ارشيف من :نقاط على الحروف
أزمة ’المستقبل’: إلى أين؟
يعيش تيار "المستقبل" أزمة حقيقية مع تنامي الخلافات الداخلية بين أقطابة. تكاد تنهش الخلافات بيته الداخلي. فتارة يقلّب وزير العدل أشرف ريفي أهالي الموقوفين في رومية بشريط تعذيب روّج له، ضد وزير الداخلية نهاد المشنوق، وتارة أخرى، يشن النائب السابق خالد الضاهر هجوماً على نواب "المستقبل" في بيروت دون أن يسميهم، بعد دعوتهم للتخلص من نفايات العاصمة في طرابلس وعكار. فأبناء عكار والقرى المحرومة التي كانت تنتظر من "التيار" تنفيذ وعوده الانمائية، لم تلقَ منه حتى اليوم سوى مشاريع لنقل القمامة اليهم.
أزمة النفايات المتراكمة في شوارع بيروت وضواحيها تكاد تدق ناقوس الخطر على وحدة "التيار الأزرق" على أكثر من صعيد. ففيما يرى مراقبون أن ما يحصل في هذا الملف يطرح تساؤلات عدّة حول الزاوية التي حشر فيها رئيس الحكومة، ومصلحة بعض أقطاب تيار "المستقبل" في عرقلة عمل الحكومة، خصوصاً مع تزايد الحديث عن سيناريوهات تُفضي الى رئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق للحكومة في حال تنحي الرئيس تمام سلام.
كلام المراقبين تؤكده مجريات الأحداث على الأرض. فأزمة النفايات التي افتعلت في البلاد كان يمكن التوقع بها من قبل، ولو أرادت الحكومة لابتدعت الحلول لها، قبل الوصول الى حافة الهاوية. ومطمر الناعمة كان مقرراً له أن يقفل منذ أشهر، فلماذا الانتظار حتى اغراق البلاد بالنفايات والغرق في دوامة اجتماعات لجنة البيئة العقيمة؟ وهل أريد لسلام ختم مشواره الحكومي بالتعطيل ودفعه نحو الاستقالة والاعتكاف؟ سؤال يُطرح في حال سوء النية، أما في حال افتراض النية الحسنة، فالمصيبة واقعة أيضاً، ذلك أن كرة الأزمة بدأت تكبر بين "المستقبل" وجمهوره.
المستقبل :الى اين؟
ولعل أبرز دليل على حجم مأزق "التيار"، هو سعي اعلامه للتغطية على انقلاب شارع المستقبل على قياداته من خلال زج اسم "سرايا المقاومة"، في معمعة أزمة النفايات وقطع الطرقات. ولاعادة شد عصب الجمهور الغاضب من قياداته ووعودها الواهية، سعى اعلام المستقبل لاتهام سرايا المقاومة وحزب الله خلال الفترة الماضية بكثير من التحرّكات التي ثبت بالدليل أن الذين يقفون خلفها هم ناشطون ضاقوا ذرعا بما أوصلتهم اليه سياسة القيّمين على الحكم منذ التسعينات.
في عكار، برجا، والجية.. شارع غاضب، ممتعض، وفاقد للثقة بقياداته. قيادات "زرقاء" أغدقت الوعود على أبناء المدن الفقيرة والمحرومة من أبسط الخدمات الانمائية، وبعد الحرمان، أراد "المستقبل" أن يكافئها ببعض أكياس القمامة، فانتفض الشارع، على حكام الأمر الواقع.
وبعد رفض أبناء هذه المناطق استقبالهم لأطنان النفايات القادمة من بيروت لما لها من انعكاسات كارثية على بيئتهم وصحتهم، خرجت نائبة صيدا بهية الحريري في تصريح رأى فيه البعض، استعطافا يترجم واقع الحال المزري: "أشعر بحزن وخجل كبيرين من تنكر اللبنانيين للعاصمة الحبيبة بيروت... إنني أشد على أيدي أهالي بيروت الكبار وأقول لهم أنني أشعر بالعار والحزن والخجل مما تلاقيه بيروت، وجهنا الجميل والمشرق... عذرا بيروت وأهلها ونطلب منكم السماح". هكذا ظهّرت الحريري اعتراضات أبناء المناطق على مجاورة جبال النفايات لمنازلهم.
وأمام ما يحصل من شرخ داخل "المستقبل" نفسه، وبينه وبين جمهوره، يتنكّر "التيار" لأزمته. بعض نوابه يعانون من "حالة قرف" تمنعهم من الكلام، وبعضهم الآخر لا يرى أزمة تلوح في الأفق، وهو ربما يعتمد على شعار "الجو بديع والطقس جميل". لكن مراقبين يرون أن "التيار" الذي يعيش رأسه في غربة دائمة بات يحتاج الى "انعاش" واعادة ترتيب لبيته الداخلي، وهو ما لا يمكن أن يتم من خلال جهاز التحكم عن بعد، بل يفرض على رئيسه العودة من بلده الأم "الرياض"، ليلملم شارعه الناقم على سياساته العمياء، ويعمل على تنظيم الخلافات بين أقطابه، حتى لا يصل الى الهاوية التي أوصل البلاد اليها.