ارشيف من :مواقف الأمين العام لحزب الله
كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مهرجان يوم القدس العالمي _2015
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان يوم القدس العالمي في مجمع سيد الشهداء الجمعة 10-7-2015
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية، كالعادة، أرحب بكم جميعاً في هذا الحضور الطيب والمبارك، وأشكركم على ذلك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل في مثل هذه الليالي والايام قيامكم وصيامكم، وأن يُتم عليكم هذه الأيام الفضيلة والعزيزة والكريمة بأفضل ما يمنّه على عباده الصائمين والقائمين والعابدين.
مجدداً نلتقي في إحياء يوم القدس العالمي الذي دعا إليه سماحة الإمام الخميني (قدس سره الشريف) في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك. وكان هدف الإمام أن تبقى القدس حية وأن تبقى قضية فلسطين حية في وجدان الأمة، في ثقافة الأمة، في اهتمام الأمة، في أولوياتها، في مشاريعها، في حركاتها، في جهادها، في نضالها. يوماً بعد يوم تتأكد الحكمة البالغة من هذا القرار الذي اتخذه الإمام رضوان الله عليه، والظروف التي تعيشها منطقتنا وأمتنا في هذه الأيام في هذه السنين تؤكد أيضاً هذه الحاجة.
في هذه السنة، أو في مثل هذه الأيام، نحيي يوم القدس وبين أيدينا عام مضى على العدوان الإسرائيلي الصهيوني الوحشي والمجرم في شهر رمضان العام الماضي على قطاع غزة وأهل غزة وشعب غزة ومقاومة غزة.
اليوم، بالرغم من كل الاوضاع الصعبة التي تجتاح منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي، بحمد الله نجد الملايين الذين لبوا دعوة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) سواء في إيران، الحشود الأكبر في كل المدن الايرانية، في دول عربية وإسلامية أخرى على ما تناقلت وسائل الاعلام، في العراق، في اليمن، في سوريا، في الأردن، في القطيف في السعودية، في البحرين، في تونس، موريتانيا، السودان، في غزة، في تركيا في اسطنبول، في باكستان، في مدن أوروبية، وهذا مؤشر مهم جداً يدعو إلى الأمل الكبير أنه ما زال هناك من يتذكر القدس ـ يعني سوف نتواضع إلى هذا الحد ـ يتذكر القدس ويخرج إلى الشوارع أو يجتمع في أماكن واسعة وكبيرة كهذا المكان ويحيي ويرفع صوته لنصرة هذه القضية، لكن اسمحوا لي في البداية أن أتوقف بشكل خاص أمام مظاهرتين أو إحياءين:
الأول في اليمن، هؤلاء الأعزاء الذين خرجوا اليوم إلى شوارع صنعاء يتظاهرون من أجل فلسطين والقدس، وبالرغم من تواصل العدوان السعودي الأميركي على بلادهم ومدنهم وقراهم وكل شيء عندهم من بشر وحجر، بالرغم من الغارات المستمرة حتى على صنعاء وعلى داخل صنعاء وعلى محيط صنعاء، يخرج عشرات الآلاف، حتى لا أقول مئات الآلاف، ويتظاهرون من أجل القدس وفلسطين وغزة وشعب فلسطين. طبعاً، بالموضوع النفسي، نحن نفهم هذا الموضوع، الشعب اليمني يشعر أن العالم تخلى عنه، بأن العالم العربي والعالم الاسلامي تخلوا عنه، وأن العالم لم ينقسم بين مؤيد للحرب ورافض لها، بل بين مؤيد للعدوان على اليمن والسكوت عنه، وقليل هم الرافضون لهذه الحرب، مع ذلك هذا الأمر المؤلم والمحزن والمخزي، لم يدفع بالشعب اليمني ليقول: لا شأن لي بفلسطين ولا بالقدس ولا بغزة ولا بشعب فلسطين. هذا أمر يستحق التقدير والتحية والتعظيم والتقدير والوقوف بإجلال أمام إرادة الشعب اليمني، وعي الشعب اليمني، صمود الشعب اليمني، وإخلاص الشعب اليمني الذي أكد اليوم التزامه العقائدي والسياسي والجهادي والأخلاقي بقضية فلسطين.
والمكان الثاني هو البحرين، لأن الذي يجمع البحرين باليمن هو الخذلان، خذلان العالم العربي والاسلامي والعالم، في بقية دول العالم، سمّوها معارضة، سمّوها جماعات مسلحة، سموها ثورات شعبية، هناك دول ـ ما شاء الله ـ تدعمها بالمال والسلاح وبالاعلام، وتعقد من أجلها المؤتمرات وجلسات في مجلس الأمن وماكينات دولية وإقليمية ضخمة. الآن البحرين ليست كذلك، واليمن ليست كذلك، يعني هناك مظلومية خاصة، لماذا أنا أختار هذين البلدين، وبالرغم من ذلك في كل بلدات وشوارع وقرى البحرين، خرج الشعب البحريني لإحياء يوم القدس وليؤكد أيضاً التزامه العقائدي والإيماني والسياسي بهذه القضية، قضية الأمة المركزية وليؤكدوا أيضاً بأن هذا الموضوع بالنسبة لنا جميعاً موضوع عقائدي، أيّا تكن التطورات السياسية، هي لن تحيد رغم المخاطر في البحرين، رغم تهديدات داعش أنها ستفجر المساجد في البحرين ورغم قمع السلطة الذي يمكن أن نعود ونتحدث عنه بعد قليل.
بكل الأحوال، هذه الملايين التي خرجت اليوم هي تمثل أملاً كبيراً عندما نتطلع إلى مشهد المنطقة.
حسناً، اليوم بمناسبة هذا اليوم العظيم اسمحوا لي أن أتحدث قليلا عن إسرائيل المغتصبة للقدس، نرى أين هي، لأنه على مدار السنة كلنا مشغولون عن العدو، صرنا مشغولين في أماكن أخرى، وسأتحدث قليلاً عن أوضاع المنطقة، أخيراً أتحدث عن لبنان قليلاً وإن كان الحديث في التطورات السياسية اللبنانية يحتاج إلى وقت خاص ومستقل، لكن مع ذلك سأجتزئ جزءاً من الخطاب نتيجة أهمية التطورات التي حصلت في الأيام والأسابيع القليلة الماضية.
لنتحدث أولاً عن عدونا عن إسرائيل المغتصبة لفلسطين، أين إسرائيل اليوم. الشهرالماضي، في حزيران، نظموا مؤتمراً في هرتزيليا وهو كل سنة ينظم عادة، أنا أتحدث عنه في بعض المناسبات، يحضره قادة سياسيون وعسكريون وأمنيون إسرائيليون، سواء في الحكومة الإسرائيلية أو في المعارضة، وخبراء وضيوف من شتى أنحاء العالم، وطبيعة هذا المؤتمر أنه يتناول قضايا استراتيجية تتعلق بإسرائيل والمنطقة، خرجوا بخلاصات، أنا الآن سأركز على بعض هذه الخلاصات وعلى بعض المواقف الاسرائيلية، لنرى إسرائيل اليوم أين بالمنطقة، وعلى ضوء تطورات المنطقة.
أول خلاصة خرجوا فيها بالإجماع أن هناك تحسناً في البيئة الاستراتيجية والإقليمية لإسرائيل، يعني الجماعة "قاعدين مرتاحين مستأنسين"، والبيئة الاستراتيجية من حولهم، التي أرعبتهم قبل أربع سنوات، مع بدايات الربيع العربي والصحوة الإسلامية والثورات الشعبية، والآن في ال2015 المشهد مختلف. الجماعة "مريّحين أعصابهم" تماماً، ببساطة وبأسف، للأسف الشديد أن القادة الاسرائيليين الصهاينة لم يجدوا في أمة المليار ونصف مليار مسلم - الآن هناك أناس يقولون مليارين مسلم، بعدنا نحن على العتيق، الله أعلم، خلينا على العتيق ـ في أمة المليار ونصف مليار مسلم لم يجدوا فيها تهديداً لوجود كيان صغير على أرض فلسطين يحتل هذا البلد الشريف المقدس، لم يجدوا ـ إلا بعض الاستثناءات أعود إليها بعد قليل ـ في أنظمة المليار ونصف مليار مسلم ولا في جيوش المليار ونصف مليار مسلم، ولا في أسلحة الجو والمدرعات والصواريخ وغيرها أي تهديد، هم مطمئنون ومرتاحون وهناك تحسن في البيئة الاستراتيجية.
إسرائيل ترى أن كل ما يجري حولها يخدم مصالحها الآن، في موضوع سوريا ـ الاستثناءات المتعلقة بالتهديد لها عنوان لوحده لأنهم هم تكلموا عنه ـ في موضوع سوريا عبّر المجتمعون وأيضا يعبر القادة الاسرائيليون قبل المؤتمر وبعد المؤتمر عن ارتياحهم لما تعانيه سوريا من حرب ودمار وقتال بمعزل عن النتيجة التي ستنتهي إليها سوريا، وهم لا يفكرون بالنتيجة كثيراً، هم سعداء بما يجري فعلياً، يعني هناك دولة أساسية في محور المقاومة، في مشروع المقاومة، هناك دولة رافضة للاستسلام للهيمنة الأميريكية والإسرائيلية ولشروط التسوية الإسرائيلية لفلسطين وللمنطقة، الآن تعاني وتضعف وتدمّر. هكذا يتحدث الاسرائيليون وهم مستأنسون، لذلك يطالب بعض الزعماء الصهاينة بالعمل على المستوى الدولي لإقناع العالم بالاعتراف الرسمي بضم الجولان نهائياً إلى دولة إسرائيل الغاصبة. الآن سيبدأون جهداً ديبلوماسياً في هذا الاتجاه بدعوى أن هذا هو وضع سوريا ومن الخطر أن نعيد الجولان لسوريا، باتت حجة جديدة أنه خطير أن نعيد الجولان إلى سوريا، والدعوات إلى تفعيل مشاريع الاستيطان في الجولان ليصل عدد المستوطنين إلى 100 الف، هذا طرح في المؤتمر.
في موضوع اليمن، تعبّر اسرائيل عن سعادتها لما يجري من عدوان سعودي ـ أميركي على اليمن، وتعبّر عن تضامنها مع السعودية، ويتحدث مسؤولوها عن لزوم إقامة شراكة استراتيجية مع السعودية ومع دول الاعتدال العربي لمنع التهديد الآتي من اليمن، لأن هناك أناساً يتطلعون إلى اليمن بعيون ومن زوايا مختلفة، ولكن هناك عين اسرائيلية تقول إن اليمن اذا استقل، اليمن إذا أصبح سيداً حراً مستقلاً خاضعا لإرادة شعبه اليمني، فاليمن حكماً مقاوم، اليمن حكماً جزء من محور المقاومة، اليمن حكماً تهديد استراتيجي لإسرائيل، والحرب على اليمن اليوم هي أكبر خدمة تقدمها السعودية لإسرائيل. والاسرائيليون فرحون ومجاناً.
الموقع الاستراتيجي لليمن على باب المندب، على البحر الاحمر، كل هذا، للذي يقرأ باستراتيجيات المنطقة والعسكر والاقتصاد والأمن والسياسة، يفهم هذا الأمر.
اسرائيل تعبر عن سعادتها بالحروب الأهلية المنتشرة في كل المنطقة، وتعمل وتساعد بمخابراتها وبأشكال مختلفة على تسعير هذه الحروب، وللأسف الشديد، الكثير من الدول دخلت في هذه المصيبة، وما يحضّر الآن للجزائر وللأسف الشديد تحت عنوان طائفي، كانوا دائماً ـ أنا ليس لدي معلومات تفصيلية، ولا أدعي الإحاطة بهذا الملف ـ ولكن عندما كان يقع مشاكل في بعض المناطق كانت تتحدث بعض وسائل الإعلام عن خلاف عرقي أو على أساس عرقي، أي عرب وأمازيغ، ولكن أنا شاهدت في الأيام الماضية بعض الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية تتحدث عن صراع بين المالكيين والأباضيين، أي أن الغرب يريد أن يقدم الصراع على أنه صراع مذهبي وطائفي، وهذا الذي يُعمل عليه على مستوى المنطقة ككل.
وصلت الوقاحة في هذا المؤتمر بالإسرائيليين إلى حد الدعوة إلى تحالف إسرائيلي عربي في مواجهة الإرهاب. تصوروا، إسرائيل تدعو إلى تحالف إسرائيلي عربي لمواجهة الارهاب. من الإرهاب لديهم؟ أيران وحركات المقاومة، والآن ـ كي لا يكونوا مفضوحين كثيراً ـ وضعوا معنا داعش، ولكن طبعاً لم يأتوا على سيرة النصرة ولا القاعدة ولا أنصار بيت المقدس ولا بوكو حرام ولا غيرهم.
إسرائيل، هذه المنافقة، تدّعي أنها تتضامن مع مصر في مواجهة أحداث سيناء، وتحرّض للإيقاع بين مصر وقطاع غزة وبالخصوص مع حركة حماس.
في سوريا تقدم نفسها مدافعة عن الدروز، وهي التي تقدم كل أشكال الدعم لجبهة النصرة والجماعات المسلحة التكفيرية التي تهدد كل السوريين، وليس الدروز فقط. هذا هو النفاق والدجل.
