ارشيف من :ترجمات ودراسات
استراتيجية البنتاغون في العام 2015 لقيادة العالم
الكاتب Mike Whitney
عن موقع alterinfo الالكتروني
8 تموز / يوليو 2015
أصدر البنتاغون الاربعاء الماضي استراتيجيته العسكرية القومية للعام 2015. وهي عبارة عن خطة من 24 صفحة لإدارة العالم بالقوة العسكرية.
وبالرغم من أن لغة التقرير هي أكثر نعومة وأقل صخباً مما كانت عليه الوثائق المشابهة التي نشرت في الماضي، فإن التصميم على العمل من جانب واحد، خدمة لمصالح الولايات المتحدة عن طريق العنف بصورته القصوى، يظل حجر الزاوية للاستراتيجية الجديدة كلها. فقرَّاء هذه الوثيقة لن يجدوا فيها أي أسف على أعمال التدمير الواسعة النطاق وعلى مئات الألوف من الضحايا البشرية التي قدمتها البلدان التي ضربت من قبل واشنطن، مع أنها لم تكن تشكل أي تهديد على الأمن القومي للولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، يظهر التقرير تصميم النخبة على الاستمرار في نهج الإبادة وإراقة الدماء حتى التوصل إلى قتل أو تحييد جميع الخصوم المحتملين لواشنطن، وإلى اقتناع واشنطن بأنها تمسك بجميع روافع السلطة العالمية، وأن أية جهة في العالم لم تعد قادرة على تحديها.
وكما يمكننا أن نتوقع، يخفي التقرير مقاصده العدوانية خلف لغة "الأمن القومي" الخادعة. فبحسب التقرير، لا تعتدي الولايات المتحدة على بلدان تمتلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية. والولايات المتحدة لا تفعل غير "مواجهة تحديات أمنية" بهدف "حماية الوطن" و"خدمة مصالحنا القومية".
هل يمكن لأحد أن يجد ما يقوله إذا ما أراد الاعتراض على هذا الكلام ؟ أليس أن الولايات المتحدة تسعى إلى نشر السلام والديمقراطية في هذه البلدان "االمتوحشة" المتمثلة بأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا التي يضمونها اليوم إلى القافلة؟ (على طريق الانتقال إلى كل من إيران وروسيا - إضافة من مترجم النص الإنكليزي إلى الفرنسية).
البنتاغون
في مقدمة التقرير التي كتبها قائد هيئة أركان الجيوش، الجنرال مارتن ديمبسي، يحاول الجنرال تهيئة الشعب الأميركي لحرب لا نهاية لها : "صراعات مستقبلية ستندلع بسرعة أكبر، وستدوم لمدة أطول، وستجري في ميادين قتال أكثر صعوبة من الناحية التقنية... علينا أن نكون مستعدين للتكيف سريعاً مع تهديدات جديدة مع احتفاظنا بمزايا تفوق كل ما نتمتع به من مزايا تقليدية... فتطبيق وسيلة السلطة العسكرية ضد تهديدات صادرة عن دولة هو شديد الاختلاف عن تطبيق وسيلة السلطة العسكرية على تهديدات غير صادرة عن دولة. نحن في وضع يجعلنا أكثر ميلاً إلى مواجهة حملات طويلة الأمد زمنياً، لا إلى مواجهة صراعات يمكن حسمها سريعاً... إن هذه السيطرة على أشكال التصعيد تصبح متزايدة الصعوبة وأكثر أهمية مما كانت عليه في السابق".
الحرب والحرب ثم الحرب. تلك هي رؤية البنتاغون للمستقبل. فخلافاً لروسيا والصين اللتين تعملان على خطة من أجل إقامة منطقة تبادل حر بين الاتحاد الأوروبي وآسيا (طريق الحرير الجديدة)، وهي منطقة ستعزز العمالة في كل مكان، وستحسن البنى التحتية الحيوية، وسترفع مستوى المعيشة بوجه عام، فإن الولايات المتحدة لا ترى من جهتها على طريق المستقبل غير الموت والدمار. فواشنطن لا تمتلك أية استراتيجية للمستقبل، وأية رؤية لعالم أفضل. بالنسبة لها، لا وجود إلا للحرب... حرب غير متكافئة، حرب تكنولوجية، حرب استباقية...
الطبقة السياسية كلها وقياديوها الذين يدفعون المال يدعمون، بالإجماع، القاعدة العالمية القائمة على قوة الأسلحة. ذلكم هو المعنى الإجباري الوحيد للوئيقة التي نحن بصددها. فالولايات المتحدة مصممة بشكل لا محيد عنه على إبقاء هيمنتها التي تعاني من ضعف متزايد على العالم من خلال الاستخدام الأقصى لورقة القوة المتمثلة بالجيش.
