ارشيف من :آراء وتحليلات
وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (2/4)
في اطار المحافظة على حقوقها المشروعة والالتزام بالقوانين الدولية المرعية، اتخذت روسيا سلسلة من الاجراءات المدروسة، من بينها إلغاء المعاملة المميزة لاوكرانيا، ورفع أسعار الغاز المسلم لها وفرض نظام الدفع المسبق عليها، فضلا عن قطع تحذيري للغاز المار الى أوروبا بضعة أيام فقط، فارتعدت فرائص أوروبا، وأوقف عمل العمال الاوكرانيين بدون تصاريح، وتم الحد من "تجارة الشنطة"ومراقبتها، وشرع بتطبيق الإجراءات الجمركية الروتينية على الشاحنات الأوكرانية. وبنتيجة هذه التدابير فقط بدأ انحدار الاقتصاد الاوكراني الى الحضيض. ولكن الضربة الكبرى، بعيدة المدى، تمثلت في قرار القيادة الروسية "الاستغناء" عن وجود "الرقعة الجغرافية الأوكرانية"، والالتفاف حولها لمد انابيب النفط والغاز الى أوروبا، من الشمال، عبر بحر البلطيق، ومن الجنوب: عبر البحر الأسود. وسيأتي يوم يحاسب فيه الشعب الاوكراني كل من تسبب في "خراب بيته" وسيندم فيه الفاشست الاوكرانيون على اليوم الذي ولدتهم فيه امهاتهم!
وفي هذه المرحلة اشتدت حملة المطالبة بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي، كخطوة اولى نحو الانضمام الى حلف الناتو وتحويل أوكرانيا الى قاعدة عسكرية ملاصقة لروسيا لتسهيل العدوان المباشر عليها. وانتهت هذه المرحلة بانتخاب فيكتور يانوكوفيتش رئيسا في 2010. واتخذ يانوكوفيتش موقفا وسطا بين المعارضة الفاشستية والموالية للغرب، وبين القوى السياسية الشعبية الوطنية والمؤيدة لروسيا (لا سيما في شرق أوكرانيا). وفي السياسة الخارجية اتخذ موقفا وسطا بين طلب الشراكة التجارية والانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وبين استمرار التعاون مع روسيا.
الانقلاب الفاشستي
ولكن هذا الموقف الوسطي، الذي يأخذ بالاعتبار التركيبة الديمغرافية والسياسية للشعب الاوكراني والمصالح الوطنية العامة لاوكرانيا، لم يرض الجناح الفاشستي ـ الكاثوليكي ـ اليهودي في المعارضة، فتم الانقلاب الفاشستي في 21 شباط 2014، وأسقطت حكومة لازاروف بالقوة، وفر يانوكوفيتش الى روسيا، وعين الفاشستي أرسيني ياتسينيوك رئيسا للوزراء، وقامت "قطعان الفاشست" من غرب أوكرانيا، المنظمين والممولين والمسلحين اميركيا، بالهجوم على مناطق شرق أوروبا حيث أكثرية السكان من الروس والناطقين باللغة الروسية، وشرعوا في الاعتداء على الناس العزل وقتلهم في الشوارع "على الهوية"، واحتلال المباني العامة و"تحريرها" من "الروس والناطقين باللغة الروسية". وأصدرت وزارة الدفاع الانقلابية الجديدة الامر بإعلان "حالة الطوارئ" في شرقي أوكرانيا، وأمرت القوات المسلحة الأوكرانية (بما فيها الاسطول الاوكراني) بالانتشار العسكري وبالتحرش بالاسطول الروسي في سيباستوبول، لاستدراج روسيا الى صدام مسلح روسي ـ اوكراني.
