ارشيف من :آراء وتحليلات

معركة استعادة الفلوجة وأهميتها الاستراتيجية

معركة استعادة الفلوجة وأهميتها الاستراتيجية

عندما يقوم الجيش العراقي والمدعوم من الحشد الشعبي باحكام السيطرة على منطقة الجرف الصخري ومحيطها شمال بابل وكربلاء وجنوب غرب بغداد وعندما يعزز دفاعاته وتواجده في محيط "عامرية الفلوجة " جنوب مدينة الفلوجة، بالرغم من ان هذه المناطق بعيدة وتعتبر خارج حزام مدينة الفلوجة حيث يتحضر لمهاجمة الاخيرة، تستطيع ان تستنتج انه فهم استراتيجية "داعش" التي تقضي بقيامه دائما وبشكل مفاجئ بمهاجمة نقاط ومراكز حيوية خارج منطقة العمليات أثناء مدافعته عن موقع معين وهذا ما فعله بمحاولة مهاجمته لمدينة السامراء عندما كان محاصرا في تكريت وما فعله بمهاجمته واحتلاله لمدينة الرمادي قبل الاطباق عليه في بيجي شمال تكريت.

عليه، حسنا فعل الجيش العراقي بذلك، نظرا للاهمية الاستراتيجية لمنطقتي جرف الصخر ولعامرية الفلوجة في تأمين خط دفاع متماسك لحماية مطار بغداد وغرب المدينة أو لحماية مدينة كربلاء ومحيطها وما لهاتين المنطقتين من رمزية حساسة ومهمة.
   تكتسب مدينة الفلوجة ومحيطها من الناحية العسكرية والجغرافية اهمية كبرى في حرب الدولة العراقية ضد "داعش"، فهي تشكل مع مدينة الرمادي ومحيطهما خصوصا على الامتداد المتداخل لنهر الفرات مع الطريق السريع بين شرق ووسط الانبار ومداخل بغداد الغربية خطا استراتيجيا فائق الاهمية إذ إنه:
 - يشكل قاعدة قوية لدفاعات "داعش" ومواقعه المهمة وسط العراق بين بغداد وغرب مدينة الرمادي.
- يضم أكبر تكتل شعبي يؤمن بيئة حاضنة للتنظيم الارهابي في العراق.
- يحوي غالبية اماكن تفخيخ السيارات وتحضير وتصنيع العبوات الناسفة والمواد شديدة الانفجار.

- يعتبر قلعة حصينة لأغلب قادة التنظيم، والذين هم بالاساس ضباط سابقون في مخابرات صدام وتحولوا لاحقا وبرعاية وعناية من المخابرات الاميركية الى كوادر اساسية كانت تعمل بإمرة "أبو مصعب الزرقاوي"، صاحب الباع الطويل في اغراق العراق ومدنه بالفتن والعمليات الارهابية المختلفة.
- يعتبر نقطة ارتكاز اساسية تجمع خطين استراتيجيين يشكلان العمودين الرئيسيين في جغرافية ما يسمى بـ"دولة الخلافة" هما: خط غرب بغداد - الفلوجة - الرمادي – القائم - دير الزور- الرقة ، وخط غرب بغداد - الكرمة - سامراء - تكريت – الموصل.
- يعتبر قاعدة انطلاق دائمة ونهائية في اية عملية هجومية باتجاه بغداد شرقا او باتجاه كربلاء جنوبا .

معركة استعادة الفلوجة وأهميتها الاستراتيجية
الجيش العراقي

 استكمالا لتامين حزام أمن بغداد من الناحية الغربية وتحضيرا لمعركة استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة والتي يحشد لها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي قرابة 10 آلآف عنصر ضمن تشكيلات برية وجوية ونهرية، تمت السيطرة على مناطق مهمة بين الصقلاوية والخالدية غربا وعلى مناطق في الكرمة والثرثار شمالا وعلى مناطق جرف الصخر ومحيط عامرية الفلوجة جنوبا، وتقوم وحدات الجيش العراقي المدعومة من الحشد الشعبي بتضييق الخناق على المدينة قبل مهاجمتها حيث قطعت أغلب الطرق بين الفلوجة والرمادي مع الابقاء على معبرين في الحلابسة والفلاحات لخروج المدنيين الذين يتعرضون لضغوط كبيرة من "داعش" لاجبارهم على البقاء حيث تستعملهم، كعادتها، دروعا بشرية وهذا من ضمن اسلحتها المفضلة بالاضافة إلى سلاح التفخيخ الشامل لكافة مداخل المدينة والمباني والاحياء حيث تتمركز عناصرها مع الجهوزية المرتفعة للانتحاريين لدعم اي موقع يتعرض لضغوط عسكرية.
 يبدو أن هاجس خسارة التنظيم لمدينة الفلوجة وبالتالي فقدانه النقاط الاستراتيجية المهمة التي توفرها له هذه المدينة الحساسة بدأ يحركه وداعميه، فهم يعملون على اكثر من اتجاه في محاولة لابعاد هذه الخسارة، او باصعب الاحوال لابعاد تعرض "داعش" لخسائر قوية في عناصره المقاتلة والذي هو بأمس الحاجة إليهم في الدفاع عن مدينة الرمادي او لدعم مواقعه في سوريا حيث تزداد الضغوط عليه في اكثر من مدينة سورية كالحسكة وتدمر ودير الزور وفي الريف الشمالي لمدينة الرقة.

ولذلك فقد تحركت تركيا سياسيا من خلال الضغوط المباشرة على الدولة العراقية، وميدانيا من خلال تزويد التنظيم بطائرات دون طيار لتأمين فعالية اكبر في حصوله على امكانية مراقبة مسبقة لتحركات ومحاور تقدم الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، وحركت السعودية ماكيناتها المالية والاعلامية التحريضية في فبركة وبث ونشر الاكاذيب والتقارير المسمومة عن تعرض ابناء الانبار وسنة العراق في الفلوجة لمجازر وإبادات على يد الحشد الشعبي، وحركت قطر ديبلوماسيتها المافياوية في التحضير لتسوية مع الاميركيين تقضي بتأمين انسحاب آمن لعناصر التنظيم من المدينة.

وفي النهاية تبقى السيطرة الميدانية هي المفتاح الاساس لتحرير مدن العراق ودحر تنظيم "داعش" الارهابي، وهذه السيطرة بحاجة إلى تركيز الجهود وتنسيق المناورات العسكرية والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ان "داعش" ليس هذا التنظيم الذي يقوم بعمليات ارهابية ويسيطر على مواقع معينة وحسب، بل هو مقومات الدولة بكل معنى الكلمة، له قواعد شعبية متعددة ومتشعبة في الجغرافيا والتفكير، يملك مصادر متعددة تؤمن له أموالا ضخمة تساعده على ادارة وجوده ومعاركه وانتشاره الواسع، يملك تحالفات متماسكة مع دول اقليمية معروفة تضع بتصرفه امكانيات هائلة كونه ينفذ سياساتها ومخططاتها وكونه يحارب بالنيابة عنها ويكفِّر دولا وشعوبا كثيرة ويجاهر بذلك، ويبقى دائما التنسيق المباشر وعلى كافة المستويات بين الجيشين السوري و العراقي وحلفائهما ضرورة استراتيجية لتوحيد الجهود في مواجهة هذا العدو المشترك.
2015-07-15