ولكن بمعزل عن كل التفاصيل، إسرائيل التي هي أم الإرهاب وأصل الإرهاب والدولة الإرهابية والكيان الذي أنشأته منظمات إرهابية، وإذا أردنا ان نتكلم بلغة الفلسفة، الدولة الموجودة التي ماهيتها إرهاب وطبيعتها إرهاب، هي تقدم نفسها على أنها محاربة للإرهاب. أنظروا إلى أي زمن وصلنا، إسرائيل هذه التي قبل عام فقط ارتكبت أبشع حرب وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، والتقارير الدولية والمؤسسات الدولية التي طالما كانت تجامل اسرائيل لم تستطع هذه المرة أن تخفي هذه الحقيقة، كم قتلت من أطفال ونساء ودمرت من بيوت وسفكت من دماء المدنيين في غزة، ثم تأتي وتقدم نفسها دولة حضارية وتريد أن تكون جزءاً من مشروع أو محور محاربة الارهاب. طبعاً هذا قمة الوقاحة، ويجب أن "لا ننغشّ"، لأن هناك أناساً أحياناً نتيجة وطأة الإرهاب عليهم يمكن أن يستنتجوا أنه أنا ما علاقتي بإسرائيل، أنا أولويتي الآن هذا الإرهاب الذي يواجهني، لأن الإرهاب التكفيري الموجود من أشد المحن التي تواجهها أمتنا، لانهم لا يقتلون الناس على أساس سياسي ولا على أساس مشروع سياسي، وإنما على أساس الانتماء الديني أو الانتماء الفكري أو الانتماء المذهبي، وكل حوادث القتل التي تجري الآن في كل المنطقة هي على هذا الأساس وليست على أساس مشروع سياسي أو صراع سياسي.
آخر شيء، لنرَ مَن الذي يعتبره عدونا تهديداً؟ من يشكل تهديداً بحسب رأيه؟ يوجد جهة واحدة، دولة واحدة، تشكل له تهديداً. بعد ما حصل لسوريا حذفها من دائرة الدول المهددة. يوجد إيران، الجمهورية الإسلامية في إيران، لذلك تجدون في مؤتمر (هرتسيليا) وقبله وبعده، كل العقل الاسرائيلي مهجوس ومهووس بإيران، بالجمهورية الاسلامية، بملفها النووي، بتطوير قدراتها الصاروخية، بوضعها الاقتصادي، بديموقراطيتها، بتضامن شعبها مع نظامها، بصحة قائدها وعافيته. كل ما يتعلق في ايران تجد اسرائيل تضعه أمامها وتعمل عليه في داخل إيران وفي خارج ايران وعلى مستوى المحافل الدولي.
الذي على المهداف بالنسبة لإسرائيل هو الجمهورية الاسلامية في ايران، ومعها حركات المقاومة لأن لدى اسرائيل، مع تعظيمنا وتقديرنا لحركات المقاومة ولأنفسنا ـ لا مشكلة لو قدرنا أنفسنا قليلاً ـ حركات المقاومة لم تصل إلى المرحلة التي تمثل بالنسبة لاسرائيل تهديداً وجودياً.
نعم حركات المقاومة باتت تمثل تهديداً استراتيجياً، ولكن لم تصل إلى المرحلة التي تمثّل تهديداً وجودياً.
اليوم، على وجه الكرة الارضية، الدولة أو الكيان أو الوجود الوحيد الذي تعتبر إسرائيل إنه يشكل تهديداً وجودياً لها هو الجمهورية السلامية في ايران.
هذ الحقائق، ومن لديه كلام آخر فليتفضل. ولذلك هي تحرّض كل العالم على إيران، أميركا، الكونغرس، نتنياهو حاضر يخرب علاقاته مع البيت الابيض ليحرض الكونغرس على إيران، تحريض العرب، والكثير من هذه الأنظمة العربية، هم أصلاً هذه حساباتهم وعقليتهم وتركيبتهم كذلك في هذا الموضوع.
سؤال، ألا يشكل هذا اليوم، إذا هدأنا كعرب كمسلمين كفلسطينيين، كشعوب منطقة، أن يجلس الشخص ويهدأ ويغلق أذنيه على الرصاص وإطلاق النار والمشاكل والفضائيات العربية، ويتأمل ويسأل، لماذا اسرائيل ـ أمام كل هذا العالم العربي والاسلامي، كل هذا العالم ومليار ومليار ونص مليار مسلم، ودول وجيوش وشعوب ـ أسرائيل لا تخاف من أحد ولا قلقلة من أحد ولا تسأل عن أحد إلا إيران. لماذا إيران؟ ألا يشكل هذا الموضوع سؤالاً في يوم القدس العالمي؟ لماذا هذا العداء المطلق لإيران من قبل الصهاينة؟ لماذا لا نرى شيئاً من هذا التحسس أو التوجس أو القلق أو الخوف أو الحذر من قبل إسرائيل باتجاه السعودية، أو باتجاه أي نظام عربي آخر، حتى لا تقولوا إن السيد "حاطط راسو براس السعودية".
هذا سؤال منطقي وطبيعي، لماذا؟ الآن الدول العربية، الآن الجيوش العربية تشتري الطائرات بمليارات الدولارات، طائرات وصواريخ ومدافع وضد الدروع وصواريخ بعيدة مدى، لا يوجد ولا ملاحظة إسرائيلية، لأنه يوجد اطمئنان، هناك ثقة وضمانات، ليس فقط ضمانات خطية، هم واثقون ثقة مطلقة بهذا العقل الرسمي العربي، وبهذا النظام الرسمي العربي، هم ليسوا محتاجين لضمانات اميركية أو ضمانات خطية، والتجربة خير دليل، هذه 76 سنة، ماذا فعل هؤلاء العرب مثلاً بأغلبهم؟ ببساطة لأن اسرائيل تعلم علم اليقين أن النظام الرسمي العربي باعها فلسطين والقدس وشعب فلسطين، والدليل الآن 76 سنة والآن، حسناً، هذه سنة مرة على غزة، هل عمّرت بيوت غزة؟ وما هو أوضاع جرحى غزة؟ ما هو وضع حصار غزة؟ وما هي أوضاع الناس في غزة؟ لو جزء بسيط من مليارات الدولارات التي تنفق في الحرب على اليمن والحرب على سورية والحرب على العراق وقمع الناس أنفقت على غزة، ألم تكن غزة اليوم في وضع معقول؟
حسناً هؤلاء أليسوا جزءاً من فلسطين، أليسوا جزءا من هذه الأمة؟ واعذروني أن أعود وأقول لأننا مضطرون في هذا الزمن أن نحكي بهذه اللغة: أليسوا من أهل السنّة الجماعة ؟ أليسوا من المسلمين الصائمين القائمين؟ لماذا هم متروكون؟ لأنه يوجد قرار رسمي عربي بأن يبيعوا فلسطين، لا يوجد فلسطين، والفلسطينيون يعذبون أنفسهم ويقفون على الأطلال يهذا الموضوع، ولأن إسرائيل تعلم أيضا أن المشروع التكفيري الذي يرعاه بعض النظام العربي غير معني أساساً لا بفلسطين ولا بالقدس وأن معركته في مكان آخر، وأن هذا المشروع التكفيري يخدم إسرائيل بالمطلق، ويدمر لها دون تعب سورية والعراق ويساعد على تدمير اليمن ويثير الفتنة المذهبية والطائفية في عموم المسلمين والمسيحيين ويمزق الأمة ويمزق كل نسيج وطني في كل بلد من بلداننا، ومن دون أي كلفة.
إذاً، من الذي ما زال يرفع الراية، أنا لا أتكلم هنا لأمدح إيران، بل لأصل إلى موقف وأطالب بموقف. الذي ما زال يرفع الراية ويتقدم الجمع ويرفض الاعتراف بأصل وجود هذا الكيان، حتى لو توقف الاتفاق النووي والمفاوضات النووية عليه الذي يعقد في فيينا الآن والذي متوقع أن يمد اكثر، أتذكرون نتنياهو طالب أن الاتفاق يجب أن يتضمن بنداً تعترف فيه إيران بوجود دولة إسرائيل، وأنا أقول لكم: لو وقف كل الملف النووي وأعطوا إيران ما تريد في الملف النووي وما لا تحلم به في الملف النووي، إذا كان شرطه اعتراف إيران بوجود دولة إسرائيل فإن الجمهورية الإسلامية في إيران، جمهورية الإمام الخميني بقيادة سماحة الإمام الخامنئي، بحكومتها ومجلس نوابها وشعبها لن توافق على مادة أو بند من هذا النوع، لأنها تخرج من دينها في ذلك الوقت. هم لا يعرفون أن هذه هي إيران، ولأن ايران هذه التي ما زالت تتقدم الجمع هي التي تدعم محور الممانعة دولاً وشعوباً وحركات، سياسياً ومعنوياً ومادياً ومالياً وتسليحياً و"على رأس السطح" وتحت الشمس وهذا ما لا يجرؤ على أن يفعله أحد ـ أو حتى لا أبالغ، الكثيرون ـ رغم العقوبات القاسية التي تعانيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً والتهديد الدائم بالحرب عليها وقصف منشآتها. لأن إيران تشكل هذا التهديد لمشروع الهيمنة الاميركية على المنطقة شُنّت عليها الحروب العسكرية سابقاً وتشن عليها الحروب الإعلامية، السياسية والنفسية والاقتصادية، ويشارك في هذه الحروب أدوات وحلفاء أميركا في المنطقة والذين كانوا خير سند لإسرائيل في النتيجة طوال عقود من الزمن.
في يوم القدس العالمي، دعوني أكون صريحاً مع المسلمين، مع المسيحيين، مع العرب، مع الفلسطينيين، مع حركات المقاومة، مع كل مساند ومؤيد للقضية الفلسطينية: لا تستطيع ان تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وإذا كنت عدواً للجمهورية الإسلامية في إيران فأنت عدو لفلسطين وللقدس، لماذا؟ هذا ليس ادعاء، لأن الأمل الوحيد المتبقي بعد الله سبحانه وتعالى لاستعادة فلسطين والقدس هي هذه الجمهورية الاسلامية ومساندتها لشعوب وحركات المقاومة في هذه المنطقة وفي مقدمها الشعب الفلسطيني. طالما أن العالم ينقسم إلى محاور ومعسكرات ومواقف، دعونا نكون واضحين وصريحين، إذا كان الشخص يريد أن يكون جدياً، إذا كان يريد أن يكون مخلصاً ويضع العصبيات جانباً وإذا كان يريد أن يكون منطقياً، هذا منطق، هذا حكي هذا العدو الذي يجمع على هذا الذي أقوله. لا يوجد أحد في إسرائيل يقول غير هذا بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران.
أما محاولة التهرب من هذا الموقف التاريخي والحاسم تحت عنوان المشروع الفارسي، لا يوجد مشروع فارسي، هذه خدعة لإبعاد الناس عن حليف جدي وحقيقي للعرب وللمسلمين ولشعوب المنطقة اسمه ايران. أي حديث عن مشروع صفوي هذا كلام فارغ نبشوه من التاريخ. أي حديث عن هلال شيعي، حسنا الآن هم يتهمون إيران باليمن، على هذه الحالة يخرب الهلال، الهلال كان على أساس، إيران العراق سورية لبنان، حسنأ، كيف سيصل الهلال إلى اليمن، ما هذه "السوالف"؟ هذه كلها أكائيب يخترعها العقل العربي الفاسد الذي تخلى عن فلسطين وعن القدس، وإذا ما اقترب أحد ليمدّ يد العون لفلسطين والقدس يحولونه إلى عدو ـ بدليل أن الشاه لم يكن عدوهم عندما كان مع اسرائيل ـ يحولونه إلى عدو، وكيف يحولونه الى عدو، يأتون ليقولوا هذا هلال شيعي، هذا يريد أن ينشر التشيع، هذا مشروع فارسي، هذا مشروع صفوي، هذا كلام فارغ.
لننتقل قليلاً إلى المنطقة على طريق القدس.
على طريق القدس في سوريا يجب إيجاد حل سياسي في سوريا، يجب أن تتوقف كل الدول التي تعمل على إشعال النار في سوريا من خلال المال والسلاح وتهريب المقاتلين والإعلام والتحريض ومنع السوريين من التلاقي والتفاوض، لأنني أنا قناعتي إذا وضعت المقاتلين الأجانب جانباً في سوريا، وأتيت وسألت السوريين السوريين السوريين، حتى في المعارضة المسلحة، بعد كل هذه التطورات التي وصلوا إليها، في قناعاتهم من الداخل وفي ضمائرهم، كل السوريين الآن يريدون الحل لبلدهم، ويعرفون أنه لا يوجد حل عسكري، وأن الخيار الوحيد هو الحل السياسي، لكن هناك من يمنع الحل السياسي بالدليل والبرهان.
يجب أن تستعيد سوريا عافيتها وموقعها. البعض ما زال مصراً على مواصلة المغامرة الخاطئة ويستعجل بظنه سقوط سوريا، نفس هذه الأوهام موجودة منذ خمسة أعوام. قبل مدة وجيزة عندما سقطت إدلب قال البعض إن سوريا انتهت وبدأوا يعدون الأيام. هم كانوا يعدون الأيام والأسابيع منذ خمس سنوات، لا تعدوا الأيام ولا الأسابيع ولا شهور ولا سنين. إسمعوني جيداً وأنا أعرف، وأنتم تعرفون، لكن هناك أناس يستعجلون: الذي حدث في الأسابيع الماضية واضح أن المشهد قد تغير، صمود الجيش السوري والقوات الشعبية في مواجهة الحملات الكبرى، في درعا وفي السويداء وفي الحسكة وحلب وسهل الغاب، وقد بدأت الآن تستعيد زمام المبادرة في الزبداني وفي تدمر وفي محيط تدمر.
