلى مراحل والذي يصر عليه الغرب ربطاً بمدى التزام طهران بتنفيذ الاتفاق النووي على فترات زمنية محددة. 

اما الشق الثاني في الخلاف التفاوضي في فيينا، فيتمحور حول الطرح الغربي بتفعيل العقوبات واستعادتها، بحال ثبوت عدم التزام طهران بالاتفاق، وهو ما ترفضه طهران ايضاً بشكل مطلق، وتصر فيه على رفع شامل كامل للعقوبات لا رجعة فيه. وهذه النقطة يبدو ان تدوير الزوايا الدبلوماسية فيها أفضى الى توافق لبلورة صيغة لا يكون فيها عودة العقوبات تلقائية ومزاجية بل عبر قرار صادر عن مجلس الامن، ولكن مع تكبيله بجملة شروط معقدة يستحيل معها تنفيذه، بظل توقع امكانية استخدام كل من روسيا والصين لـ"الفيتو" بمواجهة تفعيل العقوبات على طهران.

اما الشق الثالث بهذا الجانب، فيتمثل بالإصرار الغربي على حصر رفع العقوبات المفروضة على ايران بخلفية الملف النووي وعدم شمولية كل العقوبات، كتلك المفروضة تحت عناوين "دعم الارهاب"، و"حقوق الانسان"، وهو ما يرفضه الايراني بالمطلق، خشية التذرع بتلك العناوين لاستعادة العقوبات المرفوعة نووياً بغطاء جديد.

انطلاقا من ذلك، واذا كانت الامور رهنا بخواتيمها فان الساعات القادمة وان حملت من فيينا هبات نووية باردة او ساخنة وفقاً لطبيعة لعبة عض الاصابع وشد الحبال التفاوضية، فانها ستكشف عن مسار الامور ليس بما يخص الملف النووي الايراني فحسب بل المسار الدولي والاقليمي وتوجهاته التصعيدية او التسووية.
2015-07-04