ارشيف من :آراء وتحليلات

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (1/4)

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (1/4)

 بعد إزاحة بوريس نيكولايفيتش يلتسين عن السلطة في الدقيقة الأخيرة من سنة 1999، بدأت في روسيا مرحلة جيو ـ سياسية جديدة، (ربما كان من السابق لاوانه تسميتها: المرحلة البوتينية، بالمعنى التاريخي لا الروزنامي)، ولكن الواضح ان هذه المرحلة تسير بقيادة بوتين (والمجموعة العسكرية ـ الأمنية ـ الاقتصادية ـ السياسية ـ الاكاديمية، التي تحيط به).

الاوراسية

وبدون ضجة وقرع الطبول الفارغة، تعمل القيادة الروسية بزعامة بوتين، انطلاقا من قاعدة جيواستراتيجية أساسية هي فكرة: الاوراسية. التي تقوم على الانفتاح والتعاون الخلاق، في كل المجالات، بين الدول والشعوب والمجموعات الحضارية والدينية في القارتين العظيمتين: اسيا وأوروبا.

وتعتبر القيادة الروسية ان دورها هو أساسي في هذه الجيواستراتيجيا، نظرا لأن روسيا نفسها، ذات المساحة الشاسعة والتاريخ العريق والقدرات الاقتصادية غير المحدودة والقوة العسكرية المتفوقة، تمثل بحد ذاتها النواة الصلبة للفكرة الاوراسية. وقد حققت روسيا حتى الآن نجاحين كبيرين على هذا الصعيد:

أولا: على مستوى روسيا والصين حيث أقامت علاقات مميزة واسعة النطاق مع الصين الشعبية. وبناء على هذه العلاقات تم تأسيس منظمة "بريكس"، التي تشمل جمهورية جنوب افريقيا، والبرازيل في اميركا اللاتينية، والتي تقدم نموذجا يحتذى للعلاقات الندية المتساوية وذات المنفعة المتبادلة بين الدول والشعوب.

ثانيا: على مستوى روسيا وايران والمقاومة حيث بنت علاقات تعاون عضوي وثيق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومع المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، ما يؤسس لزحزحة وزعزعة وأخيرا القضاء على سياسة الغطرسة والتفرقة والتسلط الامبريالية التقليدية على العالم العربي ـ الإسلامي، ووضع أسس جديدة للعلاقات البناءة متبادلة النفع بين الدول العظمى والعالم العربي ـ الإسلامي، الذي هو ركن أساسي في التشكيلة الحضارية العالمية.

المواجهة العالمية مع "الأطلسية"

وتواجه فكرة "الاوراسية" (ذات المنطلق: الروسي ـ الشرقي) فكرة "الأطلسية" (واكثر تحديدا: الشمال الأطلسية، ذات المنطلق: اليهودي ـ الأميركي ـ الغربي). وتقود الفكرة "الأطلسية" الطغمة المالية اليهودية العليا، التي تسيطر على اميركا ماليا (بواسطة الدولار الورقي الذي لا تغطية ذهبية له، والمعترف به مع ذلك بأنه "العملة الدولية"، ومن خلال السيطرة على اميركا تعمل الطغمة اليهودية العالمية العليا لوضع اوروبا الغربية خاصة والاتحاد الأوروبي عامة تحت مظلة النفوذ الأميركي، ومن خلال هذا التكتل الاميركي ـ الأوروبي يجري العمل للسيطرة على العالم.

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (1/4)

روسيا واوكرانيا

روسيا تعمل لتوحيد العالم

وتضع روسيا ثرواتها الطبيعية الهائلة، وطاقاتها الاقتصادية والعلمية، وتفوقها العسكري الساحق الماحق، في خدمة الفكرة الاوراسية والتعاون والتفاعل الايجابي بين الشعوب وتحقيق السلام العالمي.

واليهودية العالمية تعمل لتمزيقه

اما الطغمة المالية اليهودية العالمية العليا، التي تتحمل المسؤولية الأولى في اشعال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإنها تعمل لتحقيق الفكرة "الأطلسية" والهيمنة اليهودية ـ الأميركية ـ الأوروبية الغربية على العالم، عبر تمزيق واضعاف جميع بلدان وشعوب العالم، وتأليب الدول والشعوب والقوميات والأديان والاتنيات ضد بعضها البعض، بما فيها أوروبا ذاتها، بحجة "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حقوق الأمم والقوميات والاتنيات". وذلك ضمن المبدأ الاستعماري القديم المعروف: فرّق تسد!   

