ارشيف من :آراء وتحليلات

السعودية ومصر.. تحالف الضرورة يتوّج بإعلان القاهرة

 السعودية ومصر.. تحالف الضرورة يتوّج بإعلان القاهرة

إسلام أبو العز

الدلالات الأولى لزيارة ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان إلى مصر  بدعوى شخصية من الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور حفل تخرج طلبة الكليات العسكرية، وسلسلة الاجتماعات بين مسؤولي البلدين التي نتج عنها "إعلان القاهرة" وتبعها الاتصال الذي أجري بين الملك سلمان والسيسي، والذي دعا فيه الأخير الملك السعودي لزيارة رسمية لمصر؛ تؤكد أن أسباب التوتر بين المملكة ومصر إلى زوال، ولكن دون عودة العلاقات بين البلدين لسابق عهدها قبل وفاة الملك السعودي السابق، بل تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين قائمة على استحقاقات متبادلة، فيما يتبقى الموقف من الإخوان- نقطة الخلاف الأساسية بين البلدين- محاطا بغموض مرتهن لتطورات مستقبلية.

بدأت مرحلة التوتر بين القاهرة والرياض عشية وفاة الملك السابق، عبدالله بن عبد العزيز، وتولي سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، والتغييرات الداخلية والخارجية التي صحبت ذلك، وأهمها فيما يخص العلاقة بالقاهرة هو رغبة المملكة في تدوير سياستها وتوجهاتها نحو جماعة الإخوان المسلمين بشكل إيجابي، لحشد الجماعة في تكتل إقليمي أساسه التصدي لإيران ولو على أرضية طائفية. ومن ناحية أخرى رغبت المملكة بهذه الاستدارة أن تمد أواصر الثقة بينها وبين قطر وتركيا، بعد تأزم في العلاقات بينها وبينهم بسبب موقف الملك السابق من جماعة الإخوان ودعمه الإطاحة بهم في مصر، وقيادته لتحالف ضم القاهرة وأبو ظبي لمواجهة نفوذ محور أنقرة-الدوحة-الإخوان، وهو بذلك -من وجهة نظر خَلفه سلمان ومنظومته السديرية- سمح لإيران بتعزيز نفوذها وورط المملكة في معارك خاطئة. ولذلك بدأ سلمان ونجله في فتح قنوات اتصال مع إخوان مصر، حتى وإن كان ذلك يعني توترا في علاقات المملكة مع حليف ستركن إليه في أي مغامرة عسكرية، على أساس أن هذا الحليف يرزح تحت أعباء اقتصادية ستتفاقم حال إيقاف تدفق الأموال السعودية، وهو ما سيجعل معارضته لتوجه المملكة الجديد مشكوك في جديته أو له سقف محدد تستطيع الرياض معالجته مستقبلاً.

 

 السعودية ومصر.. تحالف الضرورة يتوّج بإعلان القاهرة

خلفية لا بدَّ منها

قبل وفاة الملك عبدالله، الذي كان وقتها طريح فراش الموت، وكان يعتمد في استمرار سياساته على بقاء أركان حكمه المتمثلين في نجله متعب، وولي ولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز، ومهندس التحالف المناهض للإخوان مع مصر والإمارات، رئيس الديوان الملكي الأسبق خالد التويجري، الذي استنجد قبل الإعلان عن وفاة الملك السابق بالقاهرة، كفرصة أخيرة لإيقاف ما أطلق عليه "الانقلاب السديري"، وفيما بدا في الأسابيع الأولى لحكم الملك الجديد، أن التوتر المنتظر تفاقم لما أبعد من موقف سلمان ومنظومته من الإخوان، ووصل إلى محاولة تدخل مصر في عملية ترتيب أوراق البيت السعودي، سواء بمساندة إعلامية مصرية تناهض سياسات ولي العهد السابق والملك الحالي وخاصة فيما يتعلق باستدارته نحو الإخوان، أو الأنباء التي سُربت عن زيارة غير معلنة للسيسي للرياض استغرقت ساعتين حاول فيها لقاء التويجري ومتعب ومقرن، وذلك إبان عودته من الإمارات في منتصف يناير الماضي، عقب دخول الملك السابق المستشفى وموته سريرياً، وهي الزيارة التي ترجمها سلمان والأمراء السديريين بأنها محاولة للتدخل في مسألة خلافة الملك عبدالله والمحافظة على وصية الأخير بجعل ابنه ولياً لولي العهد بعد وفاته، وهي الزيارة التي تبعها إعلان بعض الإعلاميين في مصر عن تدهور حالة الملك السابق الصحية ودخوله المستشفى، بإيعاز من التويجري، وهو الأمر الذي حرص السديريين على إبقائه سراً، لتبدأ من وقت هذه الزيارة مرحلة التوتر في العلاقات المصرية-السعودية، التي بدت للعموم غريبة ومشكوك في حقيقتها، كون سعودية الملك عبدالله كانت الداعم الإقليمي الأول والأكثر بذلاً ومساندة نظام ما بعد الثلاثين من حزيران/يونيو 2013.

