ارشيف من :نقاط على الحروف
جنبلاط ينعى ’نظامه’ العربي، وجعجع يتذاكى
لم يكن مفاجئاً أن يُعبر الاستاذ وليد جنبلاط عن موقفه من الاتفاق النووي مع إيران، بلهجة ومضمون يعكسان حجم الغضب والحزن الذي يختزنه داخله إزاء ما تمخضت عنه المفاوضات النووية. مع ذلك، فإن العديد من المفردات التي استخدمها تؤشر إلى رؤية وتقدير تتقاطع في مضمونها ومنطلقاتها مع مواقف العديد من الجهات العربية. وبالتأكيد، من دون توجيه أي اتهام، ينبغي عدم تجاوز حقيقة أن هذا الموقف يتقاطع ايضا مع موقف الدولة العبرية. على خط مواز، لم يكن مفاجئاً ايضا أن يكابر ولكن هذه المرة مع قدر من التذاكي الفاشل في التعبير عن تقديره وموقفه من الاتفاق النووي. حيث اعتبر أن إيران لم تنتصر ولم تخسر في هذا الاتفاق!!.
اعتبر السيد جنبلاط، ضمن موقفه الاسبوعي لجريدة "الانباء"، أن الاتفاق النووي هو نتيجة غزو واحتلال العراق وما تعرض له الشعب العراقي ولا يزال يتعرض له، وعلى أشلاء أبناء السوري ووقِّع بدماء مئات الآلاف منهم الذين سقطوا لتعبيد الطريق تمهيدا للوصول إلى هذا الاتفاق".
ما تجاهله السيد جنبلاط ان الاتفاق كان نتيجة مجموعة من العوامل، أولها صمود الشعب الإيراني والتفافه حول قيادته. وحكمة وحزم قيادته. وفشل المخططات الاميركية في المنطقة. وبالتالي ليس الاحتلال الاميركي للعراق هو الذي انتج الاتفاق، بل فشل في تحقيق الكثير من اهدافه. من ضمنها تطويق إيران واسقاطها. ولو نجح الاحتلال الاميركي في تحقيق كامل اهدافه (باعتباره حقق اهدافا اخرى تتمثل بتدمير العراق) لكان الوضع على غير ما هو عليه. إلا اذا كان يرى السيد جنبلاط انه كان ينبغي الا يندحر الاحتلال الاميركي ويستطيع اعادة انتاج العراق وفق المخطط الذي كان قد رسمه وصولا إلى احتواء الجمهورية الاسلامية ووضعها تحت الضغط بما يحول دون تطورها العلمي والنووي.
سمير جعجع
اما بالنسبة لسوريا. الا يعتبر ربط السيد جنبلاط بين الاتفاق النووي، والاحداث التي شهدتها وتشهدها سوريا، دليلا على الاهداف الاقليمية من وراء هذا الحراك المسلح التي تخوضها الجماعات الارهابية. وإلا كيف يكون الاتفاق نتيجة هذه الآلاف من القتلى لو لم يكن المخطط يستهدف، من ضمن أمور أخرى، اسقاط محور المقاومة واضعاف موقف الجمهورية الاسلامية التي كان بامكانها كسب شرعية دولية لمشروعها النووي دون الحاجة إلى كل عناصر القوة الاقليمية، وفقط عبر موقف محدود الكلمات، يتمثل بالاعتراف باسرائيل بل بما هو دون ذلك، بالاعلان عن توقفها عن دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين حتى دون أن تضطر إلى دفع ضريبة موقف الاعتراف باسرائيل، التي طالبت رسميا من خلال بيان ألقاه نتنياهو بنفسه بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر اعرب فيه استعداد اسرائيل للموافقة على الاتفاق في حال اعترفت إيران باسرائيل.
اما لجهة اعتباره أن "هذا الاتفاق يأتي.. فيما يتفرج اللاعبون الإقليميون والدوليون على الدماء العربية تسيل في شلالات وأنهر في الوقت الذي يبحثون فيه عن مصالحهم".
فمما ينبغي قوله أن هذا الموقف يدين السيد جنبلاط نفسه، كونه ممن وضعوا ثقتهم بالدول الكبرى التي دائما ما تتخلى عن اللاصقين بها في منتصف الطريق.
وضمن السياق نفسه، يندرج ما اورده السيد جنبلاط، الذي لم يستبعد بعد تقاطع المصالح بين القوى الكبرى، أن يتم رسم معالم جديدة لتحالفات جديدة تشهدها المنطقة لمحاربة ما يسمى الارهاب، وتجاهل الجماعات المسلحة في سوريا واعادة تعويم النظام..
