ارشيف من :آراء وتحليلات
ردود حزب الله حمت لبنان من مغامرات اسرائيلية
قد تكون من المرات النادرة، وربما المرة الاولى، التي يتم فيها الكشف الصريح والمباشر منذ سنوات عن تقديرات استخبارية اسرائيلية لا تستبعد ان يرد حزب الله على اعتداءات اسرائيلية، بما يمكن أن يؤدي الى حرب شاملة. مع ذلك، فإن الاداء العملاني للعدو ازاء حزب الله في لبنان يؤكد على وجود تقديرات من هذا النوع، والدليل على ذلك امتناعه حتى الآن عن مغامرات دراماتيكية بما يدفع حزب الله الى ردود قاسية جداً وبما قد يؤدي الى مواجهة واسعة.
كشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" عن تقدير يسود في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية مفاده أن "من يعتقد أن قتال حزب الله في سوريا سيردعه عن ردود يمكن أن تؤدي الى حرب شاملة، عليه أن يعيد حساباته". (30/7/2015).
للوهلة الاولى توحي هذه الفقرات كما لو أن الصحيفة الاسرائيلية تقوم بكشف لقرائها. على مستوى النشر قد يكون ذلك صحيحاً. لكن الواقع هو أن هذه الخلاصة يفترض أن تكون حاضرة لدى المراقبين الذين يتابعون السياسة الاسرائيلية ازاء الساحتين السورية واللبنانية، والتي تكشف عن حقيقة أن العدو وجد في الحرب التي يخوضها محور المقاومة في الساحة السورية، فرصة للانقضاض وتوجيه ضربات الى قدراته النوعية. لكن اداء حزب الله في المقابل، كشف للعدو ايضا عن خطوط حمراء اذا ما تجاوزها سيتلقى ردودا بما يتناسب حتى لو أدى ذلك الى تداعيات قد يكون يسعى الى تجنبها في هذه المرحلة، وهو ما يبدو أن العدو فهمه جيداً.
مجاهدو المقاومة
مع ذلك، ما نقلته "يديعوت" عن تقديرات الاستخبارات يشكل دليلاً ملموساً اضافياً على مفاعيل ردود حزب الله لدى صانع القرار في تل ابيب. أو على الاقل لدى الاستخبارات العسكرية. وتنبع أهمية هذا المعطى، لكون قرارات القيادة السياسية والامنية في تل ابيب، وعند غيرهم ايضا، تستند – من ضمن أمور أخرى - الى حسابات الكلفة والجدوى. وعلى هذه الخلفية، يتم بحث وتقدير درجة احتمال ردِّ الجهة المستهدفة، وطبيعته وحجمه وأثاره على الجهة التي تخطط للهجوم.
ومما ينطوي عليه تقدير الاستخبارات، أنها تدرك بأن حزب الله يتبنى سياسة الرد على الاعتداءات الاسرائيلية بما يتناسب مع حجمها ونتائجها واهدافها.. وبما يؤدي الى تعزيز قدرة ردعه في مواجهة "اسرائيل"، حتى لو تطلب ذلك ردودا قاسية تؤدي الى التدحرج نحو مواجهة واسعة وهو ما يبرز في فقرة "ردود يمكن أن تؤدي الى حرب شاملة".
مع ذلك، ينبغي القول أن تقدير الاستخبارات العسكرية لا يعني أنها لا تتبنى تقدير بأن حزب الله يفضل عدم فتح جبهة اضافية مع "اسرائيل". لكنها تقصد أنه في حال حشر لن يتردد أو يمتنع عن الرد بما يتناسب.
لم يتبلور تقدير الاستخبارات العسكرية، إلا بعد مسار من المحطات التي مرت بها المواجهة مع العدو، سواء لجهة الضربات الموضعية والمحدَّدة والمحدودة في الساحة السورية، وبعد رد حزب الله على محاولة تمددها باتجاه لبنان، في مزارع شبعا. واخيرا بعد اعتداء القنيطرة الذي رد عليه حزب الله بعملية صاروخية وباعلان سماحة الامين العام السيد حسن نصر الله باسقاط المعادلات السابقة..
واستدلت الاستخبارات على صحة تقديرها، كما ورد في صحيفة يديعوت، بالقول "من يريد ردا موضعيا لا يطلق سبعة صواريخ كورنيت على قافلة الجيش الاسرائيلي" ردا على عملية القنيطرة. وفسرت الصحيفة، استنادا الى المصادر الاستخبارية نفسها، ان سقوط قتيلين في العملية يرجع الى "الحظ". ولفتت الى انه لو ادت العملية الى سقوط عشرة قتلى لوجدت "اسرائيل" نفسها في مكان آخر.
ما أوردته "يديعوت" يكشف عن حقيقة أن عملية مزارع شبعا الصاروخية أدت الى مفاعيل استراتيجية كونها انطوت على رسالة كان لها اثرها على توجهات القيادة الاسرائيلية، وهو ما عبرت عنه تقديرات الاستخبارات ازاء المدى الذي يمكن أن يبلغه رد حزب الله.
على ما تقدم، يكشف التقدير الاسرائيلي بأن ما حال حتى الآن دون عدوان اسرائيلي واسع على لبنان، استنادا الى انشغال حزب الله بمواجهة الخطر التكفيري في سوريا وعبرها، حضور ارادة وقدرة رد حزب الله على أي اعتداء اسرائيلي في حسابات صانع القرار في تل ابيب. لكن تقدير الاستخبارات نفسه يوحي ايضا كما لو أن هناك في اسرائيل من لا يزال يراهن على الحدث السوري للدفع نحو مغامرات واسعة، وهو ما يبرز في فقرة "من يعتقد... عليه أن يعيد حساباته".