ثمانية أشهر تكفي

اضف الى ما تقدم، هناك عوامل أخرى رسخت التباين بين القاهرة والرياض خلال الثمانية أشهر الماضية، أولها الانفتاح السعودي على قطر وتركيا من باب توحيد الجهود في سوريا، وتغير نهج المملكة تجاه الإخوان، حتى بدون مشاورة الحليف المفترض ودون أدنى ترتيبات مشتركة لجعل الأمر مقبولاً حتى على مستوى الداخل المصري، ما جعل القاهرة تتيقن من أن الرياض بدأت تتعامل معها كتابع وليس كحليف، خاصة بعد موقف الأخيرة من الغارات المصرية الانتقامية على مواقع "داعش" في ليبيا، وإطلاقها يد قطر إعلامياً وسياسياً في مهاجمة هذه الخطوة، وإعادة الاعتبار لإخوان ليبيا بعدما كان التوافق بين مصر والسعودية والإمارات على إزاحتهم من المشهد الليبي، وهو الأمر الذي قابلته القاهرة بإعلان معارضتها لحل عسكري في سوريا واستضافتها لأطياف من المعارضة السورية غير المنضوية تحت جناح الرياض أو قطر أو تركيا، ومحاولة فتح قنوات اتصال مع الحوثيين، سرعان ما أغلقت بعد زيارة رسمية للسيسي في آذار/ مارس الماضي –بفارق يوم عن زيارة مماثلة لأردوغان- لمحاولة رأب التباين وتحسس معادلة جديدة حاكمة للعلاقات بين البلدين، مُهد لها بمجاراة السيسي لسلمان في مغامرة "عاصفة الحزم" ووعد الأخير بفتح نقاش حول مصالحة مع الإخوان، مقابل عودة الدعم المالي السعودي لسابق عهده، وكذا وساطة الرياض لتهدئة الأجواء بين القاهرة والدوحة وربما أنقرة، إلا أن تداعيات إخفاق "عاصفة الحزم" في  تحقيق مكسب سريع رأته السعودية ممكنا لولا تلكؤ مصر في مسألة التدخل العسكري البري، واستمرار الرياض في الضغط من أجل التعجيل بمصالحة مع الإخوان إرضاء لحلفائها الجُدد وتخوفاً من قرب التوافق الإيراني-الغربي فيما يخص الملف النووي، جعل التوتر بين الحليفين مستمرا، وإن لجأت القاهرة إلى سياسة إلقاء الكرة في ملعب الرياض دوماً، حرصاً منها أيضاً على عدم تفاقم هذا التوتر إلى حد تضاد المصالح.


