ارشيف من :آراء وتحليلات

العرب مهددون..ما العمل؟

العرب مهددون..ما العمل؟

بشكل دائم، تنعكس التغيُّرات التي يشهدها النظام الدولي على النظم الإقليمية التي تتأثر بما يجري على الساحة الدولية، حيث تؤدي هذه التغيرات إلى حد كبير في هذه النظم وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة لا سيما في منطقتنا العربية التي تقف عاجزة في مواجهة التحديات خاصةً أمام تنافر مصالح دولها، وقد برز ذلك بشكل واضح من خلال تمدد تنظيم "داعش" والمد التكفيري في منطقتنا.


لقد دعا الكثيرون إلى قيام نظام إقليمي عربي يهدف إلى تحقيق التنسيق والتعاون والاتحاد بين أقطاره يكون تحقيق الأمن فيه أو أهداف النظام لكن دون جدوى، بل إن الدول العربية لم تستطع حلّ النزاعات والخلافات بينها، كما أنها لم تستطع تخفيف التوتر والحد من موجة الإرهاب والتطرف، في حين أن هناك دولاً إقليمية تفرض نفسها كقوى مؤثرة بالسياسة الدولية.

فشل النظام في مواجهة التحدي

لقد نشأ النظام الإقليمي العربي متمثّلاً بجامعة الدول العربية في 22 مارس/آذار 1945. هذه الجامعة لم يكن عملها يكفي الدول التي أسستها في مرحلة وإن كانت صعبة، إلا أنها لم تكن كما حال منطقتنا اليوم، فكيف بنا اليوم حيث يعاني العالم العربي من موجة قتل وعنف وتطرف ليس لها مثيل في العصر الحديث إلا ما قام به الكيان الإسرائيلي من مجازر بحق بعض الدول العربية.

العرب مهددون..ما العمل؟

داعش


لم يعد هذا النظام يلائم ما تمر به الدول العربية من تقلبات وتحديات أمنية، قد تؤدي إلى تفككها بل وزوال بعضها إن لم تسارع إلى تحسين أوضاعها وتمتين علاقاتها وتوحدها لمواجهة هذه التحديات التي يعتبر تنظيم "داعش" أكبرها حالياً والذي من المتوقع أن يستمر إلى سنوات قادمة، سيما وأن هذه الدول تعاني من موجة الإرهاب منذ أحداث 11 ايلول/سبتمبر 2001.


في نظرة متأنية إلى الأعمال الإرهابية التي عرفتها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، نجد أنها الأخطر حيث زادت هذه العمليات وزادت أعداد الضحايا مع اتساع نطاق تلك العمليات، وقد ارتقت الكثير من هذه الجرائم إلى جرائم ضد الإنسانية، في ظل غياب الأمن العربي المشترك عن هذه التحديات، بل إن تنافر بعض الدول العربية قد زاد من موجة التطرف، رافقه ذلك العجز الذي أظهرته جامعة الدول العربية.

الوحش يأكل الأمن

بدأت هجمة الإرهاب تستعر مع ما يسمى "الربيع العربي"، وخاصة في سوريا والعراق لا سيما بعد أن اعلن تنظيم "داعش" "خلافته المزعومة"، واصبح يهدد منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ليجعل الدول العربية في خطر على كافة المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية مع بناء منظومته الخاصة، خاصة أن موجة الإرهاب هذه ترافقها موجة تطرف و"تكفير" غير مسبوقة، وإن لم تكن جديدة، ما يجعل الأعمال الإرهابية منطلقة من خلفيات عقائدية خطيرة جداً.
وبتتبع ما يقوم به تنظيم "البغدادي" يتبين أن هدف الإرهاب الذي يضرب منطقتنا ليس القتل والذبح فقط، بل نشر الفوضى وتفتيت الدول وشرذمتها، على أسس تكفيرية تعتمد القتل كوسيلة لتمدد "الخلافة" وبقائها.


لذلك يعتبر انتشار "داعش"، وممارسة كل أنواع الجرائم المادية (القتل وما يشمله) والمعنوية (جرائم نشر الأفكار التكفيرية)، مع ما يرافقة ذلك من وجود بيئة لتقبل هذه الأفكار، التي تضرب كالأمواج العاتية مخلفةً وراءها أضراراً فكرية كبيرة، أكبر الأخطار التي تهدد الأمن العربي.
وما يزيد الوضع خطورةً، أنه حتى الآن لم يجد المجتمع العربي ولا الدولي سبيلاً إلى حل هذه المعضلة، ولم تستطع الكثير من الدول العربية مواجهة هذا المد من الإرهاب.

هل تنجح قوة عربية مشتركة؟

حاول البعض من جديد أن يحيى فكرة القوة العربية المشتركة من خلال جامعة الدول العربية، في ظل رفض من قبل بعض الدول وتهميش اخرى عن المشاركة، ما يزيد من خطورة هذا التفكك. لم يأت حديثنا عن هذه القوة متأخراً، بل تحذيراً من توسيع الهوة بين دولنا، وإن كانت هذه القوة ضرورية لكن بوجود توافق عربي وعدم تهميش دولة متضررة وتقف في صف المواجهة ضد الإرهاب مثل سوريا.


 قوة كهذه لا يمكن بناؤها مع وجود تناحر وخلافات بين دول الجامعة، فمن يضمن ألا تُحوّل هذه القوة إلى أداة في يد بعض الدول المؤثرة في الجامعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى وفق مبادئ تحمل تفسيرات فضفاضة تستخدم وفق رؤى البعض وقد يشن من خلالها حرباً لا على الإرهاب بل على بعض الدول العربية المخالفة في توجهاتها لأهواء من يسيطر على هذه القوة مثل ما يحدث في اليمن.


إن قيام تلك القوة، يجب أن تضع نصب أعينها في وقتنا هذا مواجهة الإرهاب وتقويض قوته وحماية الأمن العربي، لكن كيف يمكن أن تقوم قوة لا تتفق أصلًا على تعريف للإرهاب؟ لا بل أن بروتوكولها لم يتضمن تعريفاً له، ناهيك عن أن ميثاق هذه القوة لم يفرق بين المقاومة والإرهاب في خلط المفاهيم التي قد تستخدم وفق ما يريد البعض تنفيذاً لمصالحه.


لا يمكن صيانة "الأمن القومي العربي" دون صيانة العلاقات بين الدول العربية وتوافقها على تعريف الأمن العربي، ومن يستهدفه ومن يضر به، ودون وجود ضمانات لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، أو وجود موقف موحد من الجماعات الإرهابية من القاعدة وأخواتها وصولاً إلى "داعش"، هذا الخطر الذي يتهدد فعلياً كل الدول العربية.


لذلك، لا يوجد أدنى شك في أن خطر "داعش" ـ مع ما يرتكبه من جرائم ـ ومكافحته، لا يشكلان أزمة لدولة عربية دون أخرى لا بل بات أزمة دولية متشعبة الأسباب، والأطراف والتداعيات، لما يشكله هذا التنظيم، من خطر على السلم والأمن الدولي، وإن كان المتضرر الأكبر دول الإقليم لا سيما سوريا والعراق.

2015-07-25