ارشيف من :آراء وتحليلات
سوريا بين صراع الميدان والتسوية السياسية
سوريا في سباق بين الحسم العسكري المتعثر والحل السياسي المؤجل.
سوف تبقى الجبهات السورية مشتعلة وهي تتراوح بين كرٍ وفر، طالما ان الامدادات العسكرية والدعم اللوجستي المقدم للتنظيمات التكفيرية سواء من تركيا أو إسرائيل لم ينقطع مما ينذر باستمرار المعارك وطولها.
تتصدر المشهد العسكري السوري معركة الزبداني، ويعود ذلك لأهميتها الاستراتيجية كونها قريبة من الحدود السورية – اللبنانية، ونقطة الإغلاق التي تعزل القلمون عن جنوب سوريا، وتوفر الأمن للخط الدولي بين بيروت ودمشق. كما ان السيطرة عليها تحمي خاصرة العاصمة السورية، وتقطع على المسلحين تهريب الأسلحة والأموال التي كانت تنقل عبر عرسال إلى الزبداني، التي يتواجد فيها عدد كبير من المسلحين وقياداتهم.
فقد أكدت مصادر عسكرية أن الزبداني بحكم الساقطة عسكرياً، فهي محاصرة من كل الجهات، وهذه المعركة لن تتوقف حتى تحقق أهدافها. لذا من المتوقع استمرار العمليات العسكرية ويتم الهجوم على المدينة من خلال ثلاثة محاور، حيث يقوم الجيش السوري بالتعاون مع حزب الله بضرب المسلحين لينزل أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفهم، تمهيدا الى التوغل داخل شوارع المدينة والسيطرة عليها.
سوريا
على الجبهة الجنوبية أو ما يعرف بـ"عاصفة الجنوب" التي أطلقتها تنظيمات المعارضة، فهي ما زالت في مرحلة المراوحة على الرغم من الحملة الإعلامية الكبرى التي رافقتها، إلا أنها فشلت وسط كلام عن إعادة ترتيب الصفوف، وحشد المزيد من المسلحين من اجل متابعة المعركة.
هذا الفشل فسره مراقبون الى تردد عمان وتخوفها من تمدد الحركات المتطرفة الى داخلها، وإلى تفاقم الخلافات بين التنظيمات التكفيرية.
من جهة اخرى تشهد حلب معركة شرسة وصفت بأنها الأعنف حتى الآن، فقد بدأتها مجموعة من الفصائل المسلحة التي شكلت ما أسمته غرفة عمليات "أنصار الشريعة" التي فشلت في تحقيق أي خرق أو انتصار يُحسَب لها وللفصائل المشاركة معها .
الى جانب المعارك العسكرية المشتعلة ما زالت الجبهات السياسية ملتهبة ومتشابكة .
يرى مراقبون أن هناك تقاربا بين واشنطن وموسكو على خلفية محاربة الإرهاب، مما أحدث جدلاً واسعاً في أوساط ديبلوماسية وسياسية حول حدوث تغير في موقف روسيا، خاصة بعد الاتصالات الروسية مع دول الخليج، والانفتاح على بلدان المنطقة لا سيما تلك التي كانت العلاقات معها تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة مثل قطر أو السعودية.
لكن سرعان ما أعلنت روسيا علنا عن مواقفها الحاسمة الى جانب الرئيس الأسد، ما اكد ثبات الموقف الروسي وأن لا صحة لحصول أي تبدل سلبي في ذلك الموقف حيال النظام السوري.
اما "إسرائيل" فما زالت تسعى الى اسقاط النظام السوري الممانع لوجودها والداعم للمقاومة، لذلك توفر الدعم لحركات المعارضة حتى ولو كانت تكفيرية لانها تعتبرها خطرا مؤجلا بينما يعتبر الجيش السوري خطرا داهما.
وها هو المدير العام لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية والمرشح لتولي منصب رئيس جهاز "الموساد" رام بن باراك يصرح متفاخراً: "إن الجيش السوري بات مدمرا، ويبدو أن سوريا تتجه نحو دولة علوية" - على حد تعبيره - مدعيا أنه "لا يوجد أي حل سياسي للأزمة السورية، لأن الصراع في هذا البلد العربي بات شيعيا - سنيا"، وشدد على أن حزب الله من دون سوريا سيكون مرتبكاً وسيكون من الصعوبة بمكان أن يحصل على الأسلحة الإيرانية".
في حين رأى "عاموس جلعاد"، المستشار الاستراتيجي لوزير الحرب الاسرائيلي موشي يعالون، "أن الرئيس السوري بشار الأسد، لا يسيطر إلا على خمس سوريا. وقد ينتهي به الأمر بأن يكون مسؤولاً عن بقايا دولة تهيمن عليها الأقلية العلوية التي ينتمي اليها."
لكن في الواقع أن القوات السورية الحكومية والقوات المتحالفة معها تركز جهودهاا على تعزيز السيطرة على المدن الكبرى والمناطق الآهلة بالسكان والتي تمتد شمالا من دمشق مروراً بحمص وحماه إلى ساحل البحر المتوسط وهي لا تزال تقاتل للحفاظ على مواقع في أجزاء أخرى من البلاد بينها مدينتا الحسكة والقامشلي في شمال شرق البلاد ومدينة دير الزور في الشرق ودرعا في الجنوب وحلب في الشمال.
باختصار، ما زالت سوريا أسيرة من يراهنون على أحصنتهم في الميدان السوري المشتعل، ليحصل في النهاية كلٌّ منهم على حصته، سواء كانت أرضاً أو غازاً أو أية مصالح اقتصادية أخرى دفع ثمنها شعبٌ قُتل وهُجر وسكن اللجوء بدلاً من أرضه، ليتنعم المستعمرون الجدد وحاملو لواء الديمقراطية الآتية على أحصنة "داعش" و"النصرة" بخيرات سورية التي انتهكوا حرماتها دون وجه حق.