ارشيف من :آراء وتحليلات
حكومة تسيبراس ستغير الستاتيكو الجيوستراتيجي العالمي
استمرت المفاوضات بين الحكومة الوطنية اليونانية وبين "ترويكا" الدائنين الدوليين اكثر من خمسة اشهر حول طريقة تسديد المديونية اليونانية التي تبلغ مئات مليارات اليوروات.
وقد تمخضت المفاوضات أخيرا عن "برنامج انقاذي" تقدمت به "الترويكا" (صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي) ويشمل تقديم قرض جديد بمئات مليارات اليوروات، يدفع على أقساط الى اليونان، لتمكينها من ايفاء أقساط الديون القديمة، ومن ثم جدولة الدين من جديد، ولآجال ابعد. وقد وافقت الحكومة الوطنية اليونانية على هذا الشق من "برنامج الإنقاذ" للترويكا.
ولكن مقابل هذا "البرنامج الانقاذي" طرحت "الترويكا" شرطا الزاميا هو ان تلتزم الحكومة اليونانية بالموافقة على تطبيق ما سمي "إصلاحات مالية". وقد رفضت الحكومة الوطنية اليونانية رفضا قاطعا هذه الشروط المسماة "إصلاحات مالية" لاجل إعادة جدولة المديونية، واعتبرتها غير صالحة بتاتا من الوجهة المالية ـ الاقتصادية، لانها ستؤدي، خاصة، الى زيادة نسبة البطالة وتؤدي، عامة، الى المزيد من اضعاف القدرة الشرائية للسكان، وبالتالي اضعاف حوافز الإنتاج والتوظيف والقدرة التنافسية على التصدير.
كما اعتبرت الحكومة هذه الاصلاحات دعوة مكشوفة لاذلال الامة اليونانية العريقة وتجويع الشعب اليوناني والتخلي عن سيادته الوطنية واضعاف قدراته الدفاعية، وجعل اليونان وقبرص لقمة سائغة تبتلعها تركيا الناتوية ساعة تشاء وبدون أي رادع.
اردوغان يدعو لاجتياح اليونان
ومعلوم انه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها رجب طيب اردوغان برئاسة الجمهورية التركية، دعا الأخير "رعاياه" الى "ضرورة ان نستعيد أراضي اجدادنا!!!"، أي أراضي الإمبراطورية العثمانية. وفي مثل هذا "الجو العثماني" الذي اطلقه السلطان اردوغان، نشرت الصحافة التركية خريطة لما سمي "تركيا الكبرى". وضمت تلك الخريطة جزءا من أراضي شمالي سوريا والعراق، وجميع الأراضي اليونانية، وقبرص. ومع ان اليونان وقبرص هما عضوان في الاتحاد الأوروبي، واليونان عضو في حلف الناتو، فإنه لا أوساط الاتحاد ولا الحلف ولا حتى أوساط الأمم المتحدة أبدت أي بادرة اعتراض على النوايا العدوانية المبيتة ضد اليونان وقبرص التي كشف عنها اردوغان وطاقمه السياسي والعسكري و"الجهادي!!!" والإعلامي. واخذا بالاعتبار الدور التركي المفضوح في حشد وتسليح وتدريب واطلاق "الجيش الإسلامي!!! العالمي" من الأراضي التركية لمهاجمة سوريا والعراق، فإن حزبي الائتلاف الحاكم في اليونان: حزب سيريزا اليساري الراديكالي، وحزب "اليونانيين المستقلين" الأورثوذكسي صار من حقهما ان ينظرا بعين الشك والريبة الى برنامج "الإصلاحات المالية" التقشفية لترويكا الدائنين الدوليين، ويعتبرا ان هذه الاقتراحات تتجاوز النطاق المالي البحت، وتهدف عمليا الى افقار وتجويع الشعب اليوناني واضعاف قدراته العسكرية، وزرع القلاقل الاجتماعية والاتنية والدينية داخل اليونان، تمهيدا للتدخل التركي (كما حدث في قبرص سنة 1974) بحجة حماية الأقلية الألبانية والمسلمين!!! في اليونان. وحينذاك يتدخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والأمم المتحدة لـ"قوننة" العدوان التركي وتثبيته.
اليونان ترد على "الديمقرطية" المزيفة
وردا على مدّعي الديمقراطية من أوباما الى ميركل وهولاند وبقية الكومبارس في الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، اجتمعت الحكومة اليونانية في ليل 29 حزيران الماضي، وقررت اجراء استفتاء شعبي يوناني عام حول الموافقة او عدم الموافقة على "الشروط الانقاذية!!!" الغربية. واعلن تسيبراس انه اذا وافقت اغلبية الناخبين على تلك الشروط، فإن حزبه يستقيل من الحكم فورا وينتقل الى صفوف المعارضة، ودعا المواطنين الى التصويت بـلا لخيانة استقلال اليونان".