من يريد إسقاط سوريا عسكرياً أقول له: لن تستطيع، وعليك أن تخوض حرباً طويلة لن توصلك إلى هدفك، سوريا صامدة وستصمد، سوريا صامدة وستصمد، ومن معها سيبقى معها. هناك أناس حاولوا في جو الحرب النفسية منذ مدة، أصدروا بعض التقارير وشيعوا معلومات كاذبة بالمناسبة، أن روسيا "خلص" قد خرجت من الموضوع، وتبين بعد زيارة الوزير المعلم إلى بوتين، وبوتين تعمد أن يتكلم أمام وسائل الإعلام عن الموقف الروسي وعن التزام روسيا تجاه سوريا.
وموقف إيران تجاه سوريا حاسم، ومن معها هو معها وسيبقى معها، ونحن كنا معها ونحن معها وسنبقى معها، منذ البداية قلنا بوضوح: نحن مع المطالب الشعبية المحقة في سوريا، ونحن مع الإصلاحات ومع الحل السياسي، ولكننا لسنا مع تدمير سوريا، ولا تدمير الدولة، ولا تحطيم جيشها، ولا سيطرة الجماعات التكفيرية عليها، من أجل سوريا ومن أجل لبنان ومن أجل فلسطين. وعندما نقاتل في سوريا نقاتل تحت الشمس ودون أن نخفي وجوهنا في أي مكان، الموضوع تدحرج وتطور/ ولذلك اليوم نعم، كل شهيد يسقط منا في سوريا ونشيعه هنا في لبنان، بكل إعتزاز هو شهيدٌ من أجل سوريا المقاومة ومن أجل لبنان ومن أجل فلسطين ومن أجل شعوب هذه المنطقة ومن أجل هذه الأمة. البعض قال لنا أو يكتب: هل طريق القدس يمر في جونية؟ كلا، بالنسبة لنا ولا يوم ولا يأتي يوم طريق القدس يمر في جونية، لأننا لسنا طلاب سلطة ولسنا طلاب هيمنة ولسنا طلاب سيطرة، على كل حال تلك المرحلة لها ظروفها لا أريد أن أدخل في التباساتها. ولكن نعم، نعم، طريق القدس يمر في القلمون وفي الزبداني وفي حمص وفي حلب وفي درعا وفي السويداء وفي الحسكة، لأنه إذا ذهبت سوريا ذهبت فلسطين وضاعت فلسطين.
على طريق القدس أيضاً في اليمن، يجب وقف العدوان السعودي ـ الأميركي على اليمن، الذي نُجدد إدانتنا له، واستنكارنا الشديد له، ونتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في كل ساعة وفي كل لحظة وفي كل مناسبة أننا في حزب الله نُعلن نهاراً وجهاراً إدانتنا لهذا العدوان الوحشي والغير منطقي واللا إنساني على اليمن وشعب اليمن من قبل السعودية ومن يدعم السعودية.
مئة وسبعة أيام مضت على العدوان، والنتيجة ماذا؟ فشلٌ على فشل، أنتم أصبحتم حافظين وتكلمنا سابقاً، ضعوا أهداف عاصفة الحزم ياعزيزي وأنظروا ما الذي تحقق منها، وضعوا أهداف إعادة الأمل يا حبيبي وانظروا ما الذي تحقق منها، لن تجدوا سوى الفشل يضاف على الفشل.
على السعودية أن تدرك، أما آن للنظام السعودي أن يدرك ان حربه على اليمن باتت بلا أفق، وأنه أعجز من أن يقهر إرادة الشعب اليمني، وأن رهانه على جماعاته في الداخل ليس له نتيجة سوى المزيد من سفك الدماء، وأن تواصل القصف الجوي لن يسقط إرادة هذا الشعب المصر على الاستقلال والحرية والسيادة والعيش بكرامة. هذه مظاهرات صنعاء اليوم، سمعت بها وبشعاراتها بعد 107 أيام مجازر وقصف لم يستثنِ شيئاً، مستشفيات ومدن.. حتى في شهر رمضان أسواق، ويعرف أن هذا سوق، ليس خطأ، ولا انه يوضع كاتيوشا أمام السوق! سوق في العمق اليمني الصاروخ لا يوصل إلى الأراضي السعودية، يحلق الطيران ويقصف، وعشرات الشهداء يسقطون يومياً، لكن هذا الشعب خرج إلى الشارع اليوم، وقال موقفه، وعبّر عن إرادته.
يبدو أيها الإخوة والأخوات أن الحرب السعودية على اليمن باتت بلا أهداف، باتت بلا أهداف سياسية، وأن هدفها الوحيد المتبقي هو الانتقام من اليمن وشعب اليمن، والذي يحصل اليوم في اليمن ما عاد عملية عسكرية، الجيش السعودي يريد أن يدخل اين ! فليدافع عن مواقعه على الحدود .. ونسمع أنهم دخلوا إلى مواقعهم (أنا لا أحفظ أسماء المواقع) فهرب السعوديون منها وعاد اليمنيون وانسحبوا، لأنه بحال يريدون البقاء لا يوجد دفاع جوي ويقوم الطيران بقصفهم وهم أقوياء بالطيران وأي دولة عندها طائرات حربية تقدر تعمل وتقصف وتدمر وترتكب مجازر.. فليحافظ جيشكم على مواقعه الحدودية، وبعدها نرى إن كنتم مؤهلين للدخول على أرض اليمن أو لا.
لم نعد أمام عملية عسكرية، ولا أمام عملية سياسية، نحن أمام عملية انتقام: أنتم أيها الشعب اليمني خرجتم عن طاعة ولي الأمر لهم (يعني يعتبر السعوديون أنفسهم أنهم هم ولي الامر) خرجتم عن العبودية للسيد السعودي، تريدون أن تكونوا أسياد أنفسكم، وهذا غير مسموح وبهذه المنطقة ليس مسموحاً للشعب اليمني أن يكون هكذا، حسناً ادفعوا ثمن خياركم، ما هو الثمن؟ قصف وتدمير وقتل وإخضاع وهكذا.
ليس هناك شيء آخر غير هذا الذي يحصل الآن.
لكن في كل الاحوال السعودية والعالم يجب أن يساعد السعودية لكي "تنزل عن الشجرة وتنزل عن المئذنة أيضاً"، وليس أمام المدافع الذي أخذ خيار أن يدافع عن كرامته وأهله وسيادته وحريته سوى أن يستمر في الدفاع مهما طالت الحرب، أما المهاجم فهو الذي يستنفذ خياراته، وأنا أعتقد أن السعودية استنفذت خياراتها.
والكويت، كلمتان مع الكويت وقبل الكويت، يجب علينا أن نجدد إدانتنا للتفجيرات في القديح، في القطيف، وفي الدمام، وندين هذا العدوان على المساجد وعلى المصلين في المساجد، ونحذر من خطورة هذا الأمر. طبعا بالسابق أنا لم أتكلم بهذا الموضوع والآن لا أريد أن أحكي نتيجة حساسيات الوضع الداخلي في السعودية، وفهمكم كفاية..
لا بد أن ندين التفجير الذي تعرض له المسلمون الصائمون القائمون في مسجد الامام الصادق (عليه السلام) في الكويت، وعبّرنا عن هذه الإدانة والتعاطف، لكن يجب التنويه أن الكويت أميراً وحكومة ومجلس الأمة (يعني مجلس نواب) وقوى سياسية واجتماعية، علماء وسنة وشيعة ووسائل إعلام وأناس قدموا نموذجاً رائعاً في التعاطي مع هذا الحادث الخطير. يا ليت هذا النموذج يتم تعميمه في كل الدول العربية والاسلامية، يا ليتنا نرى عندما يتعرض مسجد أو كنيسة أو حسينية أو سوق أو مدرسة أو شارع لتفجير من هذا النوع، لعدوان من هذا النوع على الابرياء، أن نجد رأس الهرم في هذا البلد وحكومة البلد ونواب البلد وقواه السياسية ووسائل الإعلام وطوائفه المتنوعة تتضامن وتتعاون وتتواسى وتتضافر. إنه مشهد إنساني وأخلاقي لا يقدر الإنسان إلا أن يضرب له تحية.
طبعاً لماذا الإنسان يُعجب بهذا المشهد، لأنه لم يخرج أحد في الكويت لا في مجلس النواب ولا في الحكومة ولا في الإعلام الكويتي، حسب معلوماتي بموضوع الإعلام، ولا بالقوى الحقيقية في المجتمع الكويتي ليبرر ويوجد ذرائع للذين نفذوا عمليات التفجير، أبداً.
بالعكس (رأينا) إدانة شاملة ودفاع شامل، وربحوا بلدهم، لأن الذي فجر في المسجد لم يفجره على أساس سياسي، وأنتم تعرفون بالتصنيفات، حتى بالوضع الشيعي يقولون هؤلاء جماعة إيران هؤلاء ليسوا جماعة إيران كذا، لا. قتل هؤلاء فقط لأنهم شيعة وبالكويت وهدفه الفتنة المذهبية في الكويت، هدفه أن يتوتر بعض الشيعة ويعملوا رد فعل، فيخرج السنة ويعملون رد فعل، خرب البلد، والبلد يوجد فيه أجهزة المخابرات. ما فعله أمير الكويت وحكومة الكويت وشعب الكويت وعلماء الكويت أنهم ربحوا بلدهم، وحولوا التهديد إلى فرصة، التهديد بالفتنة المذهبية وبخراب البلد حولوه إلى فرصة للوحدة الوطنية، للتماسك الوطني، للتحصين الأمني في وجه هؤلاء التكفيريين المفتنين. نتمنى أن يعمم هذا النموذج.
أما في البحرين على العكس، بدل من أن يستفيد النظام في البحرين من التهديدات التي وجهتها داعش، لأنكم تتذكرون أنه بعد تفجير مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) صدرت بيانات لداعش تبنت تفجير الكويت وهددت بتفجير المساجد في البحرين. بدل من أن يأتي (النظام) ويستفيد من هذا التهديد ويدعو الناس في البحرين إلى التلاقي وإلى الحوار وإلى الاحتضان ويتعاطى معهم أبوياً وأخوياً وأخلاقياً وإنسانياً ويطلق سراح علمائهم ورموزهم وقادتهم من السجون، ويأتي ويقول لهم يا شعبنا ويا أهلنا ويا ناسنا ويا معارضة، البلد في خطر، التهديد يتوجه إلينا جميعاً، تفضلوا لنقوم بحوار وطني، تفضلوا لنفتح صفحة جديدة، تفضلوا لنلغي الأحكام الجائرة الظالمة التي صدرت بحق رموز وقيادات المعارضة السلمية في البحرين وآخرهم كان سماحة الأخ الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق، النظام لم يعمل هكذا، بالعكس، جاء ليستفيد من التهديد لمزيد من الهيمنة والسيطرة والقمع والتسلط الأمني ومصادرة الحريات. ولكن هذا كله لن ينفع لأن الشعب البحريني يواصل حراكه السلمي. خروجه اليوم إلى الطرقات لقضية تعني الأمة هو خير دليل، كما قلت، على وعيه والتزامه العقائدي والسياسي.
نأتي إلى لبنان، نتختم بلبنان.
كما قلت في البداية الحديث عن لبنان يحتاج إلى وقت مستقل ولكن سأكتفي ويمكن خلال أيام إذا الله سبحانه وتعالى شاء وأعان قد تكون هناك فرصة لنحكي بالتفصيل، لكن لا ألتزم بشيء، أكتفي بهذا المقدار الآن لأنه لا يمكننا أن نتجاوز ما يحصل عندنا الآن.
قبل أسابيع كان واضحاً أن البلد ذاهب إلى مشكل له علاقة بالحكومة وله علاقة بكل الوضع السياسي في البلد، وطرف أساسي في هذه المعادلة كان العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. نحن لأننا حلفاء ولأننا على تواصل ونعرف ما هو الموضوع، ما هي الموضوعات، ما هي المعضلات، وما هي الوعود التي أعطيت ولم يتم الوفاء بها، كان واضحاً عندنا أن البلد ذاهب إلى مشكل.
بالإعلام اكتفينا بالدعوة أنه يا ناس خذوا الأمور بشكل جدي، لا تدير ظهوركم، لا تفكروا أن الأمور تقطع هكذا بالوقت، لكن لم يكن هناك إصغاء ولم يأخذ أحد الأمور بشكل جدي. وأعتقد أنه كان هناك قراءة خاطئة عند البعض في لبنان، بعض الجهات السياسية المعنية. أنه، حسناً، الآن العماد عون يوجد مطالب يطالب بها وهي برأينا محقة، طبعاً يطالب فيها يعني بموضوع الحكومة وبموضوع آلية عمل مجلس الوزراء وأمور أخرى، الآن غير الأبحاث الكبيرة، تلك تحتاج إلى كثير من النقاش بين بعضنا، الآن، يبقى هذا جانباً، في النهاية نحن حلفاء وكلنا نتناقش، مثل موضوع الفيدرالية وغير الفيدرالية.