الانتفاضة الشعبية في شرق اوكرانيا
ولكن القيادة الفاشستية ـ الانقلابية في كييف فوجئت بأن غالبية الضباط والجنود والطيارين والبحارة الاوكرانيين في شرقي أوكرانيا، الذين هم روس او ناطقون باللغة الروسية، لم يكتفوا برفض أوامر كييف، بل اعلنوا الانضمام الى الجماهير المتمردة في شرقي أوكرانيا، وبدلا من توجيه السلاح نحو الاسطول الروسي ونحو الجماهير الشعبية الروسية والناطقة باللغة الروسية، سيطروا على الغالبية الساحقة من الثكنات العسكرية والمطار الحربي والقاعدة البحرية الأوكرانية في سيباستوبول، ووجهوا أسلحتهم نحو القطعان الفاشستية ـ الانقلابية القادمة من غرب أوروبا واجبروها على "التراجع او الموت"، وبدلا من ان تطلق السفن الحربية الأوكرانية المدافع ضد السفن الحربية الروسية، اطلقت صفارات التحية لها، وانزلت عن صواريها العلم الاوكراني ورفعت مكانه العلم الروسي. وتم حجز الأقلية من الضباط والجنود الاوكرانيين من غرب أوكرانيا، وتخييرهم بين الاحتجاز واعتبارهم اسرى وبين التخلي عن أسلحتهم وخلع ملابسهم العسكرية والسماح لهم بالعودة الى بيوتهم بلباسهم المدني واخذ اغراضهم الشخصية فقط. وطبعا فضل جميع هؤلاء الحل الثاني. وقد اصدر وزير الدفاع الجديد في كييف بيانا يتهم فيه قائد الاسطول الاوكراني في سيباستوبول بـ"الخيانة الوطنية" وبتحويله مع مئات ضباط الطيران والبحرية والمدفعية والدبابات والمشاة والامن الى "المحاكمة". ولكن هذه القرارات بقيت طبعا حبرا على ورق.
وشكلت الوحدات "الأوكرانية" السابقة في القرم وشرقي أوكرانيا نواة "قوات الدفاع الذاتي الشعبية" التي تطوع فيها عشرات آلاف العسكريين القدماء والشبان والمواطنين في شرقي أوكرانيا، التي استولت على جميع مستودعات الأسلحة للجيش الاوكراني السابق، وحصنت مناطقها ضد جميع القوات النظامية وغير النظامية التابعة لكييف.
انتخابات على الطريقة الهتلرية
وخلال تلك المرحلة، وتحت اعلام المنظمات الفاشستية التي تستوحي تراث الفاشستي الاوكراني القديم (صديق هتلر) ستيبان بانديرا، واعلام الاتحاد الأوروبي والناتو وأميركا وبريطانيا وألمانيا، اجرت كييف انتخابات رئاسية "ديمقراطية" جديدة في المناطق التي تسيطر عليها في وسط وغرب أوكرانيا، وانتخب بوروشينكو رئيسا جديدا لاوكرانيا، وثبت ارسيني ياتسينيوك من جديد في مركز رئاسة الوزراء.
وفي الوقت ذاته تم في شبه جزيرة القرم (بما في ذلك مدينة سيباستوبول ذات الإدارة الذاتية) استفتاء عام قررت فيه اغلبية الناخبين إعادة الانضمام الى الوطن الام روسيا، وصادق البرلمان والرئاسة الروسيان على الطلب.
كما ظهر اتجاه قوي في حوض الدونباس (في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك) يطالب بالانضمام الى روسيا أيضا. ولكن القيادة الروسية تحفظت على هذا الطلب، الا انها ايدت منح المقاطعتين استقلالا ذاتيا خاصا، لا يقتصر على الشؤون الداخلية، بل ويتيح لهما إقامة علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية خارجية أيضا. وأجري في كل من المقاطعتين استفتاء شعبي عام أقر فيه اعلان الانفصال عن كييف وتشكيل جمهورية شعبية مستقلة لكل من المقاطعتين، لها علمها الخاص، وجيشها، وبرلمانها، وحكومتها، ومؤسساتها العامة المستقلة.
