ارشيف من :آراء وتحليلات

في الثابت والمتغير قبل الاتفاق النووي وبعده

 في الثابت والمتغير قبل الاتفاق النووي وبعده

طالما أن كل طرف يظل متمسكاً بقناعاته الاعتقادية وبما يرى فيه تحقيقاً لمصالحه، فلا شيء - بالنظر إلى زاوية الثابت والمتغير- أكثر ثباتاً في المعطيات السياسية في المنطقة والعالم من حالة العداء بين الولايات المتحدة ومعسكر الهيمنة، من جهة، وإيران ومحور المقاومة، من أخرى.

وإذا بدا لوهلة أن توقيع الاتفاق النووي يشكل خرقاً لهذه القاعدة، ويدخل في المعادلة الأساسية تغيراً من النوع الذي دأب المراقبون على اعتباره انعطافة كبرى ما قبلها شيء وبما بعدها شيء آخر، فإن ذلك لا يعدو كونه من الأوهام التي كثيراً ما يحدث لها أن تزدهر بفعل القياس الكسول لحدث في الـ"هُنا" والـ"آن" على حدث في زمان ومكان آخر، ومن صنع قوى فاعلة أخرى. 

واشنطن تسعى إلى توريط دول الخليج في المزيد من الحروب

صحيح أن الاتفاق حول النووي الإيراني هو أبرز حدث إقليمي وعالمي في الفترة الراهنة. لكن هل ينبغي أن نشاطر  وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، فيديريكا موغيريني، تفاؤلها عندما قالت بأن الاتفاق هو إشارة أمل للعالم كله؟ أو أن نكون مع الدوما الروسي على موجة واحدة عندما اعتبر أن الاتفاق يلغي احتمالات الحرب في الشرق الأوسط.

اتفاق في سياق آخر


فالحقيقة أن النظر إلى الاتفاق بوصفه معجزة تفتح عصراً جديداً في المنطقة والعالم يحتاج إلى شيء من التفسير. فالمقصود من كلام الدوما هو الحض على تجنب الحرب في وقت تطغى فيه النزعة الحربجية على سلوك الأميركيين وحلفائهم في المنطقة والعالم.

 

 في الثابت والمتغير قبل الاتفاق النووي وبعده

الاتفاق النووي


أما المقصود من كلام موغريني فهو زج الاتفاق في سياق أحداث كبرى شهدها النصف الثاني من القرن العشرين وشكلت معالم بارزة على خط اندحار المنظومة الاشتراكية وحركة التحرر الوطني والانتصار الذي تحقق للإمبراطورية الأميركية وحلفائها: الانفتاح الصيني بعد زيارة نيكسون لبكين في السبعينات وظهور ما يسمى بـ "الشيوعية الرأسمالية"،  سياسة الوفاق والتعايش السلمي بين السوفيات والغرب والتي أفضت إلى البيريسترويكا والغلاسنوست، والانفتاح العربي مع اتفاقيات كمب دافيد وأوسلو وما أفضى إليه من تحالفات بين الكيان الصهيوني والعديد من الأنظمة العربية والحركات التكفيرية.


بكلام آخر، يراهن معسكر الهيمنة بشكل واضح على تطبيع للعلاقات بين إيران ومعسكر الهيمنة من خلال المكاسب الاقتصادية والمالية التي ستحققها إيران وتنشيط الاستثمارات، والدخول الإيراني إلى السوق الدولية من بابها الواسع. مع الافتراض بأن يؤدي ذلك إلى حالة من التماهي الإيراني بالغرب والقيم الغربية تشكل شرطاً لاندلاع نوع من ثورة ملونة أو "ربيع إيراني" يسقط الثورة الإسلامية ويحقق الهدف الذي عجز معسكر الهيمنة عن تحقيقه طيلة أربعين عاماً من الحروب المتعددة الأشكال والألوان.


وقد لوحظ مؤخراً، وفي الوقت الذي يحتل فيه الاتفاق مركز الاهتمام الأول على المستوى الدولي والإقليمي، أن وسائل الإعلام الغربية قد بدأت تشن حملة تحت عنوان حقوق الإنسان في إيران... كما ولو أن الاتفاق النووي يجب أن يدفع إيران نحو تبني وجهة نظر الغرب في هذا المجال والتقدم، بالتالي، بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو !!!


إن الآفة الكبرى التي يعاني منها هذا النوع من التفكير هي في كونه لا يلحظ التناقض الكبير بين هذه الفرضية النابعة من أعماق الاعتقاد بمعصومية الفهم الغربي للتاريخ وما ينجم عنه من اعتقاد تعسفي بالتفوق الغربي.

... وحلول عسكرية


فهذه الفرضية لا تلحظ تشديد الطرفين المتفاوضين الأساسيين، الأميركي والإيراني، على حصر المفاوضات بالملف النووي وحده. ولا تلحظ استمرارية حالة العداء في ما يخص الملفات الأخرى. مع ما يعنيه ذلك من بقاء المواقف من الملفات الإقليمية على حالها. أو بتعبير أصح بقاءها في الوضع الذي تفرضه الظروف وموازين القوى في المراحل الحالية واللاحقة.


وانطلاقاً من آخر المواقف الإيرانية والأميركية، يمكن القول بكل ثقة بأن حالة العداء بين الطرفين هي أكبر الثوابت في المعطيات الجيوساسية في المنطقة والعالم، وهي ما تزال في الوضع الذي كانت عليه في أوائل الثمانينات. فآية الله العظمى سماحة الإمام علي الخامنئي، يؤكد أن سياسة إيران "لن تتغير في مواجهة الحكومة الأميركية المتغطرسة" والرئيس الأميركي باراك أوباما يؤكد من جهته على ما  أسماه بالتحديات الإيرانية للمصالح والقيم الأميركية.

وبات من غير القابل للجدل أن الحلول العسكرية هي المفضلة عند الأميركيين بين أشكال التعامل مع كل من يجرؤ على رفض الهيمنة. لكنهم لم يعودوا في وضع يسمح لهم باللجوء إلى القوة في المواجهة المباشرة مع إيران ومحور المقاومة. ومن هنا، فإنهم يجدون دائماً قوى محلية وأقليمية تحارب بالوكالة عن واشنطن وتحرق نفسها على مذبح المصالح الأميركية. وعلى ضوء هذا المعطى، ينبغي أن تفهم تصريحات أوباما الأخيرة التي قال فيها بأن على دول الخليج أن تعزز قوتها العسكرية لمواجهة الخطر الإيراني.   

2015-07-27