ولكن من هي الجهات التي يستهدفها الجيش؟ عليكم أن تحللوا هذا المقطع المأخوذ من مقالة نشرت في مجلة Defense News :
"الاستراتيجية تهاجم بوجه خاص إيران وروسيا وكوريا الشمالية بوصفها تشكل تهديدات عدوانية للسلم العالمي. كما أنها تذكر الصين أيضاً، ولكنها تبدأ هذه الفقرة بالقول بأن أوباما وحكومته يريدون دعم النمو الصيني "ويشجعون الصين على أن تصبح شريكاً في العمل من أجل المزيد من الأمن في العالم". وهكذا، تستمر الولايات المتحدة في الرقص على خط الصين كحليف اقتصادي وكمنافس إقليمي.
ويضيف التقرير : "إن أياً من البلدان المذكورة لا تسعى إلى الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة أو حلفائها. غير أنها تثير قلقاً جدياً بخصوص الأمن بحيث أن الأسرة الدولية تبعث بالإجماع، عن طريق سياساتها المشتركة، رسائل تفيد بضرورة تنسيق العمل المشترك فيما بينها".
هل فهمتم جيداً ما تعنيه هذه العبارة الأخيرة ؟
ما تعنيه هذه العبارة هو بكلام آخر أن أياً من هذه البلدان لا يريد مقاتلة الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة تريد من جهتها مقاتلة هذه البلدان. فالولايات المتحدة تشعر بأن من المبرر أن تشن الحرب على هذه البلدان أنها تمتلك موارد كبيرة أو لأنها تتمتع بقدرات اقتصادية وتوجد في منطقة من مناطق عالم المصلحة الجيوسياسية الأميركية، أو لأنها، بكل بساطة، تريد المحافظة على استقلالها وسيادتها، الأمر الذي يشكل جريمة في نظر الإمبراطورية الأميركية. وبحسب الجنرال ديمبسي، فإن جميع هذه المبررات الواهية كخيط من القطن تكفي للدخول في صراع مسلح مع البلدان المذكورة لأنها "تثير قلقاً جدياً بخصوص أمن الولايات المتحدة"، ما يعني أن هذه البلدان تلحق الضرر بالدور المهيمن للولايات المتحدة بصفتها القوة الكبرى الوحيدة في العالم.
التقرير الذي نحن بصدده يولي اهتماماً خاصاً بروسيا عدوة واشنطن التي تجرأت على حماية مصالحها وأمنها بعد الانقلاب الذي دبرته وزارة الخارجية في الولايات المتحدة في أوكرانيا المجاورة. فموسكو يجب أن تعاقب بسبب هذه الوقاحة. وهذا ما يقوله التقرير بهذا الصدد :
"غير أن بعض الدول تحاول التملص من الجوانب الأساسية للنظام الدولي وتتصرف بشكل يهدد مصالحنا القومية. صحيح أن روسيا قد ساهمت في بعض المجالات كمكافحة المخدرات والإرهاب، ولكنها أظهرت على الدوام أنها لا تحترم سيادة جيرانها وأنها تنوي استخدام القوة من أجل تحقيق أغراضها. إن الأعمال العسكرية التي تقوم بها روسيا تلحق الضرر بالأمن الإقليمي مباشرة من خلال القوى التي تتحرك بالوكالة عنها. وهذه الأعمال تشكل انتهاكاً للعديد من الاتفاقيات الموقعة من قبل روسيا والتي تقر فيها بأنها ستتصرف وفقاً للمعايير الدولية".
إن روسيا هي الشر المتجسد لأنها رفضت السكوت على قيام الولايات المتحدة بإسقاط الحكومة الأوكرانية، وبتنصيب عملائها حكاماً على كييف، وبإلقاء البلاد في آتون حرب أهلية بين مختلف الأفرقاء، وبتعيين النازيين الجدد في مناصب عليا في الأجهزة الأمنية في البلاد، وبإغراق الاقتصاد الأوكراني في الإفلاس والخراب، وبإقامة مركز قيادة لوكالة الاستخبارات الأميركية في العاصمة لكي تتمكن من إدارة ألعاب القتل الذريع بسهولة ويسر ! تلكم هي الأسباب التي تجعل من روسيا شراً متجسداً وتوجب معاقبتها.
