ارشيف من :آراء وتحليلات
’اسرائيل’ تناور وتستعد لسيناريوهات مفاجئة
أجرى جيش العدو مناورة عسكرية كبرى تميزت بارتكازها إلى سيناريو حالة طوارئ، وتم بموجبها استدعاء قوات من الاحتياط، بشكل فجائي. وتميزت ايضا في توقيتها لتزامنها مع تطورات اقليمية وتجاذبات داخلية إسرائيلية.
رغم ان العدو حاول ان يضفي على المناورة طابعا روتينيا وتقليديا، على مستوى المضمون والتوقيت، إلا ان ذلك لا يمنع من التوقف عند بعض ما انطوت عليه المناورة من رسائل وأبعاد.
يلاحظ على المناورة الأخيرة أنها الثالثة خلال أربعة أشهر، على المستوى المهني والعملاني، من الطبيعي ان تجري الجيوش هذا القدر من المناورات – بحسب ظروف الدول - لما تنطوي عليه من رفع لمستوى الجهوزية والاستعداد لكل السيناريوهات. مع ذلك، من الصعب فصل القرار بهذه المناورات المتوالية عن تقدير الجهات الاستخبارية ازاء مسار الأحداث وما قد يترتب عليها. هذا وينبغي التذكير بحقيقة أن المناورات الثلاث توالت منذ تولي الجنرال غادي ايزنكوت رئاسة اركان الجيش قبل اربعة شهور.
لجهة كون المناورة فجائية. يندرج هذا الاسلوب ضمن التكتيكات العسكرية بهدف اختبار مستوى الجهوزية، خاصة ان تطور الاحداث قد يفرض على إسرائيل اتخاذ قرارات دراماتيكية بشكل مفاجئ، لكن ما يضفي على المناورة مزيدا من الاهمية، انها جاءت على مستوى هيئة الاركان، ما يعني أنها مناورة عامة وعلى كل الاصعدة.
مناورة اسرائيلية
اهداف ودلالات
من غير المنطقي فصل قرار اجراء المناورة، وما سبقها من مناورات، عما تشهده المنطقة من تطورات، وعن القراءة الإسرائيلية لبيئتها الاقليمية. خاصة وأن هذه المناورات تخدم العدو في حالتي الهجوم والدفاع.
خلال المراحل السابقة، وتحديدا منذ بدء الاحداث في الساحة السورية، مرت المنطقة بأكثر من استحقاق أمني كان يمكن أن نشهد تطورات دراماتيكية. ومنذ نحو 30 شهرا، شهدت الساحة السورية اعتداءات إسرائيلية متفرقة. كان يمكن لأي منها أن يتحول إلى حدث مفصلي ودراماتيكي. اضافة إلى اعتداءين في الساحة اللبنانية (جنتا و واستشهاد احد المجاهدين في تفجير جهاز مفخخ تم اكتشافه) ردت المقاومة عليهما بتفجير عبوات ناسفة في مزارع شبعا استهدفت اليات ودوريات إسرائيلية. اضافة إلى اعتداء القنيطرة الذي ردت عليه المقاومة بعملية مؤلمة في مزارع شبعا.
وفي قراءة لما سبق، نجد أن العدو كان في كل منها في موقع المبادر ابتداء. الامر الذي يعني أن العدو في كل من المحطات السابقة، كان يراهن على ما تشهده المنطقة لتنفيذ مخططات استعد لها. لكن يبدو أن جهوزية المقاومة وارادة الرد على بعض هذه الاعتداءات، وتجاوز بعضها الآخر، جعلت العدو في حالة من الارباك والقلق الجدي. خاصة بعدما أدرك بأن المقاومة كانت وما زالت رغم الحدث السوري، تملك ارادة وقدرة الرد. الامر الذي يفرض على إسرائيل في المقابل الاستعداد لسيناريوهات تتدحرج فيها التطورات نحو مواجهات واسعة. وكل ذلك طبعا بغض النظر عما اذا كانت احتمالات تحقق هذا السيناريو مرتفعة أم لا، وضمن أي مدى زمني.
واذا لم تكن المرحلة المقبلة إلا امتدادا لما شهدناه في المرحلة السابقة، يكفي ذلك دافعا لهذا النوع من المناورات، كيف والمنطقة تشهد تطورات سياسية تاريخية مع ما كل ما يترتب على ذلك من تداعيات..
