ارشيف من :آراء وتحليلات

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (4/4)

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (4/4)

في أواسط شهر تموز/يوليو الماضي عقد في احد مقاهي مدينة موكاتشيفو (ثاني اكبر مدن مقاطعة "زاكارباتيا"، اجتماع بين ممثلي منظمة "القطاع الأيمن" ورجل الاعمال ميخائيل لانيو، للمناقشة في أمور "الشغل" والأوضاع القائمة. وانتهت "المناقشة" برصاصة في رأس الحارس الخاص لـ لانيو، اما لانيو ذاته فنفد بجلده وتوارى. وادعى "القطاع العام" انه كان يريد قطع الطريق على التصدير غير المشروع للسجائر الأوكرانية البخسة الثمن الى بلدان الاتحاد الأوروبي. اما تقرير الشرطة فيقول ان سبب النزاع هو "تقاطع" قنوات التهريب.

وخرج ممثلو "القطاع الأيمن" مع مرافقيهم المسلحين من المقهى، وشقوا طريقهم يريدون الخروج من المدينة، ولكن الشرطة كانت قد اقامت لهم الحواجز على كل المنافذ، واصطدمت بهم، ووقع عشرة جرحى ستة منهم من رجال الشرطة، وتمكنت مجموعة "القطاع الأيمن" من الخروج من المدينة، وتسلل عشرون منهم الى مقاطعة بيريتشينسكي. وامتنعت وزارة الداخلية والنيابة العامة ومديرية الامن القومي عن اتخاذ قرار بمهاجمة هذه "المجموعة الاجرامية المنظمة". وعلى عكس ذلك ارسل دميتريي ياروش زعيم "القطاع الأيمن" إنذارا الى الرئيس بوروشينكو يطلب فيه اقالة وزير الداخلية أرسيني أفاكوف، وجميع قادة الوحدات العسكرية في "زاكارباتيا"، باعتبارهم مسؤولين عن الصدام الذي وقع في موكاتشيفو.

وانتقل ياروش مع ثمانية من قادة تنظيم "القطاع الأيمن" الى مقاطعة "زاكاراباتيا"، واستدعوا مئات "المتطوعين" للقتال الى جانب الجيش في شرقي أوكرانيا، الذين اقاموا الحواجز على كل الطرق المؤدية الى "زاكارباتيا"، لمنع وحدات الجيش والامن وما يسمى "الحرس الوطني" وممثلي السلطة الانقلابية الأوكرانية من الدخول الى المقاطعة. وصرح ياروش "ان القوانين الأوكرانية لم يعد معترف بها في المقاطعة". و"ان السلاح الذي هو في حوزتنا هو لاجل ضمان الاستقرار والامن. ذلك ان المباحثات مع رجال المافيا بدون سلاح هو امر خطير". و"ان هدفنا هو المحافظة على أوكرانيا، والمحافظة على الاستقرار. وفي مقاطعة زاكارباتيا بالتحديد، نحن نقوم بحماية الناس من رجال العصابات".

خطر تفكك وزوال الدولة الاوكرانية

وفي هذا الوقت اقام محازبو "القطاع الأيمن" مخيما بالقرب من إدارة مدينة لفوف، ورفعوا شعارات تطالب باستقالة وزير الداخلية وقيادة الشرطة في "زاكارباتيا". وقاموا بانزال علم الاتحاد الأوروبي ورفعوا مكانه علم تنظيمهم. كما جرت مظاهرة "للقطاع الأيمن" امام البرلمان في العاصمة كييف ذاتها.

وأوكرانيا ’فخ روسي’ للنازية الغربية (4/4)

القوات الروسية

وقد انقسمت الصحافة الأوكرانية بين مؤيد لحكومة بوروشينكو ومؤيد "للقطاع الأيمن"، ويسود توتر شديد بين قوات الجيش النظامي الانقلابي والوحدات المسلحة "للمتطوعين" التابعين "للقطاع الأيمن". وخطر اندلاع الاشتباكات بين الطرفين قائم في كل لحظة. وهو يحمل في طياته خطر التفكك الكامل للدولة الأوكرانية.

تجاهل أميركي ووساطات سرية اوروبية

وحتى الآن تتظاهر الدبلوماسية الأميركية بتجاهل ما يحدث، ما يثير الشكوك بأنها ستدعم أي تحرك للضغط على حكومة بوروشينكو لعدم تنفيذ "اتفاق مينسك" للتوصل الى حلول سلمية للنزاع الاوكراني، لانها تميل الى خيار استخدام أوكرانيا (او ما يتبقى منها) كقاعدة عدوان على روسيا.

