ارشيف من :نقاط على الحروف

’الزيارة المعجزة’ تفضح المملكة واعلامها

’الزيارة المعجزة’  تفضح المملكة واعلامها

انتظرت المملكة العربية السعودية ثمانية ايام للتعليق على خبر بحجم استقبال ولي ولي العهد السعودي لمسؤول سوري، هو رئيس المكتب الوطني السوري علي مملوك. ثمانية ايام من الصمت المدوي غير المستغرب من قبل مملكة الصمت. تركت المملكة رعاياها وادواتها في حيرة من امرهم. "تيار المستقبل" في لبنان بدا كـ "يا غافل الك الله " ( راجع مقالة الزميلة لطيفة الحسيني في موقع "العهد الاخباري" بتاريخ 3/8/2015) اما المعارضة السورية السعودية التمويل والتسليح والتبني فبدت كالزوج المخدوع.

الاعلام السعودي أو المموَّل سعوديًّا في المنطقة وفي لبنان لم يكن احسن حالا. تنكّر للخبر- السبق؛ كأن شيئا لم يكن. نسي هؤلاء، وخاصة الفرع اللبناني منهم، عداءهم الذي يصل الى حد الحقد على علي المملوك. لم يتجرأ واحد منهم على طرح التساؤل حول صحة الخبر أو اسباب عدم مراعاة المملكة لفريقها اللبناني في المطالبة باستبدال علي المملوك بشخصية اخرى غير متهمة من قبل 14 اذار بما بات يعرف بقضية المملوك سماحة.

ساد الصمت الرهيب الى أن كشفت صحيفة اللواء (في عددها الصادر يوم الجمعة 7 اب)  المستور. وليس المستور الا "انجازا كبيرا واستراتيجيا للمملكة العربية السعودية" . اهمية "الانتصار" السعودي وصلت الى حد كسر كل القواعد المهنية البسيطة في الامبراطورية الاعلامية السعودية. نشر الموضوع نفسه بالمعطيات والمعلومات نفسها في صحيفتين مختلفتين، وعلى الصفحة الاولى ولكن بفارق اربع وعشرين ساعة. فقد انتظرت صحيفة "الحياة" السعودية اليوم السبت لتنشر "السكوب" ولتتحدث عن ابعاده السياسية الخطيرة وعن ورسائله الاستراتيجية.

الحق يقال ان اللواء كانت اكثر كفاءة في تحرير التقرير الذي لا يحتاج المتابع الى جهد كبير ليستنتج انه من مصدر واحد. فالجمل والمصطلحات والعبارات هي نفسها، الفروقات بين الصياغتين محدودة، اللواء نسبت المعلومات الى ما اسمته "مصدرا اعلاميا موثوقا"، اما الحياة فتحدثت عن "مصدر سياسي سعودي". الصحيفة اللبنانية تذكر ان صحيفة الاخبار هي اول من نشر الخبر، اما الصحيفة السعودية فترجع المهمة إلى "وسائل اعلام محسوبة على دمشق".

 

 

 

’الزيارة المعجزة’  تفضح المملكة واعلامها

الزيارة المعجزة تفضح المملكة

 

عدا ذلك، فإن الركاكة في الصياغة وعدم الوضوح في المضمون والتناقض في الافكار ولامنطقية الطرح، عناصر مشتركة في الصحيفتين .بعد انتظار ثمانية ايام لم يوفق مصدر التقرير السعودي في تقديم رواية مقنعة لما جرى ولو بالحد الادنى. يريد المصدر اقناعنا بعدة امور:

اولا، ان استقبال المملوك جاء لاقناع روسيا بما اسمته "لا صدقية الاسد"؛ نعم ان "حكمة" القيادة السعودية و"ذكاءها الخارق" دفعاها  الى اكتشاف الحل السحري للقضية السورية. ان الطريقة الوحيدة لاقناع روسيا بوجهة النظر السعودية المعادية لسوريا لا يمكن ان تحصل الا من خلال استقبال الرجل الاقرب الى الرئيس الاسد الذي لم توفر السعودية وعلى مدى اربع سنوات اي جهد او مال او سلاح لاسقاطه وسحقه.


الجهة المطلوب اقناعها ليست الا روسيا. روسيا نفسها، تلك التي روج هذا الاعلام منذ اربع سنوات لنظرية انها تريد ان تتخلى عن حليفها الابرز في المنطقة وربما في العالم واعطى مواقيت لامتناهية عن تاريخ التخلي الروسي المُتأمَّل سعوديا عن دمشق. روسيا نفسها التي قصدها بندر بن سلطان (هل يتذكر احد ما بندر بن سلطان عارضا اموالا وصفقات ظنا منه ان الموقف الروسي الداعم لسوريا يباع ويشترى، لكن بندر ذهب الى غياهب النسيان وبقي الاسد ومعه المملوك الذي استقبلته الرياض.


ثانيا: الزيارة الحدث تهدف الى توضيح مهم وهو ان المملكة لم تطلب إلى السوريين فك الارتباط بايران، لكن التقرير سرعان ما يورد ما يناقض هذه المقولة بشكل واضح وسافر ودون اية مواربة. لقد طرح الطرف السعودي بحسب الصحيفتين "المبادرة" التي تنص على التالي "وقف دعم المعارضة مقابل اخراج ايران من سوريا". دون التوضيح عن الفارق الجوهري بين الفكرتين.
 
ثالثا: هدف المبادرة التي جاءت نتيجة  "التقاط السعوديين للفرصة" هو "تعرية نظام الاسد" . وللامانة فأإن هذه العبارة وردت مرتين في كلا التقريرين او فلنقل في التقرير الواحد المنشور في صحيفتين. أما كيف تتم تعرية هذا النظام وما علاقة الزيارة بهذا الهدف الفضفاض وما المعايير التي على اساسها يمكن قياس الهدف فلا جواب.

تبقى النقطة الاخيرة وهي تكرار ممجوج لسردية سعودية قديمة، "الاسد قلق من حلفائه". الرجل التي اثبتت الاحداث انه خط احمر لا يمكن لطهران او موسكو القبول بتجاوزه، بدا بالنسبة للسعوديين "حانقا" و"مرعوبا" ( الصفتان وردتا حرفيا في التقريرين)، عامل آخر سبب القلق للسوريين وهو جديد نوعا ما على السرديات السعودية. الاسد لا يعرف كيف يتصرف مع حزب الله وقد طلب المملوك فرصة للتفكير بهذه  القضية"!


طبعا لم تذكر الصحيفتان لماذا اخذت الرياض كل هذا الوقت لكشف ما يمكن اعتباره "اسرار اللقاء المعجزة"، ولم تسأل الصحيفتان مصدرهما المشترك عن جدوى ابقاء جمهور المملكة وحلفائها وادواتها في حيرة من امرهم وجهل تام عن حدث بهذا المستوى.

ليس الامر مفاجئا؛ ففي مملكة الصمت وفي الاعلام الدائر في فلكها لا معنى للسؤال او الجواب. القصة تختصر بتقرير يكتبه موظف لدى امير سعودي. يرسله عبر الفاكس فينشر دون اي تعديل يذكر في وسائل اعلام مملوكة من السعودية او ممولة منها. ويبقى على الرأي العام ان يستنتج. واهم استنتاجات هذه الحادثة انه انطلاقا مما قاله الفيلسوف الفرنسي فوكو يوما عن ان "اللغة تشكلنا" فان اللغة السعودية في هذا التقرير اليوم تعكس ارباكا وعدم وضوح في الرؤية وتناقضا في الطروحات الى حد الضياع في الاستراتيجيات.

2015-08-08