لماذا تغيرت الصورة الآن؟

 إلى الآن لا يوجد أي تغيير في السياسات السعودية التي كانت سببا لتوتر العلاقات مع مصر يساوي حجم الحفاوة والتفاؤل في تصريحات المسؤولين المصريين والإعلام المصري على حد سواء، التي زخرت بتأكيدات على وحدة موقف البلدين، وكونهما "جناحي الأمن القومي العربي"، فلا الرياض تراجعت عن عزمها إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي في المنطقة، ولا ضغطت في سبيل تسوية الموقف بين القاهرة وبين أنقرة والدوحة، فما هي الضرورات التي جعلت مشهد أول أمس يعبر عن انتهاء الخلافات بين البلدين؟

الجواب الأقرب للصحة هو أن التوتر بين القاهرة والرياض في الشهور الماضية لم يكن لصالح أي منهم، فمن ناحية ساهم التعنت السعودي في ربط المساعدات الاقتصادية بالمصالحة مع الإخوان أن يتشدد النظام المصري في الأحكام القضائية ضدهم إلى حد إصدار أحكام الإعدام بحق مرسي وقيادات الجماعة، ونقل مسألة المصالحة إلى خانة الرفض الشعبي، خاصة بعد حادثة اغتيال النائب العام، وعليه فإن تنفيذ مثل هذه الأحكام يعني فقدان السعودية لواحد من أهم ارتكازات تحالفها مع تركيا وقطر وهي ضمان ضغطها على مصر لوقف تنفيذ هذه الأحكام تمهيداً لمصالحة وعودة الإخوان للمشهد السياسي، وربما ذهاب مصر بعيداً عن مدار السياسات السعودية فيما يخص الأزمة السورية والحرب في اليمن. ومن ناحية أخرى وبالنسبة لمصر فإن التباين بينها وبين السعودية استثمر جيداً من الإعلام الإخواني، وصور للأخيرة أن مصر قد تسعى لاستبدالها بإيران، وهو الأمر الذي قارب حد التصديق لدى بعض الإعلاميين السعوديين خاصة بعد الاتفاق النووي، بالإضافة لحاجة القاهرة لدعم السعودية فيما يخص الوضع في ليبيا، حيث أثبتت التجربة أن القاهرة وحدها أو معها أبو ظبي لا تستطيع أن تحقق إنجازا في ليبيا يُؤمِن حدودها الغربية، ولذلك كانت الزيارة الأخيرة بمثابة إعلان نيات يقطع سبل التكهنات حول تجاوز حد التوتر إلى حد الخلاف والقطيعة.

علاوة إلى ذلك حاجة المملكة إلى مصر كوسيط إقليمي مقبول مرشح للعب دور هام في الأزمة السورية، خاصة بعد دوران عجلة الوساطة الروسية بين دمشق والرياض، واجتماع رئيس هيئة الأمن القومي السوري، علي المملوك، بمحمد بن سلمان في الرياض قبل ثلاثة أيام، وما يثبت صحة هذه الفرضية ما نشرته وسائل إعلام مصرية وعربية اليوم وأمس عن تنسيق بين القاهرة والرياض لتقريب رؤيتهما حول الحل في سوريا على ضوء المستجدات الروسية، وقبول الرياض لأول مره بحل يتضمن انتقالا سلسا للسلطة في دمشق بعد فترة انتقالية بقيادة الرئيس بشار الأسد، وهو بالأساس مقترح مصري تبلور منذ بداية العام الجاري في ظل احتضان القاهرة لحوار بين أطياف من المعارضة السورية، وهذا يعني أن القاهرة نجحت في إزاحة أو بالحد الأدنى تأجيل سيناريو الحل العسكري الذي تبنته السعودية وتلاقت على أساسه مع تركيا وقطر.

ويتضح من السابق أن كلا من الرياض والقاهرة تجاوزا نقطة الخلاف الأصلية، وهي الموقف من الإخوان، لتحقيق غايات آنية مُلِّحة سواء فيما يخص سوريا أو مسألة القوة العربية المشتركة أو التعاون الاقتصادي، أو ربما وجدوا صيغة تقريبية لوضع الجماعة الإرهابية بحسب القانون المصري وتعريف عموم الشعب المصري لها، ويحتاج ترويج هذه الصيغة في الداخل المصري بعض الوقت، خاصة وأن النظام الحالي بنى شرعيته وشعبيته على الإطاحة بالإخوان، ولكن هذا الأمر قد يمر خاصة مع نفوذ المملكة الكبير على الإعلام المصري الذي قد يتحول في ليلة وضحاها من العداء للإخوان إلى التمهيد لخروجهم من السجون.

2015-08-04