على خط مواز، يلاحظ أن الجبهة مع غزة، شهدت خلال المرحلة السابقة، منذ بدء الاحداث في العالم العربي قبل اربع سنوات.. مواجهتان عسكريتان واسعتان، في كانون الاول عام 2012، والمواجهة الاخيرة في الصيف الماضي. فضلا عن الضربات المتبادلة والمتفرقة.
وعليه، فان العدو في هذه الهجمات كان يرى في الظرف الاقليمي عامة، والمصري خاصة، ظرفا ملائما لتنفيذ اعتداءاته.. ويدرك قادة العدو ان الوضع الحالي في غزة، غير قابل للاستمرار على ما هو عليه لفترة طويلة. وبالتالي ليس هناك من خيار سوى التوصل إلى صيغة ما ترفع الحصار وتخفف الواقع المؤلم الذي يضغط على المدنيين، واما عودة التوتر وربما المواجهة في مرحلة ما. إلى ذلك، دخل على الخط في الفترة الاخيرة تنظيم داعش الذي يبدو انه يتبع تكتيك استدراج عدوان إسرائيلي على غزة كجزء من الضغط على حماس.
من هنا، يصبح قرار المناورات السابقة، وربما اللاحقة، اكثر وضوحا في خلفياتها وسياقها واهدافها. خاصة وأن اسرائيل ترى بأن عليها الاستعداد لسيناريوهات مفاجئة تمليها التطورات السيالة التي تشهدها المنطقة. وما يعزز هذا الاستنتاج ما لفت اليه التقدير الاستخباري الإسرائيلي السنوي أنه بات من الصعب عرض تقديرات استخبارية لمدة سنة، وان الحد الاقصى الذي يمكن الحديث عنه لا يتجاوز الستة اشهر، مع امكانية حصول مستجدت تلغي أو تدفع بمسارات لم تكن حاضرة أو متوقعة من قبل.
مع ذلك، من الصعب جدا الفصل بين توقيت المناورة، والسجال الذي تشهده الساحة الإسرائيلية حول الميزانية الامنية، حيث ان تاريخ الازمات المماثلة يؤكد على أن الجيش كان يلجأ إلى اساليب من هذا النوع كي يضغط على القيادة السياسية، مثل وقف التدريبات، ورفع منسوب الحديث عن التهديدات المحدقة بإسرائيل.. وهذه المرة، يمكن التقدير بأن لهذه المناورة اثرها ودورها في لعبة التجاذب القائمة في الساحة الإسرائيلية. خاصة بعدما اوصت «لجنة لوكر» الحكومية، برئاسة اللواء احتياط، يوحنان لوكر، (السكرتير السابق لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو) بتقليص معاشات التقاعد للجنود النظاميين، وبتقليل مدة الخدمة الإلزامية، وبميزانية أقل مما تطالب به المؤسسة العسكرية. في المقابل، استبقت «لجنة غدعون» التي أعدها الجيش نشر التقرير، وركزت على إعداد الجيش لمواجهة السيناريوهات التي تمثل تهديداً على إسرائيل وحدودها.
يأتي التجاذب الحالي امتداداً لسجالات وتجاذبات واكبت تل أبيب في العديد من محطاتها منذ إقامتها. وعادة ما تتمحور نقطة الخلاف حول نقطة التوازن التي تسمح بجاهزية ملائمة لمستوى التحديات والتهديدات مع الحفاظ على اقتصاد قوي. وهو أمر تفرضه حقيقة حاجة إسرائيل إلى جيش قوي ومتطور يتطلب إنفاقاً كبيراً، في مواجهة تصاعد قدرات الجهات المعادية لإسرائيل. لكن هذه النفقات المتزايدة تكون على حساب الميزانيات المدنية التي تعتبر من محركات النمو الاقتصادي، ما يفاقم حدة الصراع عندما لا تسمح نسبة النمو بتلبية حاجات كل القطاعات العسكرية والمدنية.
ووفق تقديرات «بنك إسرائيل»، يُتوقع أن تتمحور نسبة نمو الناتج المحلي الخام، حول 3%، فيما كانت نسبة النمو في السنة الماضية، 2,6%. وهو ما يعني أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن نسبة النمو التي كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية.
ومما يستند اليه المطالبون بزيادة ميزانية الجيش، تقديرات الاستخبارات حول التهديدات المحدقة بإسرائيل خلال المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق، يتناول هؤلاء معقولية تحقق التهديدات المطروحة، ومستوى خطورتها لجهة حجم الأضرار التي قد تترتب عليها، وصولاً إلى كلفة الخطة المضادة التي تنطوي على خطط بناء قدرات لها كلفتها المالية.