لكن ما يطرحه العماد عون هو مطالب محقة. هم بعض الناس ماذا تبين معهم، أنه الآن ممكن الحلفاء ليسوا متفقين كثيراً على الموقف، فلنحرك بين الحلفاء، حزب الله مشغول بسوريا أكيد لا يريد مشكل، نستفيد من بعض الثغرات هنا أو هناك نستفرد بالعماد عون وبالتيار الوطني الحر، أنا أقول لكم أنا كيف أفهم الأمور، وهذه قراءة خاطئة كانت. ولذلك صار هناك إصرار أنه لا نريد أن نجتمع في الحكومة ولا نريد أن نناقش الذي تريدونه يا جماعة لا أنتم ولا حلفاؤكم وأنتم ستبقون لوحدكم والحكومة ستمشي وجدول الأعمال سوف يمشي ولن يحصل شيء، "واللي بيزعل يزعل" والذي يريد أن يصرخ فليصرخ والذي يريد أن يرحل فليرحل، الحكومة بكم ومن دونكم تمشي. هذه القراءة كانت خاطئة، أقول هذه القراءة التي حصلت، هذه القراءة كانت خاطئة. لم نكن محتاجين أن نصل لهذا الموضوع لأنه كل الذي كان مطلوباً أنه قبل اجتماع مجلس الوزراء العالم تجلس وتجتمع تحت أي عنوان من العناوين، مجلس الوزراء أو خارجه، تعود وتتفق على آلية عمل مجلس الوزراء، لأنه منه يدخل على التعيينات الأمنية وجدول الأعمال وإلى آخره وبحث صلاحيات الرئيس. ولكن هذا لم يحصل، حصل هناك "إدارة ظهر"، هذا الخطأ الذي حصل.
حسناً، ما الذي بان بعد ذلك، الذي بان أن هذه القراءة خاطئة وأن حلفاء العماد عون لم يتخلوا عنه ولم يتركوه ولم يتخلوا عن التيار الوطني الحر، والشاهد هو ما حصل قبل وأثناء مجلس الوزراء. بقيت هناك إشكالية بعض الناس حاولوا أن يلعبوا عليها، أن حلفاء العماد عون، والآن بالتحديد أنا أتكلم عن حزب الله، ليسوا جديين بدليل أن المظاهرات نزلت فقط من التيار الوطني الحر، أين حزب الله، لم ينزل إلى الشارع؟ رغم أن هذا تفصيل لكن لأنه يشغل عليه دعوني أجيب.
أولاً: ليس من مصلحة الحراك الشعبي الذي يريد أن يخدم المطالب المحقة التي يطرحها العماد عون والتيار الوطنيس الحر أن يشارك حزب الله في مظاهرات شعبية، لا يوجد مصلحة أكيد، تعرفون لماذا؟ لأنه عندما ننزل بالمظاهرة، سوف يصبح الموضوع: المفاوضات النووية بفيينا، والقتال بسوريا، والمحكمة الدولية وإسقاط الحكومة والمؤتمر التأسيسي، سوف يضيع العماد عون وكل مطالب العماد عون، في الوقت أن مطالب العماد عون هي مطالب موضوعية وواقعية ويمكن تحقيقها.
إذاً ليس من الحكمة أولاً أن نشارك نحن في هذه التظاهرات.
ثانياً: العماد عون لم يطلب منا، طيب "منعزم أنفسنا نحن؟"، لم يطلب منا لأن الرجل يتفهم طبيعة المسؤوليات التي يتحملها حزب الله في هذه المرحلة، يعني ليس "أنه عفّ عنا"، لا، هو يتفهم طبيعة المسؤوليات وحجم المهام التي يتحملها حزب الله في هذه المرحلة، "كثّر خيره".
حسناً، لما تبين أن الجماعة متضامنون وواقفون مع بعضهم/ ولذلك في مجلس الوزراء عدة مرات يُسأل، يعني رئيس الحكومة يسأل أن هذا موقفكم، هذا موقف حلفائكم يعني؟ كأنه يمكن كان لديه انطباع مختلف.
عل كل حال، أنا لا أريد أن أدخل بالوقائع والتفاصيل والأسباب وتحميل المسؤوليات لكن بالوقت المتبقي أريد أن أؤكد على كم نقطة بالوضع اللبناني.
أولاً: مع إدراكنا لصعوبة انتخاب رئيس للجمهورية بسبب الظروف الحالية يجب أن يقى هذا الأمر أولوية الجميع.
ثانياً: يجب التفاهم على آلية واضحة وحاسمة لعمل مجلس الوزراء الحالي، نظراً للظرف الاستثنائي في غياب رئيس جمهورية. لازم العالم تعود وتجلس، في الأول كنا متفاهمين، حصل تعديل، بعد ذلك أصبحنا في محل آخر، لا أريد أن أدخل بالتفاصيل. يجب بالجلسة الآتية أو قبلها أن يتفاهم الجميع، ونحسم هذا النقاش وننهي هذا الغموض.
أريد أن أؤكد، لا العماد عون ولا أحد من حلفاء العماد عون يريد تعطيل حكومة، لا أحد يتهم بتعطيل حكومة، ولا أحد يريد أن يسقط الحكومة، كلنا ندرك أن إسقاط هذه الحكومة لأي سبب من الأسباب يعني أن البلد كله ذهب إلى الفراغ. بهذا الوضع الإقليمي هذه خطوة خطيرة جداً، لا أحد يريد إسقاط الحكومة ولا أحد يريد تعطيل الحكومة. لكن كل أحد يريد أن تعمل الحكومة بشكل صحيح، وضمن الدستور والآليات الدستورية والقوانين، وأيضاً بما يعزز الشراكة. الآن يوجد اجتهادات، يوجد فهم مختلف، دعونا نصل لاجتهاد واحد، وحتى لو لم نصل لاجتهاد واحد دعونا نصل لاتفاق، لأن البلد في ظرف استثنائي يحتاج إلى تفاهم من هذا النوع.
الدليل، أنه لا أحد عنده غرض من هذا النوع، أن هذه الحكومة كم أصبح لها، سنة وأربعة أشهر وأغلب وقتها في ظل الفراغ وماشية وجدول أعمالها ماشية وأخذت ما شاء الله مئات القرارات، هل عطل أحد؟ لم يعطل أحد، لأنه لا يوجد أحد لديه نية ليعطل، مصالح الناس، مصالح العباد، مصالح البلد، مصلحة البلد العليا، تقتضي أن لا أحد يعطل. لكن العمل يجب أن يمشي بالآليات الصحيحة وبما يضمن الشراكة والثقة والطمأنينة بين مكونات الحكومة.
هذا في ما يعني الحكومة.
ثالثاً: نحن فيما يتعلق بعمل مجلس النواب، نحن لدينا موقف واضح، من اليوم الذي أصبح هناك فراغ في الرئاسة، نحن في حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة لم نربط بين عمل مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس الجمهورية، هذا موقف قد نختلف فيه مع آخرين. لذلك نحن مع عمل مجلس النواب، مع أن مجلس النواب يفتح ويشتغل شغله الطبيعي.
حسناً، الآن انتهى الوقت العادي لإشكاليات حصلت، نحن أيضاً بكل صراحة في هذا اليوم ومن نفس المنطلق والمنطق والرؤية ندعو إلى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وأن نوقع جميعاً لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب وأن نطلق عمل مجلس النواب، الآن يوجد مشاريع قوانين، يوجد اقتراحات قوانين، يوجد أشياء بالنسبة لبعض القوى السياسية هي أولوية، ممكن في هذه الفترة أن يُجرى حوار ونرى هذا الموضوع، كيف يعالج لنؤمن ميثاقية الجلسة. وأنا هنا وكلنا في البلد نراهن ونعرف، يعني نراهن على ما نعرف، على حكمة وتدبير وحلم دولة الرئيس نبيه بري، وهذا الأمر ممكن أن يحصل تعاون فيه، ونجد أن مجلس النواب فتح، والبلد يشتغل، ويوجد قوانين أساسية أيضاً حياتية يحتاجها البلد، ممكن أن هذا الأمر ينجز.
رابعاً، أنا أدعو إلى حوار جديد، انظروا، الآن لدينا فرصة من هنا حتى بعد العيد، حتى لا أحد يضيع الموضوع ويأخذ المشكل إلى مكان آخر، ويخترع مشكلاً هنا وهنا وهنا.
القصة بالتحديد أن هناك طرفاً معنياً بأن يعالج هذا الموضوع مع التيار الوطني الحر ومع العماد عون، هذه الجهة، هذا الفريق، الحرف الأول من إسمه هو تيار المستقبل، ولا يضعنّ أحد المشكلة في مكان آخر، ولا يحاولنّ أحد أن يخترع مشكلة في مكان آخر. لأنه كان هناك حوارات، وكانت هناك وعود، كان هناك شبه وعود من قبل تيار المستقبل للعماد عون. تفضلوا اعملوا نقاش.. هذا لا يعني استثناء الآخرين، لكن المشكل الحقيقي هنا. الكل يعطي رأياً ويساعد، بقية مكونات الحكومة، لكن هذا الأمر الذي يجب أن يعمل لإنجازه.
إدارة الظهر لن تؤدي إلى نتيجة، الرهان على الوقت خاطئ، الرهان على إمكانية عزل التيار الوطني الحر عن حلفائه، رهان خاطئ وبائس، وهذا أمر غير وارد.
أنا بكل صراحة ووضوح الآن أقول لكم وأعلن لكم: نحن لن نتخلى عن أي من حلفائنا ولن نتخلى عن تحالفنا وعن حليفنا العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. وخياراتنا للحفاظ على هذا التحالف مفتوحة، خياراتنا مفتوحة، وكل شيء ممكن أن يحصل. لا يعتبرنّ أحد أني أهدد، أنا لا أهدد، أنا أوصّف حقيقة، لأننا نحن مع حلفائنا نتعاطى بهذه الطريقة. وكل البلد يعرف أننا نتصرف بهذه الطريقة. لذلك الأجدى هو الذهاب إلى حوار، يبدأ ثنائياً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ثم ننضم إليه جميعاً لنعززه ونقويه ونمتنه ونشرعنه في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، ونجعل البلد يسير.
لبنان أيها الأخوة والأخوات في هذه المرحلة التاريخية والصعبة من تاريخ المنطقة هو بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الحفاظ على سلمه الأهلي وعلى استقراره السياسي وعلى مؤسساته الدستورية وعلى عيشه الواحد وعيشه المشترك، ولا مجال فيه لا للإقصاء ولا للإلغاء ولا للإستئثار.
قدر اللبنانيين أن يعيشوا معاً، قدر اللبنانيين هو الشراكة، وطريقهم الوحيد للحفاظ على بلدهم وأمنه واستقراره ومؤسساته والشراكة الحقيقة فيه هو الحوار والتلاقي وعدم إدارة الظهر، وعدم الرهان على المتغيرات الإقليمية والدولية لأننا نحن بسفينة في منطقة هائجة، لا نعرف إذا أخطأنا جميعاً في قيادة هذه السفينة أين يمكن أن تصل الأمور.
البعض يقول ستهدأ لمصلحتي، من قال؟ مضت خمس سنوات، من يقول إنها ستهدأ لمصلحتك؟ أو، لأكون واقعياً، من يقول أنها ستهدأ لمصلحتي؟ وإن كنت مقتنعاً بتوقعي وأنت مقتنع بتوقعك. لكن كل هذه توقعات. الحريص على البلد، نعم، نحن منذ اليوم الأول قلنا: تعالوا لنتعاون لنجنب البلد تداعيات ما يجري في المنطقة، وكل طرف فيما يعني المنطقة يأخذ الخيار الذي يريده، وقد انتقدنا بعض الناس على هذا الموقف. هذا الموقف تبيّن اليوم صحته. دعونا نحيّد بلدنا، فلنتحدث مع بعضنا البعض، وأن لا ندير الظهر لبعض. هذا نحن وتيار المستقبل في حالة حوار، ما هي مقدار نتائجه؟ بالنهاية لا يخلو من إيجابيات في مكان ما. لكن ما هو الخيار الثاني، وهكذا بالنسبة لكل الأطراف اللبنانية.
أيها الأخوة والأخوات، في يوم القدس وعلى ضوء كل هذا التاريخ وكل هذه التجارب وكل أوضاع المنطقة وتطوراتها ومستجداتها، ماذا يبقى من خيار أمام الشعب الفلسطيني؟ ماذا يبقى من خيار أمام الذين يؤمنون بالقدس وبكرامة المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين. الرهان على النظام العربي؟ انتظار داعش والنصرة والقاعدة؟ انتظار المجتمع الدولي؟ انتظار بوكو حرام؟ انتظار الملوك والرؤساء والأمراء وجامعة الدول العربية (اللي مش عارفة الله وين حاططها)؟ أو خيار المقاومة؟
التجربة والمنطق والعقل والدليل والحقيقة والتاريخ والسنن والقوانين كلها تقول إنه ليس أمام الشعب الفلسطيني وأمام شعوب المنطقة التي تريد أن تحافظ على وجودها وعلى كرامتها وعلى سيادتها وعلى خياراتها وأن تستعيد مقدساتها سوى خيار المقاومة.
في يوم القدس، نحن في حزب الله نجدد عهدنا لإمامنا الخميني، لأمتنا، لشعوب أمتنا، لشعبنا اللبناني، لشعبنا العزيز والمضحي الذي يقدم في كل يوم شهداء في المقاومة وعلى طريق المقاومة، نجدد عهدنا أننا سنبقى المقاومة التي تدافع عن شعبها وعن أمتها وعن مقدساتها في مواجهة مشاريع الاحتلال والاستيطان والهيمنة مهما بلغت التضحيات، ومها تعاظمت قوافل الشهداء، لأن هذا هو الطريق الوحيد الموصل إلى القدس، الموصل إلى الكرامة، الموصل إلى النصر.
