ارشيف من :آراء وتحليلات
كارتر ومهمته الشائكة في العراق
جاءت زيارة وزير الحرب الأميركي آشتون كارتر الاخيرة للعراق ضمن جولة إقليمية قادته الى كل من المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني ودوّل اخرى.
وعلى الصعيدين العراقي والاقليمي ارتبطت جولة كارتر بجملة ملفات، من بينها، الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى، ومعركة الأنبار ضد تنظيم داعش الإرهابي، والحرب في اليمن التي تورطت بها السعودية ولم تعد تعرف سبيلا للخلاص من مستنقعها، والأزمة السورية وتداعياتها، اضافة الى ملف الصراع بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.
ولأول وهلة قد يبدو للمتابع ان الوزير الاميركي جاء الى بغداد ليبحث في ملف "داعش" والدور الأميركي في مواجهة ذلك التنظيم، وهذا افتراض صحيح وواقعي جدا، بيد انه لم يكن المحور الوحيد في اجندة آشتون كارتر، فالعراق يعد من الأطراف الرئيسة المعنية بالاتفاق النووي الإيراني بكل معطياته وأبعاده، وبما ان الأمور لم تنته بابرام الاتفاق في العاصمة النمساوية فيينا، بل هناك الكثير من القضايا التي ترتبط بالاتفاق، تحتاج الى نقاشات وحوارات متواصلة، وربما الى وساطات وتدخلات من قبل هذا الطرف او ذاك. وكذلك فان الملف الكردي يحظى بخصوصية واهمية استثنائية لدى الادارة الأميركية، وهي غالبا ما تتعاطى معه بصورة مستقلة ومنفصلة الى حد كبير عن الملف العراقي بإطاره العام.
وزير الحرب الاميركي
وفيما يتعلق بموضوع "داعش" وسبل مواجهتها، وطبيعة وحجم الدور الأميركي في ذلك، طرح الوزير كارتر على من التقاهم من كبار المسؤولين العراقيين، لا سيما رئيس الوزراء حيدر العبادي، ووزير الدفاع خالد العبيدي، مخاوف وقلق واشنطن من الحشد الشعبي، ان لم يكن في هذه المرحلة، ففي مرحلة ما بعد "داعش"، ويقال ان كارتر لم يكن لديه اعتراض حقيقي على أصل مشاركة قوات الحشد الشعبي في المعارك الدائرة ضد "داعش"، لكن الاعتراض او الأشكال المطروحة من قبله، هو ما عن موقع ونفوذ ومساحة قوات الحشد الشعبي في المراحل اللاحقة، لا سيما وانه سيكون قوة مؤثرة ورقما مهما في المشهد العراقي العام.
وفي مجمل النقاشات مع المسؤولين العراقيين أقر كارتر ان بلاده ترددت في الكثير من الأحيان بضرب "داعش"، وخصوصا في المناطق التي تتواجد فيها قوات الحشد الشعبي، على خلاف المناطق التي تتواجد وتقاتل فيها قوات البيشمركة الكردية، حيث تشن طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضربات متواصلة على اوكار داعش، علما ان واشنطن أكدت في مناسبات عدة دعمها ومساندتها للأكراد في حربهم ضد التنظيم الإرهابي وتعهدها بتوفير الحماية المطلوبة لهم، رغم انها لم تبد الجدية المطلوبة حينما استنجد بها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني صيف العام الماضي، مما اضطره لطلب المساعدة من الجمهورية الاسلامية الإيرانية.
واشنطن.... بين التطمينات والهواجس!
الرؤية الأميركية التي نقلها كارتر من واشنطن الى بغداد في زيارته الاخيرة، تقوم على تقديم الدعم والمساعدة للحكومة العراقية والجيش العراقي مقابل جملة شروط، من بينها، تقنين وتحديد تواجد قوات الحشد الشعبي في المناطق والمدن ذات أغلبية السنية، مثل نينوى والانبار وصلاح الدين، وتقليص او تحجيم دور الخبراء والمستشارين الإيرانيين، او بعبارة اخرى ابعاد طهران عن لعب دور محوري وفاعل في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، وإعطاء مساحة اكبر للمكون السني في العملية السياسية، خصوصا في المفاصل المتعلقة بالشؤون الأمنية والعسكرية، أضف الى ذلك فان واشنطن في الوقت الذي تريد من بغداد ان تعيد النظر في موقفها من الأزمة السورية، وتنفتح على المملكة العربية السعودية، تسعى الى ابعادها عن ايران، من خلال العمل على تكريس حقيقة ان الاخيرة تلعب دورا سلبيا في العراق لا يساهم في تهدئة الأمور وتخفيف حدة المشاكل وتطويق الأزمات.
ووفق التسريبات المختلفة فان المسؤولين العراقيين في بغداد لم يبدوا تفاعلا وقبولًا بما طرحه كارتر، لأنهم رأوا فيه تقاطعا كبيرا وحادا مع المصالح الوطنية، وارتهانا للأجندات الأميركية في المنطقة التي يراد منها ضرب واضعاف وتطويق أطراف الممانعة الإقليمية،
مثل هذه الشروط والإملاءات المرفوضة تعزز استنتاجات وتصورات قوى وشخصيات سياسية عراقية عديدة، بان الولايات المتحدة الأميركية لا تريد القضاء على تنظيم داعش، وإنما تسعى فقط الى اضعافه وإبقائه ورقة بأيديها، وأنها بشكل او باخر تركز على أضعاف وتهميش الحشد الشعبي وبالتالي ابعاد ايران عن الشأن العراقي، وحصرها في زاوية ضيقة مثلما يعمل ويتمنى الكيان الصهيوني. الذي زادت مخاوفه وهواجسه الى ابعد الحدود بعد إبرام الاتفاق النووي مؤخرا.
ولعله من الخطأ ان نتعاطى مع زيارة وزير الحرب الأميركي الى العراق من زاوية مختلفة عن عشرات الزيارات للسرية والعلنية لمسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين اميركان طيلة ما ينيف عن عقد من الزمن، لان منطلقات وحسابات واهداف واشنطن هي واحدة ولا تتأثر كثيرا بمن يأتي ومن يذهب.
واذا كان كارتر قد أعطى في الرياض وتل ابيب تطمينات لامتصاص موجة السخط والخوف والقلق في هاتين العاصمتين، فانه في بغداد طرح هواجس ومخاوف واشنطن وبدلا من ان يعطي تطمينات، بدا وكأنه يستجديها في بغداد!