وفي يوم 5 تموز، وبحضور مراقبين من جميع انحاء العالم، وخصوصا من قبل عصابة مصاصي دماء الشعوب الغربية، الترويكا وغيرها، وشهود الزور التابعين للأمم المتحدة، جرى الاستفتاء بكل هدوء وبدون أي حادث امني او تسجيل أي مخالفة، ودامت العملية التصويتية من الساعة 7 صباحا حتى الساعة 7 مساء. ولتسهيل عملية المشاركة للمواطنين المحتاجين قررت الحكومة مجانية النقل في وسائط النقل العامة في يوم الاستفتاء.
وفي المساء تلقت "الترويكا" والاتحاد الأوروبي والناتو وأميركا وتركيا الصفعة "الدمقراطية" الكبرى من الشعب اليوناني، اذ أعلنت النتائج كما يلي:
ـ شارك في التصويت 65% من الناخبين المسجلين.
ـ صوت 61% بـ لا للشروط الغربية
ـ وصوت 39% بـ نعم .
العلم اليوناني وعليه كلمة "أوخي" = لا
وافادات الكثير من استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات بحثية محايدة، ان نسبة كبرى من الذين صوتوا بـ نعم ، لم يفعلوا ذلك لانهم يؤيدون الشروط الغربية المجحفة، بل لانهم يخافون من المستقبل المجهول اذا تم تنفيذ التهديدات بفصل اليونان من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
وقد رد الزعيم تسيبراس على هذه التخوفات المشروعة لهؤلاء المواطنين، بـ"اننا نصر على البقاء ضمن الوحدة الأوروبية، ولكن ضمن شروط كرامة وسيادة واستقلال وسلامة أراضي اليونان".
كل اليونان مع الزعيم الوطني تسيبراس
وفي اليوم التالي اجتمع البرلمان اليوناني من جديد، وصادق على نتائج الاستفتاء. وفي الوقت ذاته اصدر البرلمان قرارا جديدا، مثـّـل الصفعة الثانية غير المتوقعة للترويكا والاتحاد الأوروبي والناتو وأميركا، وهي انه في المفاوضات القادمة، فإن تسيبراس وحكومته لا يمثلان فقط الحزبين المشاركين في الحكومة الائتلافية، بل يمثلان كل اليونان، بشخص كل الأحزاب المشاركة في البرلمان، الموالية والمحايدة والمعارضة.
والان يذهب تسيبراس الى دورة المباحثات الجديدة مع الترويكا ومعه تفويضان: تفويض رفض غالبية الناخبين اليونانيين للشروط الاذلالية الغربية. وتفويض كل الأحزاب اليونانية له، بما فيها الأحزاب اليمينية الموالية للغرب.
ولحفظ ماء الوجه، صرحت انجيلا ميركل "بأننا لن نقدم أموالا جديدة لليونان بدون برنامج إصلاحات مالية". وصرح الرئيس الفرنسي "الاشتراكي!!!" فرنسوا هولاند بأن فرنسا ستجري محادثات ثنائية مع الحكومة اليونانية. اما وزير الخارجية الألماني شتاينماير فقال: ان الاستفتاء كان قانونيا وشفافا وصحيحا. والنتائج كانت واضحة تماما. ونحن علينا ان نحترم إرادة الشعب اليوناني في أي مباحثات قادمة.
موسكو تحضّر الجزرة والعصا لتركيا واوروبا
اليونان ستكون همزة وصل للتعاون الروسي ـ الاوروبي |
أوكرانيا ستلبس اسمها من جديد
لقد فشلت أوكرانيا في الاضطلاع بدور همزة وصل للتعاون القاري الروسي ـ الأوروبي. وهي على طريق الانهيار كدولة بسبب هذا الفشل. ولن يكون لها أي مستقبل الا العودة كما كانت في القرن التاسع عشر "مقاطعة روسية اطرافية" (تماما كما يدل اسمها: أوكرانيا = طَرَفية).
الكرة في ملعب الأوروبيين والأتراك
فهل ستنجح اليونان الجديدة في ما فشلت فيه أوكرانيا، وتتحول الى همزة وصل للتعاون الروسي ـ الأوروبي، عبر التعاون اليوناني ـ التركي، باشراف وضمانة الدولة الروسية العظمى، وشعبها المسيحي الشرقي، وقيادتها المخلصة لمبادئ التعاون الدولي الخلاق بين الشعوب؟
ان هذا يتوقف على قدرة الشعوب الأوروبية على التخلص من الوصاية الأميركية واسقاط الأوساط الاحتكارية ذات النزعات المتعجرفة الصليبية ـ النازية، وطبعا قدرة الشعب التركي على التخلص من الواهمين بعودة "السلطنة العثمانية او الداعشية" او "الجمهورية التركية الكبرى الاتاتوركية".