ارشيف من :آراء وتحليلات

التخبط التركي والقلق الكردي .. ومنهج تصدير الأزمات

 التخبط التركي والقلق الكردي .. ومنهج تصدير الأزمات

خلال فترة زمنية قصيرة جدًا وفق الحسابات والاعتبارات السياسية اختلطت أوراق السلطة التركية الحاكمة الى حدِّ كبير، لتبدأ بصياغة ورسم مشهد جديد ربما يكون مختلفًا عن مشهد الأعوام العشرة الماضية.

الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، بدلًا من أن يحصد غالبية مطلقة مثلما كان يأمل زعمائه الكبار، وفي مقدمتهم رجب طيب اردوغان، في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، تعرض لانتكاسة خطيرة جعلته عاجزًا عن تشكيل الحكومة لوحده كما فعل سابقا، وعاجزًا عن التفاهم مع خصومه، بعد أن نسف كل الجسور معهم ولم يعد بإمكانه العودة الى اي منهم، ومفاوضات الشهرين الماضيين معهم اثبتت ذلك، وبدلا من ان يكون بمنأى عن استهداف تنظيم داعش الإرهابي، باعتبار ان الحكومة التركية الحالية كانت ومازالت ابرز واهم الداعمين والمساندين لذلك التنظيم،  وجه الأخير ضربة لأنقرة حينما نفذ عملية ارهابية في مدينة سروتش الواقعة جنوب شرق البلاد، علما ان الجدل ما زال قائما بشأن حقيقة تلك العملية ومن المستهدف الحقيقي فيها.. هل هو الحزب الحاكم وزعيمه اردوغان، ام ان المستهدف خصومه ومنافسوه؟..

هل حقًّا أعلنت أنقرة الحرب على "داعش"؟

اضف الى ذلك فإن جبهة الصراع والمواجهة مع حزب العمال الكردستاني (p.k.k) عادت لتنفتح على مصراعيها بعد هدنة بين الطرفين كان من المؤمل ان تشكل بداية النهاية لاقتتال دموي استمر ما يقارب ثلاثة عقود. وفوق هذا كله فان سلطة انقرة دخلت في مواجهة واسعة النطاق مع اكرادها واكراد العراق وسوريا، وهذه المواجهة الشاملة ستدفع المتطرفين من وجهة نظرها كحزب العمال الكردستاني والمتبنين لنهجه الى استئناف عملياتهم المسلحة ضد المؤسسات الحكومية، لا سيما الأمنية والعسكرية منها، وهذا ما لاحت بوادره خلال الايام القلائل الماضية، وكذلك فإن تلك المواجهة الشاملة ستحرج القريبين منها وتضعهم في موقف لا يحسدون عليه، كما هو الحال بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني.

 التخبط التركي والقلق الكردي .. ومنهج تصدير الأزمات

رجب الطيب اردوغان

ولأسباب عديدة سيكون اقليم كردستان عموما، والحزب الديمقراطي الكردستاني على وجه الخصوص، اكثر المتأثرين، ومن بين تلك الأسباب ان اغلب قواعد ومقرات ومعسكرات حزب العمال الكردستاني تقع في أراضي الإقليم، وتحديدا في مدينتي دهوك واربيل، وقصفهما من قبل الجيش التركي يعني إيقاع خسائر بشرية ومادية في صفوف الأكراد العراقيين؛ وهم يتطلعون إلى موقف واضح من البارزاني باعتباره رئيسا للإقليم من جانب، ووزيرا حزبيا كبيرا من جانب آخر، إلا أن هذا أمر صعب جدا، اذ ان معارضته العلنية والصريحة للهجمات التركية على قواعد حزب العمال سيفضي الى هدم كل ما بناه مع انقرة طيلة أعوام طويلة، وفي مقابل ذلك فإن سكوته وصمته سيفتح عليه مزيدا من المشاكل والازمات مع منافسيه في الإقليم، ومع الحركات الكردية المختلفة التي يسعى دوما الى ان يستوعبها تحت مظلته.

