ارشيف من :آراء وتحليلات

الاتفاق النووي بين رفض الرافضين ورهاناتهم الفاشلة

الاتفاق النووي بين رفض الرافضين ورهاناتهم الفاشلة

فيما يتجاوز الخطاب البروتوكولي، تأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها استخدام الاتفاق النووي بين إيران والسداسية كمدخل لعملية تطبيع تتحول إلى وسيلة لتحقيق الأهداف التي عجزت عن تحقيقها الحروب المتعددة الأشكال التي شنت على إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية.  

إيران وأصدقاؤها مبتهجون بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً حول الملف النووي. وخصومها ليسوا أقل ابتهاجاً بالاتفاق رغم مظاهر الحنق التي ميزت مواقف الإسرائيليين والسعوديين والعديد من أعضاء الكونغرس الأميركي. فمع كل يوم جديد يتبين أن هذا الحنق مفتعل لأهداف ابتزازية تدور كلها في فلك الحصول على تطمينات وتعويضات من البيت الأبيض مقابل الإجماع شبه التام على ما سيؤدي إليه الاتفاق من تحول في موازين القوى الإقليمية لصالح إيران ومحور المقاومة.

اعتبارات صبيانية

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه وسط كل هذا الكلام عن المكاسب الاقتصادية والسياسية التي يفترض بأن إيران ستبدأ بجني ثمارها منذ اللحظة التي سيبدأ فيها، بعد تجاوز عقبة الكونغرس، وضع الاتفاق موضع التنفيذ هو عن المكاسب التي سيوفرها الاتفاق للولايات المتحدة بوصفها الطرف الرئيس الذي يحتدم النزاع بينه وبين إيران منذ فتح هذا الملف قبل أكثر من عشر سنوات. إذ من غير المعقول أن تدخل الولايات المتحدة هذا المعترك الكبير لتخرج منه صفر اليدين وبيدين إيرانيتين مليئتين بالمكاسب.

ما هي مكاسب واشنطن من الاتفاق النووي؟
هل تكفي مثلاً رغبة أوباما "الشخصية" بعدم مغادرة البيت الأبيض دون تحقيق إنجاز كاف لتخليد اسمه في تاريخ الرئاسات الأميركية لتبرير اتفاق يعود بكل هذه الفوائد الكبرى على النظام الإيراني؟ خصوصاً وأن هذا النظام هو الذي عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها على إسقاطه بكل السبل الممكنة طيلة العقود الأربعة التي تصرمت منذ الضربة الموجعة، والتي قد تكون القاضية، التي مثلها انتصار الثورة الإسلامية على مشروع الهيمنة في المنطقة والعالم.  

الاتفاق النووي بين رفض الرافضين ورهاناتهم الفاشلة
الاتفاق النووي

أو هل تكفي لتبرير ذلك، تلك الصبيانيات التي يروجها أولئك الذين تهتز عروشهم بفعل التقدم الذي تحرزه الثورة الإسلامية في جميع المجالات، والتي تفسر ما يتهم به أوباما من تقصير وتسويف وجبن ونقص في الجدية والإخلاص لمصالح أميركا بأنه تعبير عن "تشيعه" بوصفه باراك "حسين" أوباما؟

نظرة سريعة على الخطاب السائد عند المعترضين، الغربيين والإسرائيليين والعرب، على الاتفاق تظهر، على العكس منذ ذلك، أن هذا الاتفاق ليس على هذه الدرجة من السوء الذي يوصف به.

انقلاب المواقف


فقد شهدت الأيام الأخيرة ارتفاع أصوات مؤثرة داخل الكيان الصهيوني امتدحت الاتفاق وحذرت نتنياهو من تعميق الصراع مع أوباما. ومن هذه الأصوات ما توقع أن تتمكن "إسرائيل" من جني أرباح عسكرية على الأقل من وراء هذا الاتفاق. والمقصود بجانب من تلك الأرباح هو المساعدات العسكرية والضمانات الأمنية التي قد تقدمها واشنطن إلى تل أبيب استرضاءً لها بعد ما عبرت عنه من غضب على الاتفاق والموقعين عليه.

كما ارتفعت أصوات مماثلة في بلدان الخليج. فالإمارات بعثت ببرقيات إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني هنأته فيه "بالاتفاق النووي التاريخي". وقطر أكدت دعمها للاتفاق. والسعودية ليست بعيدة عن اتخاذ موقف مماثل فيما لو حصلت على تطمينات مقنعة بأن مستقبل الحكم فيها ليس معرضاً للخطر.

إذن ليس الاتفاق بحد ذاته هو ما يثير حنق خصوم إيران في المنطقة. وحتى بالنسبة لأوباما نفسه، فإن النووي نفسه هو مشكلة غير موجودة إذا ما نظر إليها من زاوية امتلاك القنبلة التي لا تسعى إيران إلى امتلاكها.

المشكلة الحقيقية بالنسبة لخصوم إيران، من أميركا إلى أصغر مشيخة خليجية، مروراً بالغرب والكيان الصهيوني وباقي العرب المتصهينين، هي بعيدة كل البعد عن النووي وعن سعي إيراني مفترض لصنع سلاح نووي.

 إجماع شبه التام على أن الاتفاق سيؤدي إلى تحول كبير في موازين القوى الإقليمية لصالح إيران ومحور المقاومة
المشكلة الحقيقية هي في النهج الذي تعتمده إيران والذي لا يقف عند حدود بناء إيران مستقلة وحريصة على مصالح شعبها، بل يتجاوز ذلك إلى حرصها على مد يد المساعدة والدعم لقضايا المقاومة والتحرر في المنطقة والعالم وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني.

فالحقيقة أننا نجد، في كل زاوية من زوايا الخطاب السائد عند المعترضين، الغربيين والإسرائيليين والعرب، على الاتفاق، أملاً في أن ينجح الاتفاق في بلوغ غايته في تحفيز قيام إيران جديدة، وتعويلاً على الاتفاق كرافعة تنجح في إسقاط النظام القائم بعد أن فشلت في إسقاطه كافة أشكال الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية التي شنت عليه منذ انتصار الثورة الإسلامية.

إيران الجديدة تلك هي بكلمة، إيران ما قبل الثورة. إيران الشاهنشاهية التي تشكل جزءاً مكاملاً لمعسكر الهيمنة المعادي لطموحات الشعوب التواقة إلى الحرية والكرامة.

ولعل أتعس مظاهر البؤس والقحة في آمال هؤلاء وأمانيهم هي تذاكيهم في اعتبار إيران منقسمة على نفسها بين تيار إصلاحي يريد بزعمهم وضع الاتفاق النووي في خدمة عودة إيران إلى سابق شاهنشاهيتها "الرشيدة"، وتيار محافظ يريد بزعمهم تدمير كل إمكانية للتقدم والازدهار في إيران والمنطقة.                   
2015-07-21