ارشيف من :آراء وتحليلات
أسئلة معرفية عن المفاوضات النووية..هل تغيّر عقل العالم
عندما يصل هذا المقال إلى الطبع ويظهر على الهواء، تكون المفاوضات في فيينا بين إيران ودول خمسة زائد واحد، قد وصلت إلى نتائجها المرجح فيها الوصول إلى صيغة إعلانية لاتفاق، قطع المفاوضون، طريقه الصعبة في مراحل سابقة، وجاءت الأحداث الدولية والإقليمية لتؤكد على أهميته بالنسبة إلى الاستقرار في العلاقات الدولية، وقواعد النظام العالمي مع العقد الثاني من الألفية الثالثة.
هل كتب هذا المقال بوقت متأخر؟ لا أعتقد، وعليه فقد كتبته بخط يدي. لأن موضوع المفاوضات الجارية في فيينا، ليست حدثاً راهناً وحسب وإنما يرتبط بما آل إليه النظام الدولي السابق مع مجموع علاقته، وما هو عليه الآن وما سوف يكون عليه في المستقبل.
هل أكون قد وسّعت من دائرة فعالية الاتفاق وآثارها المتوقعة على العلاقات الدولية، حتى أنني أعطيت للمفاوضات أهمية لا تخطر على بال بعض المشاركين فيها؟
بالطبع لا. إن المفاوضات ذات أهمية تاريخية، يدركها المشاركون فيها، وآثارها لن تكون بسيطة على علاقات النظام الدولي، خاصة في المشرق العربي والإسلامي.
ثمة أمور تحدث في هذا العالم، يلزم قراءتها وفق منهجية دينامية جديدة. والأصعب معرفة مكانتها، ودراسة أسبابها ونتائجها وإذا نظرنا في الوقائع والأحداث المعاصرة، وفق منهج متقادم صعب علينا إدراك حقيقة ما يحدث أمامنا.
كأن يسأل أحدهم سؤالاً من نوع: وهل تفاوض إيران الشيطان الأكبر؟ وكيف يقبل الغرب العلماني الليبرالي بنظام ولاية الفقيه؟ وكل ما يجري باطل في باطل لعبة أمم، وتقاطع مصالح عابر، لا يلبث أن تأتي رياح لا تستطيع قلع السنبلة الطبيعية، لكنها تهدم الأسوار الاصطناعية.
هذا النوع من الأسئلة الجاهزة، السكونية، المطلقة المقاصد والاستفهام والمطلقة الأجوبة والاستعلام لا يصلح أن يقدم إشكالية حركية لموضوع، في أهمية، وتركيب وتشكيل وتداخل وتفاعل، ما يحصل في المفاوضات. وعليه فإن الأمر الذي يهم واحدا مثلي من المشتغلين في الفلسفة والمعارف العقلية، هو النظر إلى أن متغيّراً ما، على مستوى المنهج والنظر يحدث في عقل العالم. وفيه تكون مفاوضات واقعية في خطورة مفاوضات فيينا هي سؤال يقدم للعقل الفلسفي في الميدان الأستيمولوجي والمعرفي عن دلالته المعرفية وحركتها الجوهرية.
الاتفاق النووي الايراني
نعم، ما يحدث يشكل نقلة أساسية تقوم على النظرة العقلية الواقعية، أن ثمة روابط معرفية زمانية تجعل من الفرق المتعددة، ليبرالية كانت أو دينية، أو غيرها، مشاركة حقيقية في مشاكل العالم وفي إيجاد الحلول لهذه المشاكل الاعتراف بالآخر، الذي نسكن معه هذا الكوكب، ونشاركه إستمولوجيا العصر، وقضاياه ومشكلاته. توجد أسباب عديدة جعلت النظام العالمي الغربي الليبرالي، يقرّ ويعترف بالنظام الإسلامي في إيران، دولة جديرة أن تشارك في إدارة النظام العالمي، والحوار معها، يؤدي إلى قيام استقرار بنّاء، وتساهم في حسن تبادل المصالح والقيم في هذا العالم. ولا يمنع من بقاء ميدان التنافس والصراع إلى جانب التعاون والاتفاق حيث لا يلغي التعاون أشكال التباين.
النظام الإسلامي في إيران يستند في سياساته إلى العقل، الحجة في الأصول الإسلامية، كالذي نرى شروحه عند ملاّ صدرا على أصول الكافي.
لكنه أيضاً يستفيد من تطور العقل الإنساني المتكوّن ويسوّس إدارته على أساس معارف تجمع بين الأصول الإسلامية وتجربة الحكم، خاصة النماذج المعتبرة عند الشيعة، مضافة إلى السياسة المعاصرة أو ما يمكن تسميته بالحداثة السياسية.
إن كثيرا من المفكرين الإيرانيين المعاصرين يناقشون موضوع المفاوضات على قاعدة عقلية معرفية. أصولها الواقعية والعقلانية في الفكر وفي السياسة. ويرون أن الحوار هو جانب أساس في العلاقات الإنسانية، وأن الغرب الذي يحاورك عليه أولاً أن يعترف بك، في صورة هويتك الحقيقية، ويقوم الحوار على قاعدة الاعتراف المتبادل والندية التامة، والنظر في المصالح والقيم وتبادلهما وفق قواعد احترام الذات والآخر، هذا الحوار سيؤدي إلى نتائج واقعية بدورها، لكنها على الوجه اليقيني، تمنع إلى حدّ بعيد، أن تظهر سياسة اللامعقول وإدارة العقل المستقيل، للتحكم بشؤون العالم وفق إدارة التوحش لداعش أو الفوضى الخلاّقة لسياسات البيت الأبيض في واشنطن.
إن المفاوضات تبنت قبول الآخر والحوار معه لإلقاء الحجة عليه، ووصل التعاون في شؤون العالم المشتركة معه، وكسب الرهان على العقل وإشاعة التعاون والمحبة بين شعوب العالم بدل التنابذ والبغضاء...
من قال أن عقل العالم يتغيّر...