وإذا اخذنا بمنطق وفرضية القائلين ان اردوغان تعمَّد في هذا الوقت فتح جبهة مع حزب العمال وليس مع داعش، لخلط الأوراق، وبالتالي لخلق اجواء قلق واضطراب لدى الرأي العام التركي، تتيح له استعادة جزء مما فقده، فحينذاك يمكن القول، انه لن يعير اهتماما كبيرا لأي تحفظات او اعتراضات من جانب أكراد العراق، سواء جاءت من البارزاني او من اي طرف آخر، وأكثر من ذلك فإن زعيم حزب العدالة والتنمية الذي لم يعد قادرًا على مغادرة السلطة والانزواء بعيدا عن أضوائها وبهارجها وصخبها، قد يدفع بتنظيم داعش بطريقة او بأخرى الى عمق اقليم كردستان، ليتاح له تصعيد الموقف بدرجة اكبر مع الـ (p.k.k).

يشعر صناع القرار السياسي التركي، بالقلق من "داعش"، كما يشعر به اخرون ممن دعموا وساندوا ومولوا ذلك التنظيم ماليا وعسكريا ومخابراتيا واعلاميا، مثل السعوديين والقطريين، خصوصا بعدما وصلت نيرانه الى داخل حدودهم، او انها على وشك ان تصل.

وهذا القلق يجعلهم يعيشون حالة من الارتباك، الذي يفقدهم الرؤى الاستراتيجية الصحيحة، ناهيك عن خطأ وفداحة الخطوات الانية السريعة التي يقدمون على اتخاذها، والتي غالبا ما تكشف عن تكتيكات عقيمة وبائسة.

فما تؤكده وتشير اليه مجمل القراءات ان تنظيم "داعش" سوف ينقلب على أصدقائه وحلفائه اجلا ام عاجلا، وعموم أدبياته وأطروحاته تكشف عن ذلك، وتركيا ستكون من بين ضحاياه، يضاف الى ذلك حزب العمال الكردستاني، الذي اعتبر ان العدوان التركي الأخير عليه يعد بمثابة نقطة اللاعودة مع انقرة، ويضاف الى ذلك الأحزاب والقوى الرئيسة التركية التي تمثل المكونين الكردي والعلوي، ومعهما اصحاب التوجه اليساري، التي أفصحت عن موقفها الرافض وضع يدها بيد حزب العدالة والتنمية، لاسيما وانه لم يعد الرقم الحاسم والصعب في الخارطة السياسية التركية، ويضاف الى ذلك فشل حزب اردوغان في فرض أجنداته بسوريا، وفشل في الحصول على موطىء قدم حقيقي في العراق بعدما تشتت شمل المحسوبين عليه من قوى وشخصيات سياسية.

حزب اردوغان خسر كثيرا بسبب سياساته الخاطئة، ومازالت خساراته تتوالى، وما دام في السلطة فلن تتوقف مسيرة الخسارات والانتكاسات التركية، وما يمكن ان يصحح الأخطاء ويعدل المسارات، هو ما سوف تفرزه  الانتخابات البرلمانية المبكرة التي باتت على ما يبدو خيارا لا مناص منه، في ظل انسداد الأفق السياسي، والتقاطعات الحادة، وانعدام الثقة بين الفرقاء.

ولكن حتى ذلك الحين فإن على الساسة في اقليم كردستان ان ينتظروا ويترقبوا مزيدا من المشاكل والازمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ستهب رياحها من خلف الحدود الشمالية. وطبيعي جدا ان يكون الرئيس البارزاني في الواجهة، بل انه منذ اليوم الاول لتفجر الصراع بين انقرة وحزب العمال بات في الواجهة، حينما قال رئيس الوزراء التركي احمد دَاوُدَ اوغلو ان حكومته لديها تنسيق كامل مع البارزاني بالنسبة لعملياتها ضد حزب العمال في  شمال العراق، وهو ما أحرج البارزاني كثيرا ودعاه الى رفض الخيار العسكري بين انقرة و (p.k.k).
 
قد لا تكون صورة الأزمة التركية الراهنة وتداعياتها قد اكتملت واتضحت، اذ ما زال هناك الكثير امام اردوغان وحزبه، والكثير امام حزب العمال، والكثير امام اصحاب القرار ومواطني الإقليم.

2015-08-01