تقبّل الله منكم وأعاد الله عليكم هذا الشهر الكريم وهذا العيد الآتي المبارك وأمتنا في حال أفضل من هذه الحال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية، كالعادة، أرحب بكم جميعاً في هذا الحضور الطيب والمبارك، وأشكركم على ذلك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل في مثل هذه الليالي والايام قيامكم وصيامكم، وأن يُتم عليكم هذه الأيام الفضيلة والعزيزة والكريمة بأفضل ما يمنّه على عباده الصائمين والقائمين والعابدين.
مجدداً نلتقي في إحياء يوم القدس العالمي الذي دعا إليه سماحة الإمام الخميني (قدس سره الشريف) في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك. وكان هدف الإمام أن تبقى القدس حية وأن تبقى قضية فلسطين حية في وجدان الأمة، في ثقافة الأمة، في اهتمام الأمة، في أولوياتها، في مشاريعها، في حركاتها، في جهادها، في نضالها. يوماً بعد يوم تتأكد الحكمة البالغة من هذا القرار الذي اتخذه الإمام رضوان الله عليه، والظروف التي تعيشها منطقتنا وأمتنا في هذه الأيام في هذه السنين تؤكد أيضاً هذه الحاجة.
في هذه السنة، أو في مثل هذه الأيام، نحيي يوم القدس وبين أيدينا عام مضى على العدوان الإسرائيلي الصهيوني الوحشي والمجرم في شهر رمضان العام الماضي على قطاع غزة وأهل غزة وشعب غزة ومقاومة غزة.
اليوم، بالرغم من كل الاوضاع الصعبة التي تجتاح منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي، بحمد الله نجد الملايين الذين لبوا دعوة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) سواء في إيران، الحشود الأكبر في كل المدن الايرانية، في دول عربية وإسلامية أخرى على ما تناقلت وسائل الاعلام، في العراق، في اليمن، في سوريا، في الأردن، في القطيف في السعودية، في البحرين، في تونس، موريتانيا، السودان، في غزة، في تركيا في اسطنبول، في باكستان، في مدن أوروبية، وهذا مؤشر مهم جداً يدعو إلى الأمل الكبير أنه ما زال هناك من يتذكر القدس ـ يعني سوف نتواضع إلى هذا الحد ـ يتذكر القدس ويخرج إلى الشوارع أو يجتمع في أماكن واسعة وكبيرة كهذا المكان ويحيي ويرفع صوته لنصرة هذه القضية، لكن اسمحوا لي في البداية أن أتوقف بشكل خاص أمام مظاهرتين أو إحياءين:
الأول في اليمن، هؤلاء الأعزاء الذين خرجوا اليوم إلى شوارع صنعاء يتظاهرون من أجل فلسطين والقدس، وبالرغم من تواصل العدوان السعودي الأميركي على بلادهم ومدنهم وقراهم وكل شيء عندهم من بشر وحجر، بالرغم من الغارات المستمرة حتى على صنعاء وعلى داخل صنعاء وعلى محيط صنعاء، يخرج عشرات الآلاف، حتى لا أقول مئات الآلاف، ويتظاهرون من أجل القدس وفلسطين وغزة وشعب فلسطين. طبعاً، بالموضوع النفسي، نحن نفهم هذا الموضوع، الشعب اليمني يشعر أن العالم تخلى عنه، بأن العالم العربي والعالم الاسلامي تخلوا عنه، وأن العالم لم ينقسم بين مؤيد للحرب ورافض لها، بل بين مؤيد للعدوان على اليمن والسكوت عنه، وقليل هم الرافضون لهذه الحرب، مع ذلك هذا الأمر المؤلم والمحزن والمخزي، لم يدفع بالشعب اليمني ليقول: لا شأن لي بفلسطين ولا بالقدس ولا بغزة ولا بشعب فلسطين. هذا أمر يستحق التقدير والتحية والتعظيم والتقدير والوقوف بإجلال أمام إرادة الشعب اليمني، وعي الشعب اليمني، صمود الشعب اليمني، وإخلاص الشعب اليمني الذي أكد اليوم التزامه العقائدي والسياسي والجهادي والأخلاقي بقضية فلسطين.
والمكان الثاني هو البحرين، لأن الذي يجمع البحرين باليمن هو الخذلان، خذلان العالم العربي والاسلامي والعالم، في بقية دول العالم، سمّوها معارضة، سمّوها جماعات مسلحة، سموها ثورات شعبية، هناك دول ـ ما شاء الله ـ تدعمها بالمال والسلاح وبالاعلام، وتعقد من أجلها المؤتمرات وجلسات في مجلس الأمن وماكينات دولية وإقليمية ضخمة. الآن البحرين ليست كذلك، واليمن ليست كذلك، يعني هناك مظلومية خاصة، لماذا أنا أختار هذين البلدين، وبالرغم من ذلك في كل بلدات وشوارع وقرى البحرين، خرج الشعب البحريني لإحياء يوم القدس وليؤكد أيضاً التزامه العقائدي والإيماني والسياسي بهذه القضية، قضية الأمة المركزية وليؤكدوا أيضاً بأن هذا الموضوع بالنسبة لنا جميعاً موضوع عقائدي، أيّا تكن التطورات السياسية، هي لن تحيد رغم المخاطر في البحرين، رغم تهديدات داعش أنها ستفجر المساجد في البحرين ورغم قمع السلطة الذي يمكن أن نعود ونتحدث عنه بعد قليل.
بكل الأحوال، هذه الملايين التي خرجت اليوم هي تمثل أملاً كبيراً عندما نتطلع إلى مشهد المنطقة.
حسناً، اليوم بمناسبة هذا اليوم العظيم اسمحوا لي أن أتحدث قليلا عن إسرائيل المغتصبة للقدس، نرى أين هي، لأنه على مدار السنة كلنا مشغولون عن العدو، صرنا مشغولين في أماكن أخرى، وسأتحدث قليلاً عن أوضاع المنطقة، أخيراً أتحدث عن لبنان قليلاً وإن كان الحديث في التطورات السياسية اللبنانية يحتاج إلى وقت خاص ومستقل، لكن مع ذلك سأجتزئ جزءاً من الخطاب نتيجة أهمية التطورات التي حصلت في الأيام والأسابيع القليلة الماضية.
لنتحدث أولاً عن عدونا عن إسرائيل المغتصبة لفلسطين، أين إسرائيل اليوم. الشهرالماضي، في حزيران، نظموا مؤتمراً في هرتزيليا وهو كل سنة ينظم عادة، أنا أتحدث عنه في بعض المناسبات، يحضره قادة سياسيون وعسكريون وأمنيون إسرائيليون، سواء في الحكومة الإسرائيلية أو في المعارضة، وخبراء وضيوف من شتى أنحاء العالم، وطبيعة هذا المؤتمر أنه يتناول قضايا استراتيجية تتعلق بإسرائيل والمنطقة، خرجوا بخلاصات، أنا الآن سأركز على بعض هذه الخلاصات وعلى بعض المواقف الاسرائيلية، لنرى إسرائيل اليوم أين بالمنطقة، وعلى ضوء تطورات المنطقة.
أول خلاصة خرجوا فيها بالإجماع أن هناك تحسناً في البيئة الاستراتيجية والإقليمية لإسرائيل، يعني الجماعة "قاعدين مرتاحين مستأنسين"، والبيئة الاستراتيجية من حولهم، التي أرعبتهم قبل أربع سنوات، مع بدايات الربيع العربي والصحوة الإسلامية والثورات الشعبية، والآن في ال2015 المشهد مختلف. الجماعة "مريّحين أعصابهم" تماماً، ببساطة وبأسف، للأسف الشديد أن القادة الاسرائيليين الصهاينة لم يجدوا في أمة المليار ونصف مليار مسلم - الآن هناك أناس يقولون مليارين مسلم، بعدنا نحن على العتيق، الله أعلم، خلينا على العتيق ـ في أمة المليار ونصف مليار مسلم لم يجدوا فيها تهديداً لوجود كيان صغير على أرض فلسطين يحتل هذا البلد الشريف المقدس، لم يجدوا ـ إلا بعض الاستثناءات أعود إليها بعد قليل ـ في أنظمة المليار ونصف مليار مسلم ولا في جيوش المليار ونصف مليار مسلم، ولا في أسلحة الجو والمدرعات والصواريخ وغيرها أي تهديد، هم مطمئنون ومرتاحون وهناك تحسن في البيئة الاستراتيجية.
إسرائيل ترى أن كل ما يجري حولها يخدم مصالحها الآن، في موضوع سوريا ـ الاستثناءات المتعلقة بالتهديد لها عنوان لوحده لأنهم هم تكلموا عنه ـ في موضوع سوريا عبّر المجتمعون وأيضا يعبر القادة الاسرائيليون قبل المؤتمر وبعد المؤتمر عن ارتياحهم لما تعانيه سوريا من حرب ودمار وقتال بمعزل عن النتيجة التي ستنتهي إليها سوريا، وهم لا يفكرون بالنتيجة كثيراً، هم سعداء بما يجري فعلياً، يعني هناك دولة أساسية في محور المقاومة، في مشروع المقاومة، هناك دولة رافضة للاستسلام للهيمنة الأميريكية والإسرائيلية ولشروط التسوية الإسرائيلية لفلسطين وللمنطقة، الآن تعاني وتضعف وتدمّر. هكذا يتحدث الاسرائيليون وهم مستأنسون، لذلك يطالب بعض الزعماء الصهاينة بالعمل على المستوى الدولي لإقناع العالم بالاعتراف الرسمي بضم الجولان نهائياً إلى دولة إسرائيل الغاصبة. الآن سيبدأون جهداً ديبلوماسياً في هذا الاتجاه بدعوى أن هذا هو وضع سوريا ومن الخطر أن نعيد الجولان لسوريا، باتت حجة جديدة أنه خطير أن نعيد الجولان إلى سوريا، والدعوات إلى تفعيل مشاريع الاستيطان في الجولان ليصل عدد المستوطنين إلى 100 الف، هذا طرح في المؤتمر.
في موضوع اليمن، تعبّر اسرائيل عن سعادتها لما يجري من عدوان سعودي ـ أميركي على اليمن، وتعبّر عن تضامنها مع السعودية، ويتحدث مسؤولوها عن لزوم إقامة شراكة استراتيجية مع السعودية ومع دول الاعتدال العربي لمنع التهديد الآتي من اليمن، لأن هناك أناساً يتطلعون إلى اليمن بعيون ومن زوايا مختلفة، ولكن هناك عين اسرائيلية تقول إن اليمن اذا استقل، اليمن إذا أصبح سيداً حراً مستقلاً خاضعا لإرادة شعبه اليمني، فاليمن حكماً مقاوم، اليمن حكماً جزء من محور المقاومة، اليمن حكماً تهديد استراتيجي لإسرائيل، والحرب على اليمن اليوم هي أكبر خدمة تقدمها السعودية لإسرائيل. والاسرائيليون فرحون ومجاناً.
الموقع الاستراتيجي لليمن على باب المندب، على البحر الاحمر، كل هذا، للذي يقرأ باستراتيجيات المنطقة والعسكر والاقتصاد والأمن والسياسة، يفهم هذا الأمر.
اسرائيل تعبر عن سعادتها بالحروب الأهلية المنتشرة في كل المنطقة، وتعمل وتساعد بمخابراتها وبأشكال مختلفة على تسعير هذه الحروب، وللأسف الشديد، الكثير من الدول دخلت في هذه المصيبة، وما يحضّر الآن للجزائر وللأسف الشديد تحت عنوان طائفي، كانوا دائماً ـ أنا ليس لدي معلومات تفصيلية، ولا أدعي الإحاطة بهذا الملف ـ ولكن عندما كان يقع مشاكل في بعض المناطق كانت تتحدث بعض وسائل الإعلام عن خلاف عرقي أو على أساس عرقي، أي عرب وأمازيغ، ولكن أنا شاهدت في الأيام الماضية بعض الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية تتحدث عن صراع بين المالكيين والأباضيين، أي أن الغرب يريد أن يقدم الصراع على أنه صراع مذهبي وطائفي، وهذا الذي يُعمل عليه على مستوى المنطقة ككل.
وصلت الوقاحة في هذا المؤتمر بالإسرائيليين إلى حد الدعوة إلى تحالف إسرائيلي عربي في مواجهة الإرهاب. تصوروا، إسرائيل تدعو إلى تحالف إسرائيلي عربي لمواجهة الارهاب. من الإرهاب لديهم؟ أيران وحركات المقاومة، والآن ـ كي لا يكونوا مفضوحين كثيراً ـ وضعوا معنا داعش، ولكن طبعاً لم يأتوا على سيرة النصرة ولا القاعدة ولا أنصار بيت المقدس ولا بوكو حرام ولا غيرهم.
إسرائيل، هذه المنافقة، تدّعي أنها تتضامن مع مصر في مواجهة أحداث سيناء، وتحرّض للإيقاع بين مصر وقطاع غزة وبالخصوص مع حركة حماس.
في سوريا تقدم نفسها مدافعة عن الدروز، وهي التي تقدم كل أشكال الدعم لجبهة النصرة والجماعات المسلحة التكفيرية التي تهدد كل السوريين، وليس الدروز فقط. هذا هو النفاق والدجل.
