ارشيف من :آراء وتحليلات

ايران تنتزع شرعية برنامجها النووي رغما عن إسرائيل

ايران تنتزع شرعية برنامجها النووي رغما عن إسرائيل


تعددت تعابير المسؤولين الإسرائيليين في وصف الاتفاق النووي بين ايران والسداسية الدولية، وتراوحت بين من اعتبره "مأساة" و"خطأ تاريخيا"، و"اليوم الاسود"، و"مقامرة بمستقبل إسرائيل"، و"ايران دولة عظمى نووية". كما أجمعت الكثير من التعليقات الإسرائيلية على أن الاتفاق شكل انتصارا كبيراً لإيران وخسارة مدوية لإسرائيل...


كيف يمكن تفسير هذا الصدى المدوي للاتفاق النووي مع ايران. ولماذا هذه التعابير القاسية التي صدرت على ألسنة مسؤولين من كافة ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، حكومة ومعارضة، يمينا ويسارا.

بداية ينبغي عرض حقيقة واضحة أن إعلان الاتفاق النووي بين السداسية الدولية والجمهورية الاسلامية في ايران، ليس هو ما سمح لايران بأن تكون دولة نووية. بل إن ايران فرضت نفسها، رغماً عن إرادة الدول الكبرى وإسرائيل، كدولة حافة نووية، ثم أتى "انتزاع" هذا الاتفاق الذي منح الشرعية الدولية لهذا الواقع، مع رفع العقوبات عنها مقابل ضمانات بعدم انتاج اسلحة نووية، لا تريد أساسا انتاجها لاسباب دينية واستراتيجية.
وعلى ذلك، ايران دولة حافة نووية قبل الاتفاق، ودولة حافة نووية بعد الاتفاق. وبالتالي لم يطرأ اي مستجد نوعي في هذا المجال، يرفع من قلق إسرائيل إلى المستوى الذي شهدناه. بل على العكس كان يفترض ابتداء أن يشكل هذا الاتفاق مصدر اطمئنان نووي ما، بالنسبة لإسرائيل، بعدما تراجعت الجمهورية الاسلامية خطوات إلى الوراء بما يجعل المسافة الفاصلة بين قرار انتاج اسلحة نووية وبين انتاج هذا السلاح، تصل إلى سنة، بدلا مما هي عليه الآن، 2-3 اشهر.

قلق "إسرائيل" من الاتفاق مع ايران.. أبعد من النووي

لكن المشكلة الاكبر في إسرائيل أن ايران هي الدولة الوحيدة في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي انتزعت شرعية دولية بواقع تحولها إلى دولة تملك دورة الوقود النووي الكاملة. وبات برنامجها النووي يحظى بمشروعية دولية بعدما كانت الدول الكبرى تفرض عليها العقوبات تلو العقوبات، مع كل مرحلة وقفزة نوعية تحققها في تطوير برنامجها على مستوى التخصيب وأجهزة الطرد..

وما فاقم من شعور الإسرائيلي بخطورة تداعيات هذا الاتفاق ايضا، أن ايران ستستعيد أرصدتها المالية المجمدة، التي تبلغ نحو مئة وخمسين مليار دولار... وتُرفع عنها العقوبات التي طالت النفط والبنوك والكثير من الشركات والشخصيات...

ايران تنتزع شرعية برنامجها النووي رغما عن إسرائيل
المفاوضات النووية

في ضوء ذلك، المعادلة التي حضرت بقوة لدى صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب، أنه اذا كانت ايران قد حققت مع محورها كل هذه الانتصارات، في الوقت الذي كانت تخضع للعقوبات الدولية، فماذا ستفعل الان بعد رفع العقوبات عنها..

مع ذلك، تبقى قضية اساسية ينبغي التوقف عندها وهي أن إسرائيل اعتادت خلال العقود الماضية، حقيقة أنها بوابة الولايات المتحدة في أية مقاربة لدول المنطقة. ونتيجة ذلك، لمـَّـا يزل الموقف الأميركي من الكيانات السياسية في الشرق الأوسط، دولاً أو قوى أو حتى أحزاباً، يتحدد ضمن اعتبارات ومصالح، تحتل إسرائيل موقعاً متقدما فيها، وفي أساسها موقف هذه الجهة أو تلك من حق إسرائيل في الوجود ومن أمنها ومصالحها. وأي جهة معادية لتل أبيب، كانت عدوا وهدفاً للولايات المتحدة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

المفارقة الأساسية، من ناحية إسرائيل، أن الاتفاق الذي تم التوصل اليه، هو مع الدولة التي تمثل مصدر التهديد الأول لأمنها ووجودها، كما تمثّل عمقاً استراتيجياً فاعلاً وداعماً لقوى المقاومة في المنطقة، في وجه "الدولة العبرية" وسياساتها.
بعبارة أخرى، مثَّل الاتفاق النووي مع ايران خروجاً على السياسات الأميركية المتبعة منذ عشرات السنين، وربما أيضاً، يساهم في تأسيس معادلة جديدة في المنطقة. لكن ما يجب الاشارة اليه أن المشكلة بالنسبة الولايات المتحدة في صراعها مع الجمهورية الاسلامية، كما عبَّر اوباما، تكمن في الخيارات البديلة عن الاتفاق.

إلى ذلك، ينبغي الاشارة إلى أن اية الله العظمى سماحة الامام السيد علي الخامنئي، هو من ضبط إيقاع المفاوضات وقطع الطريق على المساومة عندما حصر موضوع المفاوضات مع الغرب في القضية النووية، رافضاً ربطها بأي قضايا خلافية أخرى، وهو ما كرره في أكثر من مناسبة منذ بدء مسلسل المفاوضات بعد انتخاب الرئيس الشيخ حسن روحاني.

في كل الأحوال، من أخطر ما رأته إسرائيل في الاتفاق، إلى جانب أمور اخرى، أن ايران هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تواصل اطلاق مواقفها وشعاراتها "الموت لاميركا" و"الموت لإسرائيل"، وفي الاسبوع نفسه تنتزع من الولايات المتحدة، ومعها بقية الدول الكبرى، شرعية دولية ببرنامجها النووي وبرفع العقوبات عنها. ويعلن قائدها الخامنئي بأن المواجهة مع الغطرسة الاميركية مستمرة بعد المفاوضات النووية.

وهكذا يتجاوز الموقف الإسرائيلي المتشدد من الاتفاق مع إيران، البعد النووي بذاته، رغم أهميته القصوى، ليشمل الكثير من الملفات، سواء تلك التي تتصل بقدرات إيران وتطورها العلمي والعسكري أو بخياراتها الاستراتيجية وسياساتها ونفوذها وحضورها الإقليمي. وبعبارة أخرى، مشكلة إسرائيل مع النظام الاسلامي في إيران، ليس برنامجها النووي بل برنامجها السياسي المستند الى عقيدة دينية، الذي يعتبر وجودها ــ بحسب تعبيرسماحة الامام الخامنئي ــ «غير شرعي ولقيطاً». ومع النظام الذي يوفر الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى المقاومة ولسياساتها وحضورها في المنطقة.
2015-07-15