وطبعا لم يجرؤ الناتو ولا الاتحاد الأوروبي ولا مجلس الامن على طرح موضوع انتزاع القرم من روسيا واعادتها مرة أخرى الى أوكرانيا. الا ان حكومة كييف الانقلابية أعلنت انها ستسترد القرم وشرقي أوكرانيا بالقوة. ولكن طوال اكثر من سنة لم يجرؤ عنصر مسلح اوكراني واحد على التوجه نحو حدود القرم.
حصاد الهزائم في شرق اوكرانيا
الا انه تم حشد كل قوات واسلحة الجيش الاوكراني، معززة بأسلحة أميركية جديدة، وبمئات من الخبراء و"المستشارين" الاميركيين، بالإضافة الى الاف "المتطوعين" الفاشست من تنظيم "سفوبودا" وخاصة من تنظيم "القطاع الأيمن" بزعامة دميتريي ياروش، ـ تم حشدهم في الشرق لاستعادة "جمهوريتي" الدونباس. ولكن دون جدوى طبعا. وكان "المتطوعون" يفرون من المعارك، لدى ادنى شعور بالخطر، لانهم يعرفون ماذا سيكون مصيرهم. اما الضباط والجنود النظاميون المساكين، غير المقتنعين أصلا بمحاربة شعبهم جنبا الى جنب الفاشست، فكانوا يتعرضون للتطويق بالالاف، فيتوسلون الى مندوبي منظمة الامن والتعاون الأوروبية ان يفتح لهم ممر آمن الى الحدود الروسية كي يسلموا انفسهم الى الجيش الروسي لضمان سلامتهم. وفي الغالب كانت قوات الدفاع الذاتي الشعبية توافق على انسحابهم مقابل التخلي عن جميع أسلحتهم وتسليمها الى قوات الدفاع الذاتي. وكان الجنود الروس يستقبلون على ارضهم الضباط والجنود المنسحبين من أوكرانيا ويعالجون جرحاهم ويقدمون لهم الطعام والماء ويستبدلون لهم اسمالهم بألبسة عسكرية جديدة، طبعا روسية، ويستضيفونهم بضعة أيام حتى يتعافوا، ثم يعيدونهم سالمين الى أوكرانيا.
المجازر ضد المدنيين
وطوال المرحلة السابقة لم تستطع قوات كييف، المعززة بـ"المتطوعين" الفاشست، اختراق أي بلدة في شرقي أوكرانيا. وامام هذا الفشل الفاضح، وللتغطية على خسائرها العسكرية، اخذت قوات كييف الانقلابية وفصائل "المتطوعين" المرتزقة الفاشست تقصف بوحشية الأماكن المدنية الآمنة كالمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية ومحطات النقل العام والمصانع والمناجم، مما أوقع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وتذكر بعض الإحصاءات سقوط 50 الف قتيل او اكثر في صفوف المدنيين، مما أثر تأثيرا كبيرا على دورة الحياة العادية، واجبر حوالى مليون نسمة من النساء والأطفال والشيوخ على اللجوء الى روسيا.
ولكن هذه الوحشية أعطت نتائج عكسية، اذ دفعت وحدات الدفاع الذاتي الشعبية لحشد المزيد من قواتها واسلحتها المتوسطة والثقيلة وشن هجمات مضادة دفعت قوات كييف عشرات الكيلومترات الى الوراء، ونشأ خط جبهة طويل فاصل بين حوض الدونباس وبقية أجزاء أوكرانيا، وطرحت فكرة متابعة الهجوم الى كييف، ورفعت بعض الوحدات شعار "أعطني كييف"، الذي كانت ترفعه وحدات الجيش الأحمر في الهجوم المعاكس لتحرير أوكرانيا من النازيين سنة 1943. ولكن قيادتي جمهوريتي الدونباس تتريثان في اتخاذ هذا القرار.
للاطلاع على الجزء الأول