ارشيف من :آراء وتحليلات
أردوغان يستثمر ’داعش’ انتخابياً وضد الأكراد
تسارعت الأحداث الأمنية في تركيا منذ انتهاء الانتخابات التشريعية وصعود نجم الأكراد مقابل تقلّص كتلة "العدالة والتنمية" البرلمانية. الحديث عن تلاشي حلمه بتحويل النظام السياسي التركي الى نظام رئاسي كامل الصلاحيات، دفع رجب طيب أردوغان الى التفكير بخطوات تكميلية أهمها الانتخابات المبكرة، في محاولة لإعادة ترميم صورة حزبه، وتعويض الخسائر.
الانتخابات المبكرة يلزمها "أدوات عمل". الأكراد والخوف من طموحهم الانفصالي، و"داعش وارتباطها بالنظام السوري"، أهم أدوات العمل الانتخابي التي من شأنها شدّ عصب جمهور الناخبين من وجهة نظر أردوغان وحزبه. لم يفصل المتابعون للشأن التركي، التطورات الأمنية الأخيرة عن سياق جهود أردوغان للإطباق على الحكم ومؤسساته. لا يمكن تفسير حالة التعبئة العامة في تركيا، عسكرياً وسياسياً ومجتمعياً، إلا في سياق حركة تغيير شاملة يجري التحضير لها على نطاق واسع.
تركيا تدخل لعبة تحصين المواقع لتحسين الشروط
العارفون في خفايا الشأن التركي وكواليسه، يقولون إن حالة التعبئة العالية التي وضع الحكم المواطنين الأتراك فيها، بدأت منذ خسارة "داعش" أمام الأكراد في تل أبيض، واستمرت مع خسارة "العدالة والتنمية" الأغلبية المطلقة في الانتخابات النيابية الأخيرة، وتقدّم الأكراد في السباق الانتخابي. الربط بين معارك "داعش" العسكرية في الشمال السوري على تخوم الحدود التركية، ومعارك أردوغان السياسية في الداخل، يصبح أمراً واقعاً في الإعلام التركي، مع كل يوم تُسجّل فيه المزيد من التطورات الأمنية والتوترات السياسية. وعليه، لم يعد الحديث عن نيّة أردوغان إفشال تشكيل حكومة ائتلافية جديدة برئاسة أحمد داوود أوغلو مجرّد كلام، وبالتالي فإن الدفع باتجاه الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة يمكن من خلالها أن يعوّض عدد النواب الذين خسرهم، وخسر بموجبهم الغالبية المطلقة داخل البرلمان التركي.
رجب الطيب اردوغان
إذاً، الربط بين التسخين الأمني والسياسي يبدو هادفاً بالنسبة لأردوغان، على الأقل وفق قراءة الإعلام التركي. هدف أردوغان استعادة السيطرة المطلقة على النظام السياسي لبلاده. الحرب التي أعلنها الرئيس التركي على "داعش" لم تأتِ حصرية ضد التنظيم الإرهابي المتطرّف، بل زجّ الأكراد في لائحة إرهاب واحدة مع "داعش"، وباشر الضربات ضد الأكراد. هذا الأمر سهّل القراءة القائلة بأن أردوغان يعمل على "تقليم أظافر" الأكراد. في الأساس، "داعش" لم تكن تشكّل خطراً على تركيا أردوغان، بل هي محتواة ومحلّ إحاطة ورعاية ـ على الأقل حتى اليوم ـ على عكس الأكراد أصحاب الطموح.
في لغة الاستثمار، يُمكن فهم التناغم بين الموقف الأميركي الذي اعتبر حزب "العمّال الكردستاني" إرهابياً، والمبادرة التركية الى شنّ الحرب على مواقع هذا الحزب في شمال العراق، واعتقال مناصرين وأتباع له داخل تركيا. التناغم أيضاً يظهر في ما أعلنته وزارة الخارجية التركية عن أن طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن ستبدأ في استخدام قاعدتي "انجرليك" و"ديار بكر" التركيتين الشهر المقبل، بعد أن كانت تقلع من سفن في الخليج والبحر المتوسط. الاستثمار يكمن في أن السماح التركي هذا يوفّر على واشنطن 4 أضعاف الكلفة المادية والزمنية لحركة طائراتها.
ما نقله الإعلام التركي عن نائب رئيس الحكومة التركية بولند إرنتش، أن تفاهماً جديداً بين تركيا والولايات المتحدة قد قام ضد "داعش"، يأتي بالتزامن مع تقارير تحدّثت عن مساعٍ تركية لإقامة منطقة عازلة من جرابلس الى عفرين. الهدف من هذه المساعي هو استخدام ورقة الأحداث على الحدود التركية ـ السورية لممارسة المزيد من الضغوط على الدولة السورية من جهة، ومواصلة الحرب بكل أوجهها مع الأكراد من جهة ثانية. الضغوط على سوريا ومواجهة الأكراد، جهود يمكن لأردوغان وضعهما على رأس لائحة إنجازاته في الحملات الإنتخابية المقبلة.
الشق المتعلّق بالشمال السوري والمنطقة الآمنة التي يجري الحديث عن مساع أردوغانية لفرضها هناك، أتت متزامنة مع الهجمة السعودية على عدن، وغداة الإعلان عن إنجاز الاتفاق النووي الإيراني. فالسعودية أرادت السيطرة على عدن لتأمين إعادة حكومة الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي الى قلب اليمن، والعمل ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية من داخل البلاد، ما يعطي السعودي دوراً أكثر فعالية في الملف اليمني. فيما تحاول تركيا، وفقاً لتصريحات مسؤوليها، إنشاء مناطق آمنة شمال سوريا، قالت تقارير إعلامية تركية إن الهدف منها مزدوج: منع الأكراد من إنشاء إقليم على غرار إقليم كردستان في العراق. وإيجاد منطقة آمنة للمسلحين الذين تدعمهم تركيا، ما يعطيها دوراً أكبر في الملف السوري بالتالي، فإن ترابط الأحداث في المنطقة يأتي في سياق لعبة تحصين المواقع لتحسين الشروط..