بغض النظر عن صحة هذا التقدير من عدمه، لكنه في اقل الاحوال ينبغي أن يدفع السيد جنبلاط إلى الكف عن التورط وتوريط الآخرين في مغامرات ترسمها الدول الكبرى لأنها اذا استنفذت اللعب بهذه الاوراق ستعود وتتخلى عنهم. مع أننا نعتبر انه ما زال من المبكر الحديث عن تخلي الولايات المتحدة عن هذه الاوراق. في الوقت نفسه، يبدو أن هذا الاتفاق ينطوي على مفاعيل وتداعيات ستترك اثرها على مجرى الصراع في سوريا والمنطقة... وصولا إلى ما اسماه السيد جنبلاط "توسيع قاعدة النفوذ الإيراني في العديد من المواقع والساحات العربية". وهي مفردات اختارها جنبلاط، وفق خلفياته للتعبير عن واقع مفاده أن محور المقاومة سيصبح أكثر قوة على كافة المستويات وهو ما سينعكس في العديد من الساحات العربية.
اذا ما تجاوزنا الالفاظ والتعابير التي استخدمها، يمكن القول أن مخاوف السيد جنبلاط في محلها حول استبعاد التدخل الخارجي، وتحديدا الاميركي، لاسقاط النظام في سوريا، بعد الاتفاق. والسبب اذا كانت الولايات المتحدة لم تضغط على إيران في اوج الخلاف حول المشروع النووي، للتخلي عن الرئيس الاسد، فكيف يمكن لهذا الامر أن يجري بعد الاتفاق.
تذاكي جعجع
ينبغي في مناسبة المقالة، أن لا نفوت رؤية اخرى من داخل قوى 14 اذار للاتفاق النووي صدرت على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية، السيد سمير جعجع، الذي قال أنه لا يريد تحميله اكثر مما يحتمل لا سيما أنه لا يحمل اي ملاحق سياسية متعلقة بالمنطقة، وانما هو مرتبط بالمسألة النووية فقط..
في هذا المجال، ينبغي أن نذكر السيد جعجع أن من رفض ربط المفاوضات النووية بالتطورات الاقليمية هي إيران وتحديدا مرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي واعتبر ذلك من الخطوط الحمراء. وبالرغم من انه اشار إلى عدم تضمينه ملاحق سياسية، وهو صحيح، لكنه عاد واقر بوجود تداعيات سياسية اقليمية له، تتمثل بحسب تعبيره " أنه سيكون لإيران امكانيات مادية كبيرة وعليه فإن الاتفاق سيؤدي إلى التصعيد في الشرق الاوسط، من اجل تحقيق المزيد من المكتسبات ومن الصعب الرهان على تراخي إيران في هذه المرحلة. وهكذا يكون جعجع قد أقر بأن لهذا الاتفاق تداعياته السياسية الاقليمية رغم أنه لم يتضمن ملاحق سياسية. ولا ندري إن كان هذا المفهوم ضمن المعنى الذي يحتمله هذا الاتفاق ام يكون قد تم تحميله أكثر مما يحتمل.
ويشكل كلام جعجع عن أن إيران لن تتراخى في هذه المرحلة، دليلاً وإقراراً من قبله على أن إيران بعد الاتفاق ستكون أكثر تمسكا بحلفائها ولن تساوم عليهم.
مع كل ذلك، اعتبر جعجع ان إيران لم تنتصر ولم تهزم في هذا الاتفاق؟!!!.
في المقابل:
ألا يعتبر انتصاراً، كون إيران الدولة الوحيدة في العالم التي انتزعت مشروعيتها النووية من الامم المتحدة، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ألا يعتبر انتصاراً، انتزاع إيران تكيفاً وقبولاً دوليا لحقيقة امتلاك وتشغيل الاف اجهزة الطرد المركزي، وهي التي سبق أن تعرضت للعقوبات الدولية عندما شغلت بضع مئات من هذه الاجهزة.
ألا يعتبر انتصارا، انتزاع إيران رفع العقوبات عنها، دون ان تقدم أي تنازل في خياراتها الاستراتيجية ومواقفها الاقليمية سواء فيما يتعلق بالموقف من اسرائيل أو دعم المقاومة الفلسطينية ودعم حزب الله في لبنان.
ألا يعتبر انتصاراً، ان الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه، اقر بان ما دفعه للقبول بهذا الاتفاق مع إيران عدم وجود خيارات بديلة مجدية..