ارشيف من :آراء وتحليلات

’داعش’... عندما تهدد باقتلاع ’دولة اليهود’ من جذورها !

’داعش’... عندما تهدد باقتلاع ’دولة اليهود’ من جذورها !
عندما تهدد "داعش" بأنها ستقتلع الكيان الصهيوني من الوجود، فإنها تفعل ذلك على سبيل الدعاية الهادفة إلى إيهام البسطاء بأنها تحمل مشروعاً تحررياً، أو على سبيل ابتزاز القوى الدولية الداعمة للإسرائيليين والتي بدأت تظهر ميلاً نحو التخلي عن خدمات "داعش".  

باستثناء بعض العمليات التي يقصد بها استدراج مواجهات غير مرغوب فيها لأسباب ظرفية بين قوى المقاومة والكيان الصهيوني، لم يحدث لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية التكفيرية أن أطلقت رصاصة باتجاه الأراضي العربية التي يحتلها هذا الكيان.

لا بل إن العكس هو ما يجري فعلاً على الأرض ممثلاً بالدعم المكشوف والمتعدد الأشكال الذي يقدمه العدو لهذه الجماعات. وبالمقابل، لا يمر يوم دون أن نسمع خطاباً أو أن نشهد حدثاً من النوع الذي تسجل فيه هذه أو تلك من الجماعات المذكورة مواقف تدلل على عمالتها للكيان الصهيوني.


تهديد مفاجىء

ومع هذا، هددت "داعش" مؤخراً بأنها "ستقتلع دولة اليهود من جذورها". فما هي القيمة الحقيقية لهذا التهديد ؟
هذا التهديد -المفاجئ نوعاً ما-  يبدو بعيداً عن الواقعية لأسباب عديدة. هناك مثلاً الاعتبارات الإيديولوجية العميقة التي تفيد بأن الوهابية، وهي المذهب الفقهي والكلامي الذي تعتمده داعش، هي نوع من "التصهيُن" داخل الإسلام.

’داعش’... عندما تهدد باقتلاع ’دولة اليهود’ من جذورها !
ارهابيو داعش

وهناك التحليل الذي لا يعطي مصداقية لهذا التهديد بسبب الدعم الذي تحصل عليه "داعش" والجماعات الإرهابية والتكفيرية الأخرى من الأميركيين وحلفائهم الإقليميين الذين تربطهم بالكيان الصهيوني علاقات وثيقة، والذين لا يمكن أن يسمحوا لداعش أن تقوم بأعمال معادية لهذا الكيان حتى ولو أرادت ذلك.

لم يحدث لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية التكفيرية أن أطلقت رصاصة باتجاه الأراضي المحتلة
ثم إن إطلاق عملية "الاقتلاع" المذكورة لا يبدو وشيكا. فهو محال على المستقبل البعيد لأن "داعش" منهمكة حالياً وفي الأمد المنظور بحروب وأنشطة أخرى داخل المنطقة وخارجها.

وبالطبع، فإن التساؤل مشروع عن السبب الذي حال ويحول دون قيام داعش منذ دخولها الواسع إلى مسرح الأحداث في المنطقة بأي عمل مضاد للكيان الصهيوني، خصوصاً وأنها تتواجد في العديد من المناطق المحاذية للأراضي المحتلة، ولا تعجز، وهي التي تنفذ عمليات في تونس وفرنسا وغيرهما، عن ضرب المصالح الإسرائيلية المنتشرة في طول الأرض وعرضها.

فمَ الذي يدفعها الآن أو في أوقات سابقة إلى إطلاق مثل هذا التهديد؟

بالإضافة إلى كون هذا التهديد قد أطلق في أجواء  التوترات التي تشهدها منطقة سيناء، واحتدام الخلافات بين داعش وحركة حماس، والكلام عن مساع تقوم بها داعش للسيطرة على غزة، وكل ذلك يجري في مناطق غير بعيدة عن الأراضي المحتلة وتمارس تأثيراً على الأمن الإسرائيلي، هناك اعتباران أساسيان يمكن من خلالهما تقديم بعض عناصر الإجابة على هذا السؤال.

إعلام كاذب وابتزاز  


الأول هو اعتبار إعلامي. إذ من الأكيد أن أي طرف سياسي عربي أو إسلامي لا يمكنه، حتى ولو كان متصهيناً أكثر من الصهاينة أنفسهم، أن يعلن بالفم الملآن تنكره للقضية الفلسطينية. وداعش -شأنها شأن الجهات العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني  وتبدي حساسية تجاه ما تسميه بـ "التخوين"- تفرد زاوية صغيرة في خطابها الكاذب لهذه القضية. وهدفها من ذلك هو التغطية على انخراطها في خدمة المشروع الصهيو-أميركي وعلى ما ترتكبه من جرائم بحق قوى المقاومة التي تعمل بالفعل من أجل تحرير فلسطين.   

 تهديدات داعش هدفها التغطية على انخراطها في خدمة المشروع الصهيو-أميركي وعلى ما ترتكبه من جرائم بحق قوى المقاومة
الثاني هو عبارة عن محاولة ابتزاز للأميركيين على وجه التحديد في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة على مستوى الملف النووي الإيراني، وتراجع إردوغان في الانتخابات الأخيرة، وتعمق الورطة السعودية في اليمن، والتقدم الميداني الذي حققته قوى المقاومة خلال الأيام الأخيرة في كل من سوريا والعراق.

فقد ظهرت في ظل هذه التطورات مؤشرات عديدة على أن واشنطن تسعى فعلاً لإحداث "ثورة" داخل داعش بهدف تنحية قياداتها الحالية وتحويلها إلى أداة في يد الإخوان المسلمين. ويؤكد عدة مراقبين أن أصابع واشنطن هي التي تثير خلافات وصدامات مسلحة بين الجماعات التكفيرية والإرهابية وحتى داخل هذه الجماعات، وخصوصاً داخل داعش بالذات حيث تم تداول أخبار مفادها أن البغدادي قد أعدم العديد من قياديي التنظيم بعد اتهامهم بالتخطيط لاغتياله.

كل هذا يعني أن ما تطلقه داعش من تهديدات وما قد تنفذه من عمليات مسلحة في الأراضي المحتلة إنما هو عملية خلط أوراق في سياق السعي للضغط على الأميركيين. وهذا يذكر بالصواريخ التي أطلقها صدام حسين على الأراضي المحتلة بعد أن كان قد قضى أكثر من ثلاثين عاماً في تقديم أجل الخدمات للمشروع الصهيو-أميركي. فسواء تعلق الأمر بداعش أو بصدام أو بأية جهة أخرى، فإن أهم ميزة لهذا المشروع أنه يخفي معالم جرائمه ويتخلى عن أدواته بعد أن تنتهي من تنفيذ ما يوكل إليها من مهام.
2015-07-06