ارشيف من :آراء وتحليلات

الاتفاق النووي الايراني بعيون عراقية

الاتفاق النووي الايراني بعيون عراقية

اجمالا، ينظر العراقيون الى الاتفاق النووي الايراني مع مجموعة الدول الكبرى بارتياح كبير، وهذا ما اوضحته وعكسته للوهلة الاولى تصريحات كبار الزعماء والقادة السياسيين في البلاد، بدءا من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، مرورا برئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونواب رئيس الجمهورية الثلاثة، نوري المالكي، واياد علاوي واسامة النجيفي، فضلا عن زعماء الاحزاب والقوى السياسية المختلفة، لاسيما الكبيرة والمؤثرة منها، مثل رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر.

قد ينظر العراقيون الى الاتفاق النووي الايراني من ذات الزاوية التي ينظر من خلالها الاخرون بالنسبة لبعض القضايا، بيد انهم ولاعتبارات عديدة لهم نظرتهم الخاصة لذلك الاتفاق.

ومن هذه الاعتبارات، طبيعة وحجم القواسم المشتركة التي تربط البلدين، ومنها الجغرافية والامنية والدينية والاقتصادية والثقافية، والتي يمكن ان ترسم وتصيغ بمجملها الواقع الامني والاقتصادي والسياسي وتحدد مساراته.

فالعراق الذي يواجه اكبر واخطر تحد ارهابي منذ اكثر من عام، يرى أن نزع فتيل التوتر وتحقيق انفراج في واحد من اكثر القضايا الشائكة والمعقدة في المنطقة، الا وهي قضية البرنامج النووي الايراني، من شأنه أن يهيأ الارضيات والمناخات الملائمة للاسراع بالقضاء على تنظيم داعش الارهابي في العراق، والحؤول دون تمدده وانتشاره في مساحات اخرى.


آفاق سياسية واقتصادية جديدة بين بغداد وطهران بعد اتفاق فيينا

وهذه الرؤية تنطلق من حقيقة كون ان ايران تعد لاعبا اقليميا مؤثرا وفاعلا في مختلف الملفات، وهذا ما اثبتته الكثير من الوقائع الاحداث، مثل ما جرى ويجري في سوريا واليمن، وكذلك العراق، وان استمرار حالة التأزم والتصعيد معها يمنعها لعب ادوار ايجابية في المنطقة، والعكس هو الصحيح.وبما ان العراق كان ومازال يمثل ساحة مفتوحة للمشاكل والازمات، فأن واحدا من اهم وابرز عوامل احتواء وحل تلك المشاكل والازمات، يتمثل بتحقيق انتقالية  -او انعطافة- في طبيعة العلاقات بين طهران من جهة والعواصم الغربية من جهة اخرى، وبما ان الملف النووي الايراني كان طيلة اثني عشر عاما محور اشكالية كبرى بين الطرفين، فقد كان من الطبيعي جدا ان ينعكس ذلك سلبيا على الشأن العراقي، وقد تنبه ساسة عراقيون لذلك الامر مبكرا، وراحوا يستثمرون علاقاتهم مع الطرفين لحلحلة الامور وفك العقد المستعصية، علما ان العاصمة العراقية بغداد استصافت في اواخر شهر ايار/مايو من عام 2012 احد اجتماعات ممثلي الاطراف المعنية بالملف النووي الايراني.   

وتقول لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي "ان العراق يخوض حربا شرسة ضد عصابات داعش الارهابية، مما يجعله دولة قوية من دول المنطقة، وان اتفاق ايران النووي سيخدم تعزيز التوازن في عموم المنطقة، ويحدث استقرارا رسميا في حال استخدمت التطورات هذه في خدمة الشعوب، وان استقرار الدول المجاورة سينعكس بشكل ايجابي على العراق ، خصوصا وانه يخوض حربا عالمية مع الارهاب " .           
   وتمحورت مجمل التصريحات لكبار القادة والزعماء السياسيين العراقيين بشأن الاتفاق النووي حول  حقيقة ان ذلك الاتفاق سينعكس ايجابا على العراق والمنطقة ، وسيساهم بتوحيد الجهود ضد الاٍرهاب.

الاتفاق النووي الايراني بعيون عراقية
الاتفاق النووي

ومن زاوية اخرى، ذات بعد اقتصادي، فان الاتفاق النووي من المؤمل ان يفضي الى تجميد او رفع العقوبات عَنْ إيراِن وعودتها الى أسواق النفط، وإطلاق أرصدتها المجمدة في المصارف الأجنبية، والتي تقدر بأكثر من مائة مليار دولار، وهذا يعني توفر الكثير من الفرص الاستثمارية للرساميل الإيرانية في العراق بمجالات الإسكان والإعمار والسياحة والصناعات الغذائية وغيرها،مِمّا يعني إيجاد حراك اقتصادي اكبر في الاسواق العراقية من شأنه ان يساهم في امتصاص زخم البطالة وانتعاش النشاط التجاري بين البلدين.

وهذه الرؤية تناقض او تدحض قول القائلين إن رفع العقوبات الاقتصادية سوف يلحق الضرر بالاقتصاد العراقي، بذريعة ان رفع العقوبات سيتيح استئناف ضخ النفط الإيراني الى الاسواق العالمية، وبالتالي تقليل الطلب على النفط العراقي من جانب، ومن جانب اخر يمكن ان يؤدي الى حصول المزيد من الانخفاض في أسعار النفط، وقد يكون ذلك صحيحا الى حد على المدى المحدود، بيد ان النظرة الاستراتيجية بعيدة المدى تؤشر الى خلاف ذلك، لانها تأخذ بنظر الاعتبار الأبعاد والاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية بصورة مترابطة.

ومن زاوية اخرى، فإن الاتفاق النووي الأخير الَذِي يمثل انتصارا تاريخيا للدبلوماسية الايرانية، سيكون له الأثر الكبير في تعزيز قوة وتأثير ومكانة المعسكر المتصدي للارهاب، حيث يعد العراق عنصرا رئيسيا فيه، ويختزل الطريق كثيرا للقضاء على الاٍرهاب التكفيري الداعشي، لاسيما وَأن الاتفاق النووي الإيراني مثل ضربة وانتكاسة كبرى للاطراف الداعمة والمساندة لتنظيم داهش، وتحديدا المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني.

لم يبالغ، ولم يذهب بعيدا، من قال من بغداد "ان الانتصار الدبلوماسي الإيراني في فيينا هو انتصار للعراق مثلما هو لإيران".
2015-07-17