ولكن بمعزل عن كل التفاصيل، إسرائيل التي هي أم الإرهاب وأصل الإرهاب والدولة الإرهابية والكيان الذي أنشأته منظمات إرهابية، وإذا أردنا ان نتكلم بلغة الفلسفة، الدولة الموجودة التي ماهيتها إرهاب وطبيعتها إرهاب، هي تقدم نفسها على أنها محاربة للإرهاب. أنظروا إلى أي زمن وصلنا، إسرائيل هذه التي قبل عام فقط ارتكبت أبشع حرب وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، والتقارير الدولية والمؤسسات الدولية التي طالما كانت تجامل اسرائيل لم تستطع هذه المرة أن تخفي هذه الحقيقة، كم قتلت من أطفال ونساء ودمرت من بيوت وسفكت من دماء المدنيين في غزة، ثم تأتي وتقدم نفسها دولة حضارية وتريد أن تكون جزءاً من مشروع أو محور محاربة الارهاب. طبعاً هذا قمة الوقاحة، ويجب أن "لا ننغشّ"، لأن هناك أناساً أحياناً نتيجة وطأة الإرهاب عليهم يمكن أن يستنتجوا أنه أنا ما علاقتي بإسرائيل، أنا أولويتي الآن هذا الإرهاب الذي يواجهني، لأن الإرهاب التكفيري الموجود من أشد المحن التي تواجهها أمتنا، لانهم لا يقتلون الناس على أساس سياسي ولا على أساس مشروع سياسي، وإنما على أساس الانتماء الديني أو الانتماء الفكري أو الانتماء المذهبي، وكل حوادث القتل التي تجري الآن في كل المنطقة هي على هذا الأساس وليست على أساس مشروع سياسي أو صراع سياسي.
آخر شيء، لنرَ مَن الذي يعتبره عدونا تهديداً؟ من يشكل تهديداً بحسب رأيه؟ يوجد جهة واحدة، دولة واحدة، تشكل له تهديداً. بعد ما حصل لسوريا حذفها من دائرة الدول المهددة. يوجد إيران، الجمهورية الإسلامية في إيران، لذلك تجدون في مؤتمر (هرتسيليا) وقبله وبعده، كل العقل الاسرائيلي مهجوس ومهووس بإيران، بالجمهورية الاسلامية، بملفها النووي، بتطوير قدراتها الصاروخية، بوضعها الاقتصادي، بديموقراطيتها، بتضامن شعبها مع نظامها، بصحة قائدها وعافيته. كل ما يتعلق في ايران تجد اسرائيل تضعه أمامها وتعمل عليه في داخل إيران وفي خارج ايران وعلى مستوى المحافل الدولي.
الذي على المهداف بالنسبة لإسرائيل هو الجمهورية الاسلامية في ايران، ومعها حركات المقاومة لأن لدى اسرائيل، مع تعظيمنا وتقديرنا لحركات المقاومة ولأنفسنا ـ لا مشكلة لو قدرنا أنفسنا قليلاً ـ حركات المقاومة لم تصل إلى المرحلة التي تمثل بالنسبة لاسرائيل تهديداً وجودياً.
نعم حركات المقاومة باتت تمثل تهديداً استراتيجياً، ولكن لم تصل إلى المرحلة التي تمثّل تهديداً وجودياً.
اليوم، على وجه الكرة الارضية، الدولة أو الكيان أو الوجود الوحيد الذي تعتبر إسرائيل إنه يشكل تهديداً وجودياً لها هو الجمهورية السلامية في ايران.
هذ الحقائق، ومن لديه كلام آخر فليتفضل. ولذلك هي تحرّض كل العالم على إيران، أميركا، الكونغرس، نتنياهو حاضر يخرب علاقاته مع البيت الابيض ليحرض الكونغرس على إيران، تحريض العرب، والكثير من هذه الأنظمة العربية، هم أصلاً هذه حساباتهم وعقليتهم وتركيبتهم كذلك في هذا الموضوع.
سؤال، ألا يشكل هذا اليوم، إذا هدأنا كعرب كمسلمين كفلسطينيين، كشعوب منطقة، أن يجلس الشخص ويهدأ ويغلق أذنيه على الرصاص وإطلاق النار والمشاكل والفضائيات العربية، ويتأمل ويسأل، لماذا اسرائيل ـ أمام كل هذا العالم العربي والاسلامي، كل هذا العالم ومليار ومليار ونص مليار مسلم، ودول وجيوش وشعوب ـ أسرائيل لا تخاف من أحد ولا قلقلة من أحد ولا تسأل عن أحد إلا إيران. لماذا إيران؟ ألا يشكل هذا الموضوع سؤالاً في يوم القدس العالمي؟ لماذا هذا العداء المطلق لإيران من قبل الصهاينة؟ لماذا لا نرى شيئاً من هذا التحسس أو التوجس أو القلق أو الخوف أو الحذر من قبل إسرائيل باتجاه السعودية، أو باتجاه أي نظام عربي آخر، حتى لا تقولوا إن السيد "حاطط راسو براس السعودية".
هذا سؤال منطقي وطبيعي، لماذا؟ الآن الدول العربية، الآن الجيوش العربية تشتري الطائرات بمليارات الدولارات، طائرات وصواريخ ومدافع وضد الدروع وصواريخ بعيدة مدى، لا يوجد ولا ملاحظة إسرائيلية، لأنه يوجد اطمئنان، هناك ثقة وضمانات، ليس فقط ضمانات خطية، هم واثقون ثقة مطلقة بهذا العقل الرسمي العربي، وبهذا النظام الرسمي العربي، هم ليسوا محتاجين لضمانات اميركية أو ضمانات خطية، والتجربة خير دليل، هذه 76 سنة، ماذا فعل هؤلاء العرب مثلاً بأغلبهم؟ ببساطة لأن اسرائيل تعلم علم اليقين أن النظام الرسمي العربي باعها فلسطين والقدس وشعب فلسطين، والدليل الآن 76 سنة والآن، حسناً، هذه سنة مرة على غزة، هل عمّرت بيوت غزة؟ وما هو أوضاع جرحى غزة؟ ما هو وضع حصار غزة؟ وما هي أوضاع الناس في غزة؟ لو جزء بسيط من مليارات الدولارات التي تنفق في الحرب على اليمن والحرب على سورية والحرب على العراق وقمع الناس أنفقت على غزة، ألم تكن غزة اليوم في وضع معقول؟
حسناً هؤلاء أليسوا جزءاً من فلسطين، أليسوا جزءا من هذه الأمة؟ واعذروني أن أعود وأقول لأننا مضطرون في هذا الزمن أن نحكي بهذه اللغة: أليسوا من أهل السنّة الجماعة ؟ أليسوا من المسلمين الصائمين القائمين؟ لماذا هم متروكون؟ لأنه يوجد قرار رسمي عربي بأن يبيعوا فلسطين، لا يوجد فلسطين، والفلسطينيون يعذبون أنفسهم ويقفون على الأطلال يهذا الموضوع، ولأن إسرائيل تعلم أيضا أن المشروع التكفيري الذي يرعاه بعض النظام العربي غير معني أساساً لا بفلسطين ولا بالقدس وأن معركته في مكان آخر، وأن هذا المشروع التكفيري يخدم إسرائيل بالمطلق، ويدمر لها دون تعب سورية والعراق ويساعد على تدمير اليمن ويثير الفتنة المذهبية والطائفية في عموم المسلمين والمسيحيين ويمزق الأمة ويمزق كل نسيج وطني في كل بلد من بلداننا، ومن دون أي كلفة.
إذاً، من الذي ما زال يرفع الراية، أنا لا أتكلم هنا لأمدح إيران، بل لأصل إلى موقف وأطالب بموقف. الذي ما زال يرفع الراية ويتقدم الجمع ويرفض الاعتراف بأصل وجود هذا الكيان، حتى لو توقف الاتفاق النووي والمفاوضات النووية عليه الذي يعقد في فيينا الآن والذي متوقع أن يمد اكثر، أتذكرون نتنياهو طالب أن الاتفاق يجب أن يتضمن بنداً تعترف فيه إيران بوجود دولة إسرائيل، وأنا أقول لكم: لو وقف كل الملف النووي وأعطوا إيران ما تريد في الملف النووي وما لا تحلم به في الملف النووي، إذا كان شرطه اعتراف إيران بوجود دولة إسرائيل فإن الجمهورية الإسلامية في إيران، جمهورية الإمام الخميني بقيادة سماحة الإمام الخامنئي، بحكومتها ومجلس نوابها وشعبها لن توافق على مادة أو بند من هذا النوع، لأنها تخرج من دينها في ذلك الوقت. هم لا يعرفون أن هذه هي إيران، ولأن ايران هذه التي ما زالت تتقدم الجمع هي التي تدعم محور الممانعة دولاً وشعوباً وحركات، سياسياً ومعنوياً ومادياً ومالياً وتسليحياً و"على رأس السطح" وتحت الشمس وهذا ما لا يجرؤ على أن يفعله أحد ـ أو حتى لا أبالغ، الكثيرون ـ رغم العقوبات القاسية التي تعانيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً والتهديد الدائم بالحرب عليها وقصف منشآتها. لأن إيران تشكل هذا التهديد لمشروع الهيمنة الاميركية على المنطقة شُنّت عليها الحروب العسكرية سابقاً وتشن عليها الحروب الإعلامية، السياسية والنفسية والاقتصادية، ويشارك في هذه الحروب أدوات وحلفاء أميركا في المنطقة والذين كانوا خير سند لإسرائيل في النتيجة طوال عقود من الزمن.
في يوم القدس العالمي، دعوني أكون صريحاً مع المسلمين، مع المسيحيين، مع العرب، مع الفلسطينيين، مع حركات المقاومة، مع كل مساند ومؤيد للقضية الفلسطينية: لا تستطيع ان تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وإذا كنت عدواً للجمهورية الإسلامية في إيران فأنت عدو لفلسطين وللقدس، لماذا؟ هذا ليس ادعاء، لأن الأمل الوحيد المتبقي بعد الله سبحانه وتعالى لاستعادة فلسطين والقدس هي هذه الجمهورية الاسلامية ومساندتها لشعوب وحركات المقاومة في هذه المنطقة وفي مقدمها الشعب الفلسطيني. طالما أن العالم ينقسم إلى محاور ومعسكرات ومواقف، دعونا نكون واضحين وصريحين، إذا كان الشخص يريد أن يكون جدياً، إذا كان يريد أن يكون مخلصاً ويضع العصبيات جانباً وإذا كان يريد أن يكون منطقياً، هذا منطق، هذا حكي هذا العدو الذي يجمع على هذا الذي أقوله. لا يوجد أحد في إسرائيل يقول غير هذا بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران.
أما محاولة التهرب من هذا الموقف التاريخي والحاسم تحت عنوان المشروع الفارسي، لا يوجد مشروع فارسي، هذه خدعة لإبعاد الناس عن حليف جدي وحقيقي للعرب وللمسلمين ولشعوب المنطقة اسمه ايران. أي حديث عن مشروع صفوي هذا كلام فارغ نبشوه من التاريخ. أي حديث عن هلال شيعي، حسنا الآن هم يتهمون إيران باليمن، على هذه الحالة يخرب الهلال، الهلال كان على أساس، إيران العراق سورية لبنان، حسنأ، كيف سيصل الهلال إلى اليمن، ما هذه "السوالف"؟ هذه كلها أكائيب يخترعها العقل العربي الفاسد الذي تخلى عن فلسطين وعن القدس، وإذا ما اقترب أحد ليمدّ يد العون لفلسطين والقدس يحولونه إلى عدو ـ بدليل أن الشاه لم يكن عدوهم عندما كان مع اسرائيل ـ يحولونه إلى عدو، وكيف يحولونه الى عدو، يأتون ليقولوا هذا هلال شيعي، هذا يريد أن ينشر التشيع، هذا مشروع فارسي، هذا مشروع صفوي، هذا كلام فارغ.
لننتقل قليلاً إلى المنطقة على طريق القدس.
على طريق القدس في سوريا يجب إيجاد حل سياسي في سوريا، يجب أن تتوقف كل الدول التي تعمل على إشعال النار في سوريا من خلال المال والسلاح وتهريب المقاتلين والإعلام والتحريض ومنع السوريين من التلاقي والتفاوض، لأنني أنا قناعتي إذا وضعت المقاتلين الأجانب جانباً في سوريا، وأتيت وسألت السوريين السوريين السوريين، حتى في المعارضة المسلحة، بعد كل هذه التطورات التي وصلوا إليها، في قناعاتهم من الداخل وفي ضمائرهم، كل السوريين الآن يريدون الحل لبلدهم، ويعرفون أنه لا يوجد حل عسكري، وأن الخيار الوحيد هو الحل السياسي، لكن هناك من يمنع الحل السياسي بالدليل والبرهان.
يجب أن تستعيد سوريا عافيتها وموقعها. البعض ما زال مصراً على مواصلة المغامرة الخاطئة ويستعجل بظنه سقوط سوريا، نفس هذه الأوهام موجودة منذ خمسة أعوام. قبل مدة وجيزة عندما سقطت إدلب قال البعض إن سوريا انتهت وبدأوا يعدون الأيام. هم كانوا يعدون الأيام والأسابيع منذ خمس سنوات، لا تعدوا الأيام ولا الأسابيع ولا شهور ولا سنين. إسمعوني جيداً وأنا أعرف، وأنتم تعرفون، لكن هناك أناس يستعجلون: الذي حدث في الأسابيع الماضية واضح أن المشهد قد تغير، صمود الجيش السوري والقوات الشعبية في مواجهة الحملات الكبرى، في درعا وفي السويداء وفي الحسكة وحلب وسهل الغاب، وقد بدأت الآن تستعيد زمام المبادرة في الزبداني وفي تدمر وفي محيط تدمر.