هذا يعني أن الولايات المتحدة تنوي جدياً شن حرب على روسيا. وهذا نص مقتطف من التقرير يوضح هذه المسألة :
"حملاتنا العسكرية تمثلت خلال العقد الأخير بشكل أساسي بعمليات ضد شبكات متطرفة عنيفة. أما اليوم، وفي المستقبل القريب، علينا أن نولي المزيد من الاهتمام للتحديات التي تطرحها جهات هي عبارة عن دول. دول تمتلك قدرات متزايدة على معارضة حرية الحركة الإقليمية، وعلى تهديد وطننا. أما ما هو مثير للقلق الشديد فهو انتشار الصواريخ الباليستية وتكنولوجيا إصابة الأهداف بدقة عالية، والنظم العاملة بالتوجيه عن بعد (طائرات بدون طيار)، والقدرات المتصلة بغزو الفضاء، وأسلحة الدمار الشامل، والتكنولوجيا الخاصة بمواجهة المزايا العسكرية الأميركية، ومنع الولايات المتحدة من الوصول إلى الموارد العالمية المشتركة".
يبدو من الواضح بالنسبة لي أن تماسيح واشنطن قد اتخذوا قرارهم. روسيا إذن هي العدو ويجب إلحاق الهزيمة بها. وهل هنالك من وسيلة أخرى للتعامل مع دولة "تتنكر للواقع" و "تهدد وطننا" ؟
هل هنالك من وسيلة غير القنابل "الحاصدة للأزهار" *، على ما هي الحال في جميع المناسبات الأخرى ؟
ولكي يبرر تقرير البنتاغون حربه على الأعداء الوهميين للولايات المتحدة، فإنه يقدم لنا تقريراً بما سيتم تحقيقه من مكتسبات. فالواقع أن البنتاغون يرى تهديدات في كل مكان. فسواء تعلق الأمر بالتقنيات الجديدة، أو بـ "التغيرات الديموغرافية"، أو بالفوارق الثقافية، فإن كل ذلك ينظر إليه على أنه تهديد محتمل للمصالح الأميركية، خصوصاً إذا كان على صلة بـ "المنافسة على الموارد والمواد الأولية". ومن خلال هذه الرؤية المعتوهة للواقع، يمكننا أن نفهم تماماً كيف تم تبرير غزو العراق على أساس أن صدام حسين -الذي وصل إلى الحكم في العراق بفضل انقلاب عسكري نفذه البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قبل عدة عقود من الزمن- يمكنه، عبر سيطرته على العراق وثروته النفطية الضخمة، أن يشكل تحدياً مباشراً للهيمنة الأميركية. وبطبيعة الحال، أبعد صدام عن السلطة وقتل أكثر من مليون عراقي لكي تصلح الأوضاع وتتم إعادة العالم إلى التوازن (القائم على الهيمنة الأميركية). تلك هي الرؤية الأساسية التي تحكم الاستراتيجية العسكرية الأميركية، رؤية مفادها أن كا ما تفعله الولايات المتحدة هو جيد لا لسبب إلا لأنه من فعل الولايات المتحدة.
لا يمكن للقراء أن يتوقعوا العثور على أي شيء جديد في هذه الاستراتيجية. فالبنتاغون لم يكد يفعل أكثر من إعادة إخراج عقيدة بوش إلى النور ولكن مع شيء من تلطيف العبارات. وليس هنالك من داع لتدويخ الناس بالكلام عن أحادية الجانب والحرب الاستباقية والتنكر للقانون الدولي والعدوان غير المبرر. وحتى لو جرى الكلام عن كل ذلك، فإن الجميع يعلمون أن الولايات المتحدة تفعل ما تريد لتبقي هيمنتها كاملة غير منقوصة.
الاستراتيجية العسكرية القومية الأميركية بحلتها في العام 2015 لا تفعل غير التأكيد على هذا الواقع الحزين.
------------------------------
*الأميركيون يختارون أسماء محببة لأسلحتهم ذات القوة التدميرية الهائلة. The boy مثلاً هو الإسم الذي اختاروه للقنبلة الذرية التي ألقوها على هيروشيما. أما "حاصدة الأزهار" فهو الاسم الذي كانوا يطلقونه خلال الحرب الفييتنامية على القنبلة المسماة BLU-82B/C-130 (تزن 6800 كلغ) وكانوا يلقونها من طائرة شحن ضخمة فوق مناطق الغابات التي كان يتحرك بداخلها ثوار الفيتكونغ. وكان الهدف الأساسي من استخدامها هو اكتساح الأشجار وتحويل الغابات إلى أراض مكشوفة وغير ملائمة لتحرك رجال العصابات. أما في أفغانستان، فقد استخدمت هذه القنبلة لاكتساح قرى أو أحياء كاملة.