ارشيف من :نقاط على الحروف
جعجع يقدم فروض الطاعة من السعودية
حتى لو صح الكلام عن أن زيارة جعجع إلى السعودية كانت مقررة قبل الاتفاق النووي والازمة الحكومية الاخيرة، وما رافقها من تطورات داخلية.. فإن حرص المسؤولين في السعودية على تظهير هذه الزيارة بالشكل الذي بدت فيه على المستويين السياسي والاعلامي، يؤكد على أنها تنطوي على رسائل من الصعب فصلها عن الحراك السياسي الاقليمي والمحلي.
المؤكد بأن زيارة السيد جعجع أتت في خضم الازمة الحكومية والحراك الذي بادر اليه التيار الوطني الحر وتموضع حزب المستقبل في صدارة من يقف في مواجهة حقوق المسيحيين. وايضا بعد الاعلان عن الاتفاق النووي بين ايران والسداسية الدولية.
يعكس التظهير الاعلامي والسياسي لزيارة جعجع، ان السعودية باتت اكثر حاجة إلى إعادة تحسين صورتها وحضورها حتى لا تخسر المسيحيين في لبنان، أو بعبارة اخرى حتى لا تتفاقم خسارة حلفائها من المسيحيين على المستويين السياسي والشعبي، خاصة بعد بروز حلفائها كعقبة أساسية في وجه المسيحيين المطالبين بحقوقهم. وعلى هذه الخلفية بات من الضروري ان تجمع الصورة الملك السعودي، بحضور كامل فريق عمله ، مع احد قادة الموارنة فضلا عن اللقاء الذي بات أكثر من ضروري مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.
من هذه الزاوية، شكلت الزيارة محاولة احتواء وامتصاص للغضب الشعبي لدى المسيحيين من حزب المستقبل، ومن يقف وراءه . أما بخصوص الاتفاق النووي، فقد يبدو للوهلة الاولى كما لو أن هناك مبالغة في ايجاد ربط ما بين حدث بحجم زيارة جعجع، وحدث بحجم اقليمي ودولي. أين جعجع ومكانته ودوره، وأين الاتفاق النووي . لكن مع التدقيق في الخيط الذي يربط بين الحدثين يتضح أن المسألة تتصل بسياسة السعودية في مرحلة ما بعد الاتفاق .تدرك الرياض بأن محور المقاومة سيكون أكثر قوة وزخما واندفاعا بعد هذه المرحلة. في المقابل تحتاج السعودية إلى اعادة تجميع وتثبيت أوراقها اللبنانية في مواجهة تعزيز محور المقاومة بعد الاتفاق النووي.
جعجع بالنسخة السعودية
في كل الاحوال، المؤكد بأن جانبا من أبعاد هذه الزيارة ومفاعيلها قد تكشف عنه الايام المقبلة، بعد عودة السيد جعجع إلى لبنان. مع ذلك، فقد كانت للمواقف التي اطلقها جعجع في مقابلة مع جريدة الشرق الاوسط السعودية أبعادها ذات الصلة.
لم يكن مفاجئا، أن يتهم جعجع من السعودية ايران بأنها من يحول دون انتخاب رئيس جمهورية للبنان. وهو ما يدفع إلى التساؤل ما إن كانت ايران هي التي تقول للسيد جعجع بعدم الانسحاب ويسمح بانتخاب رئيس يمثل اكثرية مسيحية راجحة. أو هي التي تضغط على الجنرال ميشال عون للاصرار على حقه بانتخابه رئيسا للجمهورية. إلا اذا كان كلامه مبنيا على اتهام للجنرال عون بأنه يعطل انتخاب الرئاسة بناء على ايحاء من حزب الله والجمهورية الاسلامية في ايران.
ايضا، كان من الطبيعي أن يتحدث السيد جعجع خلال زيارته للسعودية، بأن الاخيرة لم تنحز يوما إلى حزب. فهل يمكن أن نفهم من كلام السيد جعجع بأن حزب المستقبل ليس حزباً. وأن قوى 14 اذار لا تتشكل من احزاب وشخصيات.. اما لجهة تمويل المليشيات فحدث ولا حرج عنه في لبنان وسوريا..
وفيما يتعلق بنفي السيد جعجع أن يكون تدخل حزب الله في سوريا تجنبا لتداعياتها وتأثيراتها على الساحة اللبنانية. لا يستقيم هذا التقدير إلا إن كان السيد جعجع يرى ان سيطرة التكفيريين على سوريا لن يكون له أي تداعيات واخطار على لبنان وحزب الله.. وهو تصور من المستبعد أن يكون هو نفسه مقتنع به، وإلا نكون أمام شخصية (...).