من يريد إسقاط سوريا عسكرياً أقول له: لن تستطيع، وعليك أن تخوض حرباً طويلة لن توصلك إلى هدفك، سوريا صامدة وستصمد، سوريا صامدة وستصمد، ومن معها سيبقى معها. هناك أناس حاولوا في جو الحرب النفسية منذ مدة، أصدروا بعض التقارير وشيعوا معلومات كاذبة بالمناسبة، أن روسيا "خلص" قد خرجت من الموضوع، وتبين بعد زيارة الوزير المعلم إلى بوتين، وبوتين تعمد أن يتكلم أمام وسائل الإعلام عن الموقف الروسي وعن التزام روسيا تجاه سوريا.
وموقف إيران تجاه سوريا حاسم، ومن معها هو معها وسيبقى معها، ونحن كنا معها ونحن معها وسنبقى معها، منذ البداية قلنا بوضوح: نحن مع المطالب الشعبية المحقة في سوريا، ونحن مع الإصلاحات ومع الحل السياسي، ولكننا لسنا مع تدمير سوريا، ولا تدمير الدولة، ولا تحطيم جيشها، ولا سيطرة الجماعات التكفيرية عليها، من أجل سوريا ومن أجل لبنان ومن أجل فلسطين. وعندما نقاتل في سوريا نقاتل تحت الشمس ودون أن نخفي وجوهنا في أي مكان، الموضوع تدحرج وتطور/ ولذلك اليوم نعم، كل شهيد يسقط منا في سوريا ونشيعه هنا في لبنان، بكل إعتزاز هو شهيدٌ من أجل سوريا المقاومة ومن أجل لبنان ومن أجل فلسطين ومن أجل شعوب هذه المنطقة ومن أجل هذه الأمة. البعض قال لنا أو يكتب: هل طريق القدس يمر في جونية؟ كلا، بالنسبة لنا ولا يوم ولا يأتي يوم طريق القدس يمر في جونية، لأننا لسنا طلاب سلطة ولسنا طلاب هيمنة ولسنا طلاب سيطرة، على كل حال تلك المرحلة لها ظروفها لا أريد أن أدخل في التباساتها. ولكن نعم، نعم، طريق القدس يمر في القلمون وفي الزبداني وفي حمص وفي حلب وفي درعا وفي السويداء وفي الحسكة، لأنه إذا ذهبت سوريا ذهبت فلسطين وضاعت فلسطين.
على طريق القدس أيضاً في اليمن، يجب وقف العدوان السعودي ـ الأميركي على اليمن، الذي نُجدد إدانتنا له، واستنكارنا الشديد له، ونتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في كل ساعة وفي كل لحظة وفي كل مناسبة أننا في حزب الله نُعلن نهاراً وجهاراً إدانتنا لهذا العدوان الوحشي والغير منطقي واللا إنساني على اليمن وشعب اليمن من قبل السعودية ومن يدعم السعودية.
مئة وسبعة أيام مضت على العدوان، والنتيجة ماذا؟ فشلٌ على فشل، أنتم أصبحتم حافظين وتكلمنا سابقاً، ضعوا أهداف عاصفة الحزم ياعزيزي وأنظروا ما الذي تحقق منها، وضعوا أهداف إعادة الأمل يا حبيبي وانظروا ما الذي تحقق منها، لن تجدوا سوى الفشل يضاف على الفشل.
على السعودية أن تدرك، أما آن للنظام السعودي أن يدرك ان حربه على اليمن باتت بلا أفق، وأنه أعجز من أن يقهر إرادة الشعب اليمني، وأن رهانه على جماعاته في الداخل ليس له نتيجة سوى المزيد من سفك الدماء، وأن تواصل القصف الجوي لن يسقط إرادة هذا الشعب المصر على الاستقلال والحرية والسيادة والعيش بكرامة. هذه مظاهرات صنعاء اليوم، سمعت بها وبشعاراتها بعد 107 أيام مجازر وقصف لم يستثنِ شيئاً، مستشفيات ومدن.. حتى في شهر رمضان أسواق، ويعرف أن هذا سوق، ليس خطأ، ولا انه يوضع كاتيوشا أمام السوق! سوق في العمق اليمني الصاروخ لا يوصل إلى الأراضي السعودية، يحلق الطيران ويقصف، وعشرات الشهداء يسقطون يومياً، لكن هذا الشعب خرج إلى الشارع اليوم، وقال موقفه، وعبّر عن إرادته.
يبدو أيها الإخوة والأخوات أن الحرب السعودية على اليمن باتت بلا أهداف، باتت بلا أهداف سياسية، وأن هدفها الوحيد المتبقي هو الانتقام من اليمن وشعب اليمن، والذي يحصل اليوم في اليمن ما عاد عملية عسكرية، الجيش السعودي يريد أن يدخل اين ! فليدافع عن مواقعه على الحدود .. ونسمع أنهم دخلوا إلى مواقعهم (أنا لا أحفظ أسماء المواقع) فهرب السعوديون منها وعاد اليمنيون وانسحبوا، لأنه بحال يريدون البقاء لا يوجد دفاع جوي ويقوم الطيران بقصفهم وهم أقوياء بالطيران وأي دولة عندها طائرات حربية تقدر تعمل وتقصف وتدمر وترتكب مجازر.. فليحافظ جيشكم على مواقعه الحدودية، وبعدها نرى إن كنتم مؤهلين للدخول على أرض اليمن أو لا.
لم نعد أمام عملية عسكرية، ولا أمام عملية سياسية، نحن أمام عملية انتقام: أنتم أيها الشعب اليمني خرجتم عن طاعة ولي الأمر لهم (يعني يعتبر السعوديون أنفسهم أنهم هم ولي الامر) خرجتم عن العبودية للسيد السعودي، تريدون أن تكونوا أسياد أنفسكم، وهذا غير مسموح وبهذه المنطقة ليس مسموحاً للشعب اليمني أن يكون هكذا، حسناً ادفعوا ثمن خياركم، ما هو الثمن؟ قصف وتدمير وقتل وإخضاع وهكذا.
ليس هناك شيء آخر غير هذا الذي يحصل الآن.
لكن في كل الاحوال السعودية والعالم يجب أن يساعد السعودية لكي "تنزل عن الشجرة وتنزل عن المئذنة أيضاً"، وليس أمام المدافع الذي أخذ خيار أن يدافع عن كرامته وأهله وسيادته وحريته سوى أن يستمر في الدفاع مهما طالت الحرب، أما المهاجم فهو الذي يستنفذ خياراته، وأنا أعتقد أن السعودية استنفذت خياراتها.
والكويت، كلمتان مع الكويت وقبل الكويت، يجب علينا أن نجدد إدانتنا للتفجيرات في القديح، في القطيف، وفي الدمام، وندين هذا العدوان على المساجد وعلى المصلين في المساجد، ونحذر من خطورة هذا الأمر. طبعا بالسابق أنا لم أتكلم بهذا الموضوع والآن لا أريد أن أحكي نتيجة حساسيات الوضع الداخلي في السعودية، وفهمكم كفاية..
لا بد أن ندين التفجير الذي تعرض له المسلمون الصائمون القائمون في مسجد الامام الصادق (عليه السلام) في الكويت، وعبّرنا عن هذه الإدانة والتعاطف، لكن يجب التنويه أن الكويت أميراً وحكومة ومجلس الأمة (يعني مجلس نواب) وقوى سياسية واجتماعية، علماء وسنة وشيعة ووسائل إعلام وأناس قدموا نموذجاً رائعاً في التعاطي مع هذا الحادث الخطير. يا ليت هذا النموذج يتم تعميمه في كل الدول العربية والاسلامية، يا ليتنا نرى عندما يتعرض مسجد أو كنيسة أو حسينية أو سوق أو مدرسة أو شارع لتفجير من هذا النوع، لعدوان من هذا النوع على الابرياء، أن نجد رأس الهرم في هذا البلد وحكومة البلد ونواب البلد وقواه السياسية ووسائل الإعلام وطوائفه المتنوعة تتضامن وتتعاون وتتواسى وتتضافر. إنه مشهد إنساني وأخلاقي لا يقدر الإنسان إلا أن يضرب له تحية.
طبعاً لماذا الإنسان يُعجب بهذا المشهد، لأنه لم يخرج أحد في الكويت لا في مجلس النواب ولا في الحكومة ولا في الإعلام الكويتي، حسب معلوماتي بموضوع الإعلام، ولا بالقوى الحقيقية في المجتمع الكويتي ليبرر ويوجد ذرائع للذين نفذوا عمليات التفجير، أبداً.
بالعكس (رأينا) إدانة شاملة ودفاع شامل، وربحوا بلدهم، لأن الذي فجر في المسجد لم يفجره على أساس سياسي، وأنتم تعرفون بالتصنيفات، حتى بالوضع الشيعي يقولون هؤلاء جماعة إيران هؤلاء ليسوا جماعة إيران كذا، لا. قتل هؤلاء فقط لأنهم شيعة وبالكويت وهدفه الفتنة المذهبية في الكويت، هدفه أن يتوتر بعض الشيعة ويعملوا رد فعل، فيخرج السنة ويعملون رد فعل، خرب البلد، والبلد يوجد فيه أجهزة المخابرات. ما فعله أمير الكويت وحكومة الكويت وشعب الكويت وعلماء الكويت أنهم ربحوا بلدهم، وحولوا التهديد إلى فرصة، التهديد بالفتنة المذهبية وبخراب البلد حولوه إلى فرصة للوحدة الوطنية، للتماسك الوطني، للتحصين الأمني في وجه هؤلاء التكفيريين المفتنين. نتمنى أن يعمم هذا النموذج.
أما في البحرين على العكس، بدل من أن يستفيد النظام في البحرين من التهديدات التي وجهتها داعش، لأنكم تتذكرون أنه بعد تفجير مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) صدرت بيانات لداعش تبنت تفجير الكويت وهددت بتفجير المساجد في البحرين. بدل من أن يأتي (النظام) ويستفيد من هذا التهديد ويدعو الناس في البحرين إلى التلاقي وإلى الحوار وإلى الاحتضان ويتعاطى معهم أبوياً وأخوياً وأخلاقياً وإنسانياً ويطلق سراح علمائهم ورموزهم وقادتهم من السجون، ويأتي ويقول لهم يا شعبنا ويا أهلنا ويا ناسنا ويا معارضة، البلد في خطر، التهديد يتوجه إلينا جميعاً، تفضلوا لنقوم بحوار وطني، تفضلوا لنفتح صفحة جديدة، تفضلوا لنلغي الأحكام الجائرة الظالمة التي صدرت بحق رموز وقيادات المعارضة السلمية في البحرين وآخرهم كان سماحة الأخ الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق، النظام لم يعمل هكذا، بالعكس، جاء ليستفيد من التهديد لمزيد من الهيمنة والسيطرة والقمع والتسلط الأمني ومصادرة الحريات. ولكن هذا كله لن ينفع لأن الشعب البحريني يواصل حراكه السلمي. خروجه اليوم إلى الطرقات لقضية تعني الأمة هو خير دليل، كما قلت، على وعيه والتزامه العقائدي والسياسي.
نأتي إلى لبنان، نتختم بلبنان.
كما قلت في البداية الحديث عن لبنان يحتاج إلى وقت مستقل ولكن سأكتفي ويمكن خلال أيام إذا الله سبحانه وتعالى شاء وأعان قد تكون هناك فرصة لنحكي بالتفصيل، لكن لا ألتزم بشيء، أكتفي بهذا المقدار الآن لأنه لا يمكننا أن نتجاوز ما يحصل عندنا الآن.
قبل أسابيع كان واضحاً أن البلد ذاهب إلى مشكل له علاقة بالحكومة وله علاقة بكل الوضع السياسي في البلد، وطرف أساسي في هذه المعادلة كان العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. نحن لأننا حلفاء ولأننا على تواصل ونعرف ما هو الموضوع، ما هي الموضوعات، ما هي المعضلات، وما هي الوعود التي أعطيت ولم يتم الوفاء بها، كان واضحاً عندنا أن البلد ذاهب إلى مشكل.
بالإعلام اكتفينا بالدعوة أنه يا ناس خذوا الأمور بشكل جدي، لا تدير ظهوركم، لا تفكروا أن الأمور تقطع هكذا بالوقت، لكن لم يكن هناك إصغاء ولم يأخذ أحد الأمور بشكل جدي. وأعتقد أنه كان هناك قراءة خاطئة عند البعض في لبنان، بعض الجهات السياسية المعنية. أنه، حسناً، الآن العماد عون يوجد مطالب يطالب بها وهي برأينا محقة، طبعاً يطالب فيها يعني بموضوع الحكومة وبموضوع آلية عمل مجلس الوزراء وأمور أخرى، الآن غير الأبحاث الكبيرة، تلك تحتاج إلى كثير من النقاش بين بعضنا، الآن، يبقى هذا جانباً، في النهاية نحن حلفاء وكلنا نتناقش، مثل موضوع الفيدرالية وغير الفيدرالية.