ونظرا للعلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين (أساسا الحضارية ـ الدينية) فإن روسيا كانت تعامل أوكرانيا كـ"الأخ الأصغر المدلل". ويمكن ان نعطي صورة مكثفة عن ذلك في ما يلي: طبعا لم يكن يوجد نظام فيزا بين روسيا وأوكرانيا. وكان الاقتصاد الاوكراني يعتمد بشكل رئيسي على روسيا. وكانت أوكرانيا تحصل على الغاز الروسي بارخص سعر ممكن، وتتأخر عن الدفع، واحيانا كثيرة لا تدفع نقدا بل عينا بسلع لم تجد تصريفا لها حتى في السوق الداخلي الاوكراني. وبوجود السوق الروسي لم تكن توجد أي مشكلة تصريف للإنتاج الاوكراني أيا كان نوعه ونوعيته. وكانت السلع الأوكرانية تدخل الى روسيا بدون جمارك وبدون رقابة حتى صورية، يكفي ان ينظر الموظف الروسي الى رقم الشاحنة الاوكراني حتى يمضي ويختم الأوراق للسائق بدون ان ينظر ما فيها. وكانت "تجارة الشنطة"، ذهابا وإيابا، شيئا عاديا لملايين الاوكرانيين. يكفي ان يبرز الراكب بطاقته الأوكرانية حتى يتلقى ابتسامة من الموظف الروسي الذي لا يلقي مجرد نظرة على "شنطة" ذلك الراكب. كما كان ملايين المواطنين الاوكرانيين يعملون يوميا في روسيا. منهم من يذهب ويعود في اليوم نفسه الى بيته. ومنهم من يعمل أسبوعا ويعود في نهاية الأسبوع الى بيته. ويحملون معهم اجورهم نقدا دون اية رسوم او اقتطاعات مفروضة على العامل الروسي ذاته. وفي سنة 1954 اهدى خروشوف شبه جزيرة القرم الى أوكرانيا. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كانت روسيا تدفع لاوكرانيا مقدما ايجار استخدام القاعدة البحرية الروسية في سيباستوبول (في القرم) التي هي مدينة روسية منذ تأسيسها في 1783. كما كانت الأراضي الأوكرانية تضم خطوط الغاز الطبيعي الروسي العابر (ترانزيت) الى الدول الأوروبية الأخرى. وكانت أوكرانيا تقبض مقدما أيضا رسوم الترانزيت على الغاز الروسي العابر في أراضيها.

أوكرانيا ساحة صدام لـ"الاوراسية" و"الأطلسية"

وكان المواطنون الروس والناطقون بالروسية في شبه جزيرة القرم يشكلون نسبة قرابة 80% من السكان، وفي شرق أوكرانيا اكثر من 40%، وفي عامة أوكرانيا نحو 20%.

ومن جهة ثانية فهناك في وسط وغربي أوكرانيا ما تقارب نسبته 5% من السكان الذين سبق وانشقوا عن الكنيسة الارثوذكسية الشرقية، وانضموا الى الكنيسة الكاثوليكية او البروتستانتية او المعمدانية واشباهها من المذاهب "الغربية" المنشقة عن المسيحية الاصلية = الشرقية. كما ان قسما من أوكرانيا الغربية كان حتى الحرب العالمية الأولى جزءا من امبراطورية النمسا ـ المجر السابقة، فيما القسم الاخر كان جزءا من روسيا. وبصرف النظر عن النزاعات السياسية والأيديولوجية والدينية، فهذا ما يجعل أوكرانيا على تماس تام مع الثقافتين والحضارتين "الاوراسية" الروسية ـ الشرقية، من جهة، و"الأطلسية" الأميركية ـ الأوروبية ـ الغربية، من جهة ثانية. يضاف الى ذلك ان الحجم والموقع الجغرافيين لاوكرانيا، في غربي روسيا وشرقي أوروبا، واطلالها على البحر الأسود، يجعل منها موضوعيا جسرا نموذجيا للتواصل الروسي ـ الأوروبي.

لا قيادات ذات قامة تاريخية في اوكرانيا

ولكن يبدو بوضوح ان القيادات السياسية والانتلجنتسيا المتنفذة في أوكرانيا، وبسبب الفساد المستشري فيها، لم تفهم ابدا طبيعة التغيير الجوهري الذي جرى في روسيا بعد إزاحة يلتسين، كما لم تكن في مستوى فهم الدور المفصلي، الجيو ـ استراتيجي التاريخي والدولي، الذي توضع فيه أوكرانيا بموجب فكرة الاوراسية التي تعمل لها القيادة الروسية الجديدة.

وبدلا من ذلك بدأت تنتشر في أوكرانيا موجة فاشستية و"ليبيرالية" وكاثوليكية وبروتستانتية وتتارية "داعشية" وطبعا يهودية ايضا، قديمة ـ جديدة، مرتبطة بالغرب، تدعو وتعمل لمعاداة الروس وروسيا، داخليا وخارجيا. وفي أجواء هذه الموجة بدأت سرقة الغاز المار في الأراضي الأوكرانية الى أوروبا، والمماطلة في دفع مستحقات الغاز الأوكرانية الى روسيا حتى بلغت المليارات. وانتهت هذه الموجة بما سمي "الثورة البرتقالية" سنة 2005 التي حملت العملاء والخونة واللصوص والمليارديرية اليهود الى السلطة. وبدأ تطبيق سياسة عدوان واستفزاز ضد المواطنين الاوكرانيين من اصل روسي وضد روسيا كدولة، لاستدراج روسيا الى ردود فعل انفعالية، وفي الوقت ذاته بدأ طرح شعارات انضمام أوكرانيا الى "الاتحاد الأوروبي" و"حلف الناتو"، لاجل حماية "مصالح" و"امن" أوكرانيا!

 

للاطلاع على الجزء الثاني


الجزء الثالث

الجزء الرابع
 

2015-07-31