اما وسائل الاعلام الأوروبية فهي تعكس النظرة الغربية التقليدية نحو الاوكرانيين بأنهم، مثلهم مثل الروس الذين يصفونهم بـ"الاجلاف". ولذلك فهي لا تنظر الى أوكرانيا كحليف "جدي" و"ندي" لاوروبا، وتشارك اميركا في رغبتها بتحويل أوكرانيا الى قاعدة للناتو. الا ان الهلع الأوروبي من "الجار الروسي المرعب"، يدفع الأوساط السياسية الأوروبية الى الميل اكثر نحو الخيار الاخر وهو: ان تكون أوكرانيا، او ما يتبقى منها، "دولة عازلة" بين أوروبا وروسيا.

ولكن اذا كانت الديبلوماسية الناعمة قد فتحت صفحة "الفوضى البناءة" الأميركية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، فإن التجربة تبرهن ان القوة الناعمة للديبلوماسية غير قادرة على طي هذه الصفحة من جديد.

واذا كان اقدام روسيا على اغلاق حدودها المفتوحة للاوكرانيين والسلع الأوكرانية في الامس القريب قد أدى الى ترامي شبه جزيرة القرم لطلب الانضمام الى روسيا، والى انفصال مقاطعتي دونيتسك وغدانسك عن سلطة كييف، والى الانقلاب الفاشستي في كييف، والى الحرب الأوكرانية الفاشلة "لاستعادة" الدونباس، فإن دول الاتحاد الأوروبي تتجه الان لتغلق بشدة حدودها مع أوكرانيا الغربية، وخصوصا انفاق وقنوات التهريب من والى أوكرانيا.


وهذا يعني ببساطة ان مختلف القطعان والتنظيمات المافياوية ـ الفاشستية ستصاب بسعار جنوني، وستبدأ تنقض على الجيش والشرطة، وعلى بعضها بعضا، وستنطلق موجة عارمة من "الفوضى البناءة"، ويبدأ الغزو وسلب ونهب كل شيء: من المخازن والمستودعات وخزانات الوقود والبنوك والافران والمزارع وخزانات المياه وغيرها. وسيوضع الشعب الاوكراني المسكين في دوامة "كارثة إنسانية" حقيقية على الطريقة الصومالية. مع فارق بسيط هو بدلا من رفع شعارات "إسلامية" سترفع شعارات "قومية اوكرانية" "معادية لروسيا". وسيقف الغرب كله يتفرج بشماتة على مأساة الشعب الاوكراني، الذي لن يجد في الأخير من يمد له يد العون الأخوية الصادقة سوى الشعب الروسي.

معالجة الازمة الأوكرانية أفلتت من يد الكتلة الغربية

يذكر الرأي العام الدولي ان "الربيع الاوكراني" بدأ بمظاهرات للمعارضة "الديمقراطية والسلمية!!!" احتجاجا على اعلان الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش في أواسط تشرين الثاني 2013 ان أوكرانيا لن توقع اتفاق "المشاركة" التجارية مع الاتحاد الأوروبي (الذي كان متوقعا في 28 تشرين الثاني 2013) بدون الاتفاق مع روسيا، التي كانت تخشى من ان تؤدي "المشاركة الأوكرانية ـ الأوروبية" الى استغلال "الحدود الروسية المفتوحة" لاوكرانيا، لاغراق روسيا بكل أنواع الزبالة السلعية الأوروبية، والمخدرات، والمتفجرات، وحتى تسريب "سياح أوروبيين" من طراز "الداعشيين" و"الداعشيات". وتؤكد احداث غربي أوكرانيا الان، واكتشاف انفاق وقنوات التهريب الى دول الاتحاد الأوروبي ذاته، كم كانت روسيا على حق في تخوفاتها.

وفي 19 فبراير/شباط 2014، وبنتيجة وساطة مشتركة من قبل روسيا والاتحاد الاوروبي معا، وقع الرئيس يانوكوفيتش وقادة احزاب المعارضة بيانا شاملا لتسوية الازمة الأوكرانية، يلبي كل المطالب "الديمقراطية!" للمعارضة. وفي الوقت ذاته صرح يانوكوفيتش بأنه يؤيد الاقتراح الروسي الداعي الى تشكيل لجنة اختصاصية ثلاثية روسية ـ اوكرانية ـ اتحاد أوروبية، لبحث العلاقات التجارية بين الأطراف الثلاثة، قبل توقيع اتفاق "المشاركة" التجارية الأوكرانية ـ الاتحاد أوروبية.