لكن ما يطرحه العماد عون هو مطالب محقة. هم بعض الناس ماذا تبين معهم، أنه الآن ممكن الحلفاء ليسوا متفقين كثيراً على الموقف، فلنحرك بين الحلفاء، حزب الله مشغول بسوريا أكيد لا يريد مشكل، نستفيد من بعض الثغرات هنا أو هناك نستفرد بالعماد عون وبالتيار الوطني الحر، أنا أقول لكم أنا كيف أفهم الأمور، وهذه قراءة خاطئة كانت. ولذلك صار هناك إصرار أنه لا نريد أن نجتمع في الحكومة ولا نريد أن نناقش الذي تريدونه يا جماعة لا أنتم ولا حلفاؤكم وأنتم ستبقون لوحدكم والحكومة ستمشي وجدول الأعمال سوف يمشي ولن يحصل شيء، "واللي بيزعل يزعل" والذي يريد أن يصرخ فليصرخ والذي يريد أن يرحل فليرحل، الحكومة بكم ومن دونكم تمشي. هذه القراءة كانت خاطئة، أقول هذه القراءة التي حصلت، هذه القراءة كانت خاطئة. لم نكن محتاجين أن نصل لهذا الموضوع لأنه كل الذي كان مطلوباً أنه قبل اجتماع مجلس الوزراء العالم تجلس وتجتمع تحت أي عنوان من العناوين، مجلس الوزراء أو خارجه، تعود وتتفق على آلية عمل مجلس الوزراء، لأنه منه يدخل على التعيينات الأمنية وجدول الأعمال وإلى آخره وبحث صلاحيات الرئيس. ولكن هذا لم يحصل، حصل هناك "إدارة ظهر"، هذا الخطأ الذي حصل.
حسناً، ما الذي بان بعد ذلك، الذي بان أن هذه القراءة خاطئة وأن حلفاء العماد عون لم يتخلوا عنه ولم يتركوه ولم يتخلوا عن التيار الوطني الحر، والشاهد هو ما حصل قبل وأثناء مجلس الوزراء. بقيت هناك إشكالية بعض الناس حاولوا أن يلعبوا عليها، أن حلفاء العماد عون، والآن بالتحديد أنا أتكلم عن حزب الله، ليسوا جديين بدليل أن المظاهرات نزلت فقط من التيار الوطني الحر، أين حزب الله، لم ينزل إلى الشارع؟ رغم أن هذا تفصيل لكن لأنه يشغل عليه دعوني أجيب.
أولاً: ليس من مصلحة الحراك الشعبي الذي يريد أن يخدم المطالب المحقة التي يطرحها العماد عون والتيار الوطنيس الحر أن يشارك حزب الله في مظاهرات شعبية، لا يوجد مصلحة أكيد، تعرفون لماذا؟ لأنه عندما ننزل بالمظاهرة، سوف يصبح الموضوع: المفاوضات النووية بفيينا، والقتال بسوريا، والمحكمة الدولية وإسقاط الحكومة والمؤتمر التأسيسي، سوف يضيع العماد عون وكل مطالب العماد عون، في الوقت أن مطالب العماد عون هي مطالب موضوعية وواقعية ويمكن تحقيقها.
إذاً ليس من الحكمة أولاً أن نشارك نحن في هذه التظاهرات.
ثانياً: العماد عون لم يطلب منا، طيب "منعزم أنفسنا نحن؟"، لم يطلب منا لأن الرجل يتفهم طبيعة المسؤوليات التي يتحملها حزب الله في هذه المرحلة، يعني ليس "أنه عفّ عنا"، لا، هو يتفهم طبيعة المسؤوليات وحجم المهام التي يتحملها حزب الله في هذه المرحلة، "كثّر خيره".
حسناً، لما تبين أن الجماعة متضامنون وواقفون مع بعضهم/ ولذلك في مجلس الوزراء عدة مرات يُسأل، يعني رئيس الحكومة يسأل أن هذا موقفكم، هذا موقف حلفائكم يعني؟ كأنه يمكن كان لديه انطباع مختلف.
عل كل حال، أنا لا أريد أن أدخل بالوقائع والتفاصيل والأسباب وتحميل المسؤوليات لكن بالوقت المتبقي أريد أن أؤكد على كم نقطة بالوضع اللبناني.
أولاً: مع إدراكنا لصعوبة انتخاب رئيس للجمهورية بسبب الظروف الحالية يجب أن يقى هذا الأمر أولوية الجميع.
ثانياً: يجب التفاهم على آلية واضحة وحاسمة لعمل مجلس الوزراء الحالي، نظراً للظرف الاستثنائي في غياب رئيس جمهورية. لازم العالم تعود وتجلس، في الأول كنا متفاهمين، حصل تعديل، بعد ذلك أصبحنا في محل آخر، لا أريد أن أدخل بالتفاصيل. يجب بالجلسة الآتية أو قبلها أن يتفاهم الجميع، ونحسم هذا النقاش وننهي هذا الغموض.
أريد أن أؤكد، لا العماد عون ولا أحد من حلفاء العماد عون يريد تعطيل حكومة، لا أحد يتهم بتعطيل حكومة، ولا أحد يريد أن يسقط الحكومة، كلنا ندرك أن إسقاط هذه الحكومة لأي سبب من الأسباب يعني أن البلد كله ذهب إلى الفراغ. بهذا الوضع الإقليمي هذه خطوة خطيرة جداً، لا أحد يريد إسقاط الحكومة ولا أحد يريد تعطيل الحكومة. لكن كل أحد يريد أن تعمل الحكومة بشكل صحيح، وضمن الدستور والآليات الدستورية والقوانين، وأيضاً بما يعزز الشراكة. الآن يوجد اجتهادات، يوجد فهم مختلف، دعونا نصل لاجتهاد واحد، وحتى لو لم نصل لاجتهاد واحد دعونا نصل لاتفاق، لأن البلد في ظرف استثنائي يحتاج إلى تفاهم من هذا النوع.
الدليل، أنه لا أحد عنده غرض من هذا النوع، أن هذه الحكومة كم أصبح لها، سنة وأربعة أشهر وأغلب وقتها في ظل الفراغ وماشية وجدول أعمالها ماشية وأخذت ما شاء الله مئات القرارات، هل عطل أحد؟ لم يعطل أحد، لأنه لا يوجد أحد لديه نية ليعطل، مصالح الناس، مصالح العباد، مصالح البلد، مصلحة البلد العليا، تقتضي أن لا أحد يعطل. لكن العمل يجب أن يمشي بالآليات الصحيحة وبما يضمن الشراكة والثقة والطمأنينة بين مكونات الحكومة.
هذا في ما يعني الحكومة.
ثالثاً: نحن فيما يتعلق بعمل مجلس النواب، نحن لدينا موقف واضح، من اليوم الذي أصبح هناك فراغ في الرئاسة، نحن في حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة لم نربط بين عمل مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس الجمهورية، هذا موقف قد نختلف فيه مع آخرين. لذلك نحن مع عمل مجلس النواب، مع أن مجلس النواب يفتح ويشتغل شغله الطبيعي.
حسناً، الآن انتهى الوقت العادي لإشكاليات حصلت، نحن أيضاً بكل صراحة في هذا اليوم ومن نفس المنطلق والمنطق والرؤية ندعو إلى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وأن نوقع جميعاً لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب وأن نطلق عمل مجلس النواب، الآن يوجد مشاريع قوانين، يوجد اقتراحات قوانين، يوجد أشياء بالنسبة لبعض القوى السياسية هي أولوية، ممكن في هذه الفترة أن يُجرى حوار ونرى هذا الموضوع، كيف يعالج لنؤمن ميثاقية الجلسة. وأنا هنا وكلنا في البلد نراهن ونعرف، يعني نراهن على ما نعرف، على حكمة وتدبير وحلم دولة الرئيس نبيه بري، وهذا الأمر ممكن أن يحصل تعاون فيه، ونجد أن مجلس النواب فتح، والبلد يشتغل، ويوجد قوانين أساسية أيضاً حياتية يحتاجها البلد، ممكن أن هذا الأمر ينجز.
رابعاً، أنا أدعو إلى حوار جديد، انظروا، الآن لدينا فرصة من هنا حتى بعد العيد، حتى لا أحد يضيع الموضوع ويأخذ المشكل إلى مكان آخر، ويخترع مشكلاً هنا وهنا وهنا.
القصة بالتحديد أن هناك طرفاً معنياً بأن يعالج هذا الموضوع مع التيار الوطني الحر ومع العماد عون، هذه الجهة، هذا الفريق، الحرف الأول من إسمه هو تيار المستقبل، ولا يضعنّ أحد المشكلة في مكان آخر، ولا يحاولنّ أحد أن يخترع مشكلة في مكان آخر. لأنه كان هناك حوارات، وكانت هناك وعود، كان هناك شبه وعود من قبل تيار المستقبل للعماد عون. تفضلوا اعملوا نقاش.. هذا لا يعني استثناء الآخرين، لكن المشكل الحقيقي هنا. الكل يعطي رأياً ويساعد، بقية مكونات الحكومة، لكن هذا الأمر الذي يجب أن يعمل لإنجازه.
إدارة الظهر لن تؤدي إلى نتيجة، الرهان على الوقت خاطئ، الرهان على إمكانية عزل التيار الوطني الحر عن حلفائه، رهان خاطئ وبائس، وهذا أمر غير وارد.
أنا بكل صراحة ووضوح الآن أقول لكم وأعلن لكم: نحن لن نتخلى عن أي من حلفائنا ولن نتخلى عن تحالفنا وعن حليفنا العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. وخياراتنا للحفاظ على هذا التحالف مفتوحة، خياراتنا مفتوحة، وكل شيء ممكن أن يحصل. لا يعتبرنّ أحد أني أهدد، أنا لا أهدد، أنا أوصّف حقيقة، لأننا نحن مع حلفائنا نتعاطى بهذه الطريقة. وكل البلد يعرف أننا نتصرف بهذه الطريقة. لذلك الأجدى هو الذهاب إلى حوار، يبدأ ثنائياً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ثم ننضم إليه جميعاً لنعززه ونقويه ونمتنه ونشرعنه في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، ونجعل البلد يسير.
لبنان أيها الأخوة والأخوات في هذه المرحلة التاريخية والصعبة من تاريخ المنطقة هو بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الحفاظ على سلمه الأهلي وعلى استقراره السياسي وعلى مؤسساته الدستورية وعلى عيشه الواحد وعيشه المشترك، ولا مجال فيه لا للإقصاء ولا للإلغاء ولا للإستئثار.
قدر اللبنانيين أن يعيشوا معاً، قدر اللبنانيين هو الشراكة، وطريقهم الوحيد للحفاظ على بلدهم وأمنه واستقراره ومؤسساته والشراكة الحقيقة فيه هو الحوار والتلاقي وعدم إدارة الظهر، وعدم الرهان على المتغيرات الإقليمية والدولية لأننا نحن بسفينة في منطقة هائجة، لا نعرف إذا أخطأنا جميعاً في قيادة هذه السفينة أين يمكن أن تصل الأمور.
البعض يقول ستهدأ لمصلحتي، من قال؟ مضت خمس سنوات، من يقول إنها ستهدأ لمصلحتك؟ أو، لأكون واقعياً، من يقول أنها ستهدأ لمصلحتي؟ وإن كنت مقتنعاً بتوقعي وأنت مقتنع بتوقعك. لكن كل هذه توقعات. الحريص على البلد، نعم، نحن منذ اليوم الأول قلنا: تعالوا لنتعاون لنجنب البلد تداعيات ما يجري في المنطقة، وكل طرف فيما يعني المنطقة يأخذ الخيار الذي يريده، وقد انتقدنا بعض الناس على هذا الموقف. هذا الموقف تبيّن اليوم صحته. دعونا نحيّد بلدنا، فلنتحدث مع بعضنا البعض، وأن لا ندير الظهر لبعض. هذا نحن وتيار المستقبل في حالة حوار، ما هي مقدار نتائجه؟ بالنهاية لا يخلو من إيجابيات في مكان ما. لكن ما هو الخيار الثاني، وهكذا بالنسبة لكل الأطراف اللبنانية.
أيها الأخوة والأخوات، في يوم القدس وعلى ضوء كل هذا التاريخ وكل هذه التجارب وكل أوضاع المنطقة وتطوراتها ومستجداتها، ماذا يبقى من خيار أمام الشعب الفلسطيني؟ ماذا يبقى من خيار أمام الذين يؤمنون بالقدس وبكرامة المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين. الرهان على النظام العربي؟ انتظار داعش والنصرة والقاعدة؟ انتظار المجتمع الدولي؟ انتظار بوكو حرام؟ انتظار الملوك والرؤساء والأمراء وجامعة الدول العربية (اللي مش عارفة الله وين حاططها)؟ أو خيار المقاومة؟
التجربة والمنطق والعقل والدليل والحقيقة والتاريخ والسنن والقوانين كلها تقول إنه ليس أمام الشعب الفلسطيني وأمام شعوب المنطقة التي تريد أن تحافظ على وجودها وعلى كرامتها وعلى سيادتها وعلى خياراتها وأن تستعيد مقدساتها سوى خيار المقاومة.
في يوم القدس، نحن في حزب الله نجدد عهدنا لإمامنا الخميني، لأمتنا، لشعوب أمتنا، لشعبنا اللبناني، لشعبنا العزيز والمضحي الذي يقدم في كل يوم شهداء في المقاومة وعلى طريق المقاومة، نجدد عهدنا أننا سنبقى المقاومة التي تدافع عن شعبها وعن أمتها وعن مقدساتها في مواجهة مشاريع الاحتلال والاستيطان والهيمنة مهما بلغت التضحيات، ومها تعاظمت قوافل الشهداء، لأن هذا هو الطريق الوحيد الموصل إلى القدس، الموصل إلى الكرامة، الموصل إلى النصر.
تقبّل الله منكم وأعاد الله عليكم هذا الشهر الكريم وهذا العيد الآتي المبارك وأمتنا في حال أفضل من هذه الحال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.