ارشيف من :آراء وتحليلات
من أجل جبهة عالمية لمكافحة الإرهاب (1/2)
هل يمكن أن ينظر عقل العالم المعاصر، في مواجهة واقعية فعّالة للإرهاب العالمي. وما هي العوامل المشتركة التي تساعد العقل على هذا النظر وتمكنه من مقاومة الإرهاب، وكشف أخطاره، ومصادر قوته إلى جانب مواطن ضعفه وهشاشة بنيانه.
هل حركة الإرهاب التكفيري المعاصر، مرتبطة بالعالمية أو العولمة، في ما يفيد أنها حركة تجاوزت الحدود الجغرافية الوطنية والإقليمية لتمثل ظاهرة بارزة، من الظواهر السلبية، التي يكشف فيها الفساد والإفساد عن نفسه، في الساحة العالمية، بداية الألفية الثالثة.
أسئلة جديدة باتت تثير شهية العقل للنظر، خاصة وأن ما يقوم به الإرهاب يهدد فيما يهدد من مظاهر الإنسانية، ملكة التفكير السليم، وذلك يعني أن الإنسان في المسار الذي يدفعه الإرهاب إليه، هابط في سلم النزول من الإنسانية إلى البهيميّة والتوحش، من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين، الصورة الآدمية المرتبطة بالعقل والنطق وتعلم الأسماء، تتحوّل إلى صورة بهيميّة للغرائز العمياء والجهل، والتكفير، المصطلح الأبرز المفاد التفكير وعليه العالم في خيار بين احتساب مفهومين يجمعهما الجناس الناقص والطباق الصريح، التكفير والتفكير.
الارهاب
وعليه، هل يمكن لعقل العالم المعاصر أن يفكر جدياً وواقعياً، وحقيقة لا مناورة وكذباً، في مقاومة الإرهاب التكفيري، وحين أقول عقل العالم، أقصد كل القوى الممثلة للإنسانية العاقلة، المدركة، المفكرة، الواعية، العارفة القادرة على التمييز والمفاضلة، ومعرفة الخير من الشر والنور من الظلمة، البشرية في جهاتها وأجناسها وشعوبها وأديانها، وحضاراتها ومذاهبها الفكرية البشرية، شعوبا وقبائل، خلقوا ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
هل تستحق المعركة ضدّ الإرهاب التكفيري أن يتضامن الاجتماع الإنساني في مواجهته. وفي البيان السياسي لما نقول: هل المعركة ضد الإرهاب التكفيري ذات بعد عالمي الآن؟ وما الدليل على ذلك وهل ثمة إمكانية لتفاهم دولي، حول محاربة الإرهاب وما هي مؤشرات هذا التفاهم. وهل توجد مصالح دولية مشتركة، تجعل من قيام حركة تضامن دولي في محاربة الإرهاب أمراً ممكناً، ومعبراً عن طبيعة العلاقات الدولية، والمصالح ذات الطابع الإنساني المشترك والذي تجد قوى عديدة، قد تكون متنافسة فيما بينها وربما تكون على خصومة وعداوة، وتجري بينها حروباً مشهودة، لكن أخطار الإرهاب التكفيري على الجوهر الإنساني، وخروجه عن أبسط ما يميز الآدمية عن البهيمية، يشكل خطراً عالمياً داهماً، يستحق أن يقوم حوله تفاهم دولي معاصر.
توجد مجموعة من القيم ذات البعد الإنساني تجد حولها اتفاقاً في عقل العالم المعاصر، يصل إلى حدود الإجماع. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، مسائل من نوع السلام الدولي. إن العالم الذي واجه حروباً طاحنة ومدمرة، نتفق أن السلام الدولي، بما تعنيه من الحؤول دون قيام حرب عالمية مدمرة، أمر، يتفق عليه اجتماع العالم المعاصر، بصرف النظر عن المخاطر التي تنشأ من هنا وهناك، وتهدد السلام الدولي أو ما اتفق على تسميته بالسلم والأمن الدوليين، ومفاده منع نشوب حروب عالمية مدمرة. هذا أمر يستحق التفاهم حوله وقيام جبهة عالمية لضمان السلم والأمن الدوليين.
مسألة مكافحة العنصرية ومثاله، اجتماع العالم على محاربة النظام العنصري السابق في جنوب افريقيا، والذي كان له مصادر قوة عديدة، لكن ما كان لأحد أن يظهر تأييده العلني والكامل لنظام التمييز العنصري. إن العنصرية أم كريه في هذا العالم.
وقد حاول العرب أن يجعلوا من الصهيونية صنو العنصرية وهي كذلك في العراق، وكنا في مرحلة من المراحل على قرب قوسين أو أدنى من إجماع العالم على مناهضة الصهيونية واعتبارها حركة عنصرية استعمارية معادية للسلام الدولي، وحقوق الإنسان ونظام القيم العامة. ولكن نشأت صراعات أخرى ربما كانت قادرة في مكان ما على تغطية مخاطر الصهيونية من خلال خلق مخاطر أخرى من بينها خطر الإرهاب التكفيري.
توجد قيم إنسانية مشتركة عديدة أخرى من حقوق الإنسان الأساسية إلى العدالة والحرية والمساواة، وكلها تستحق تضامن عالمي حولها. وذلك يعني أن العالم يلتقي على مجموعة من القيم المشتركة وعلى كتل من المصالح المترابطة تجعل من مسألة الدفاع عن هذه المصالح والقيم أمر يهم العالم.
في ما نبحثه في هذه المقالة المتسلسلة سنتبين أن الإرهاب التكفيري يشكل خطراً حقيقياً على منظومة القيم والمصالح العالمية المشتركة وكذلك على السلام العالمي ويغذي الصراعات الموزعة في بلدان العالم مستفيداً من التناقضات، لينفذ إلى غايته في تخريب العالم.
وسنصل إلى حقيقة ميتافيزيقية أن الإرهاب التكفيري يستطيع أن يفسد حياة بلد من البلدان، كما هو الأمر عندنا في المشرق العربي والإسلامي، لكن يجب أن لا نجعله قادراً على إفساد روح العالم. إن ذلك لن يحصل إلاّ بقيام جبهة عالمية واقعيّة لمقاومته.
ما هي عناصر قيام هذا التحالف الدولي الواقعي والجدّي ضد الإرهاب، للبحث صلة.
للاطلاع على الجزء الثاني