ونشرت الصحافة الأوروبية فيما بعد ان المخابرات الروسية ضبطت محادثة تلفونية بين فيكتوريا نولاند (مساعدة وزير الخارجية الأميركي، التي تمسك بملف أوكرانيا) وسفير الولايات المتحدة في أوكرانيا جيفري بيات، قالت فيها نولاند للسفير "فليذهب الاتحاد الأوروبي الى الجحيم".


وقبل ان يجف حبر التوقيع على اتفاق التسوية السلمية للازمة الأوكرانية بين الرئيس السابق يانوكوفيتش وزعماء المعارضة، وقع الانقلاب الفاشستي (الذي كانت تقف خلفه المخابرات الأميركية) في كييف، في 21 شباط 2014، وتم اقتحام البرلمان، وتعيين حكومة انقلابية برئاسة العميل الأميركي أرسيني ياتسينيوك، الذي كان احد الموقعين على الاتفاق مع يانوكوفيتش. وبدأت حملة مطاردة "سلمية!" للمواطنين الروس والناطقين بالروسية في كييف وفي غربي أوكرانيا، وقتلهم في الشوارع بهراوات البيسبول الضخمة، وحرق بيوتهم، وطرد نسائهم واطفالهم، وتشكلت بسرعة عجيبة فرق "المتطوعين"، المسلحة بالدبابات والمدفعية والرشاشات الثقيلة، التي توجهت لـ"تحرير" مقاطعات شرق وجنوب أوكرانيا ذات الأغلبية السكانية من الروس والناطقين بالروسية. وكانت النتيجة معروفة. ولكن الخاتمة لم يحن اوانها بعد.
والان ظهرت القوى الفاشستية "المتشددة" او "المتطرفة" بشخص تنظيم "القطاع الأيمن" وانصاره. وتم فصل مقاطعة "زاكارباتيا" الغربية، وربما يتم فصل غيرها.

ومن الصعب التكهن كيف ستنتهي الأمور بعد الان، في وسط وغربي أوكرانيا. ولكن من المؤكد انه اصبح من مصلحة القوى النظامية الانقلابية والقوى الفاشستية "المعتدلة" و"المتطرفة" ان تطبق الهدنة العسكرية وفصل القوات في شرق أوكرانيا، لسحب الأسلحة الثقيلة والوحدات العسكرية من الشرق، و"التفرغ بعضها للبعض الآخر" في وسط وغربي أوكرانيا.

أوكرانيا ستعود للانضمام الى روسيا

وفي هذه الحالة، فإن شرق أوكرانيا الذي يتلقى مساعدات إنسانية من روسيا سيصبح اكثر قدرة على إعادة الحياة الى الدورة الإنتاجية والاقتصادية والتجارية الطبيعية مع روسيا، وسيكون ـ كما هو الى الان ـ في مأمن من كارثة إنسانية على المستوى الحياتي والمعيشي. اما وسط وغرب أوكرانيا، وخصوصا مع بداية تشدد دول الاتحاد الأوروبي في مراقبة حدودها مع أوكرانيا، واندلاع الاشتباكات بين "الوطنيين! جدا وطنيين!" الاوكرانيين "المعتدلين" و"المتطرفين"، فإن هذا القسم من أوكرانيا سيكون مهددا بكارثة إنسانية حقيقية، على الطريقة الصومالية كما اسلفنا، لان اميركا والاتحاد الأوروبي لن يتحملا فكرة دفع مئات مليارات الدولارات لاطعام قرابة 35 مليون اوكراني، غالبيتهم ـ في نهاية المطاف ـ من "الاجلاف السلافيين ـ الأرثوذكسيين" غير مضموني الولاء النهائي للغرب. والحل المنطقي الوحيد امام جماهير الشعب الاوكراني هو: تصفية الحساب مع الفاشست الموالين للغرب، "المعتدلين" و"المتطرفين" على السواء، وطلب المغفرة من اشقائهم الروس، والعودة الى حضن ما يسميه الروس "الام روسيا"، وضم أوكرانيا كلها الى الدولة الفيديرالية الروسية.

 

للاطلاع على الجزء الاول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

2015-08-08