هل يصدق أحد بأن أي عنصر أو مسؤول في القوات اللبنانية لا يرى في سيطرة هذه الجماعات على سوريا خطرا على لبنان بكل مكوناته. وألا يستدعي وجود هكذا خطر التحرك ومنع تعاظمه وانتظار تمدده حتى يضطر اللبنانيون الى قتاله على الاراضي اللبنانية وبوضعية تكون فيها الجماعات التكفيرية أقوى مما هي عليه الان..
في مناسبة سابقة، رأى سمير جعجع خلال مقابلة مع قناة BBC ضمن برنامج "بلا قيود"، "ان الاتفاق النووي بين ايران والدول الست سيؤدي إلى تجميد مرحلي للبرنامج النووي العسكري الايراني بانتظار أوضاع ومستجدات أخرى". في المقابل، ينبغي أن نسأل من أين استقى السيد جعجع معلوماته بأن برنامج ايران النووي عسكري. أم أنه تلقى تقارير من الوكالة الدولية تتحدث عن ذلك. نعم، يمكن أن يكون لاتهاماته أساساً اذا كان يستند فيها الى اتهامات بعض الدول الغربية ومعها إسرائيل.
اما بخصوص دعوته إلى أن تطبيق الطائف يبدأ من نقطة اساسية تتمثل بعدم وجود سلاح غير شرعي خارج الدولة اللبنانية. أليس الأهم في هذه المرحلة، أن يبقى لدينا وطن ودولة حتى نطبق فيها هذا الاتفاق. والا يرى في الزحف التكفيري الذي يجتاح المنطقة سببا كافيا لتحصين عناصر القوة التي يتمتع بها لبنان، بدل استدراج الجيش اللبناني إلى مسؤوليات تنوء بها دول كبرى.
ولجهة استدلاله بأنه سبق أن تخلى عن تنظيم عسكري كبير كانت تمثله القوات اللبنانية، بعد انتهاء الحرب اللبنانية. فليسمح لنا السيد جعجع بأنه عندما بادر إلى هذه الخطوة لم يكن لديه خيارات أخرى بديلة.
مع ذلك، من الصعب اختتام المقالة من دون استحضار الموقف الذي أطلقه السيد جعجع قبل أيام عندما دعا إلى تشكيل لواء من انصار الجيش يتألف من ابناء القرى الحدودية لحمايتها.
حول ذلك: مهما حاول رئيس حزب القوات اللبنانية التلوي والالتفاف، فان هذه الدعوة ليست سوى إقرار غير مباشر بالحاجة إلى المقاومة، من دون أن يتلفظ بالاحرف التي تتشكل منها.
ومع ان هذه الدعوة وما تنطوي عليه، اتت متاخرة وربما كان عليه انتظار دخول الجماعات التكفيرية من داعش والنصرة إلى المدن والقرى اللبنانية حتى يتراجع عن مكابرته.. والاقرار بأن مهمة التصدي لهذا الخطر تستوجب جمع كل الطاقات والقدرات السياسية والشعبية والعسكرية، بدلا من رمي المسؤولية على الجيش اللبناني لوحده.
مع ذلك، يفترض ان دعوة جعجع، او موافقته، على تشكيل لواء انصار الجيش وتأييد الحراسات الليلية في البلدات على حدود لبنان الشرقية، ليس لها أي مبرر سوى تسليمه بوجود تهديد تكفيري على لبنان، كيانا وشعبا. لكن ما كان السيد جعجع ليبادر الى هذه الدعوة، أو على الاقل الموافقة على هذا الطرح، إلا مواكبة لشارعه الذي سبقه. وأن الشعارات والمواقف المغايرة التي كان وما زال يروجها لم تلقى أصداء فعلية حتى لدى جمهوره من القاطنين في القرى والمدن الحدودية.. بل حتى لدى شرائح واسعة منهم في العمق اللبناني.
وإلا، ما الفرق بين عنوان "انصار الجيش" و"المقاومة الشعبية" المناصرة للجيش. والا يعكس هذا الموقف، إقراراً بأن قدرات الجيش اللبناني، الذي لا تنقصه لا الحافزية والاندفاع والحماس..، لا تكفي للقيام بمهمة عجزت وتعجز عنها جيوش المنطقة...
مع ذلك، ينبغي التأكيد على أن هذه التشكيلات ومجموعات الحماية هل هي كافية وتوفر القدرات المطلوبة لتوفير الحماية والامن.