ارشيف من :آراء وتحليلات

بعض العرب يخافون على ’اسرائيل’ أكثر منها!!

بعض العرب يخافون على ’اسرائيل’ أكثر منها!!

حرق الرضيع الفلسطيني علي الدوابشة شكل مناسبة استغلها خطاب الاستسلام العربي ليلقي تبعات الجريمة على عاتق المستوطنين وليبرر تحالف العديد من الأطراف العربية مع الكيان الصهيوني، وليظهر هذا الكيان "الديمقراطي والتعددي" بمظهر الجهة التي يهددها المتطرفون مع أنها تحمل الخلاص لكامل المنطقة!  

لا ندري ما إذا كان سيأتي يوم يكتب فيه على جدار، أمام متحف أو مزار، اسم الطفل الفلسطيني الرضيع على الدوابشة، مع أسماء جميع الأطفال والشباب والشيوخ من الرجال والنساء الفلسطينيين والعرب الذين قتلهم الكيان الصهيوني منذ ما قبل قيامه حتى الآن.

إسرائيليون أكثر من "إسرائيل"


لكننا نستطيع أن نتخيل كم ينبغي لذلك الجدار أن يكون طويلاً وعريضاً ومرتفعاً ليتسع لكل هذه الحشود من أسماء من قتلوا ومن لم يقتلوا بعد على أيدى الكيان المذكور وأيدي كيانات عربية وإسلامية انكشفت، لجهة ما تمارسه من بطش بحق الشعوب العربية والإسلامية، عن كونها أشد إسرائيلية من "إسرائيل". والأمثلة الصارخة على ذلك لا تقف عند حدود همجية "داعش" و"النصرة" ولا على وحشية العدوان السعودي على اليمن.
كما أننا نستطيع أيضاً أن نتكهن بأن ذلك الجدار لن يبنى أبدًا فيما لو كتب الظفر للسياسات التي يعتمدها عرب "إسرائيل" تجاه القضية الفلسطينية، سياسات تميزت ليس فقط بتخليهم عن فلسطين، ثم بالتحالف مع العدو الصهيوني، بل أيضاً بالتعامل مع هذا العدو على أساس أنه المخلص والضمانة الوحيدة لاستمرارهم في ملء وظيفتهم في خدمة المشروع الصهيوني.


وهناك بين العرب والمسلمين من يصرح بذلك بالفم الملآن. وكذلك من يصرح به بشكل غير مباشر من خلال الكلام المسموم مثلاً عن "الديانة الإبراهيمية" التي لا يعني الكلام عنها غير شيء واحد هو تنحية المسيحية والإسلام لصالح يهودية هي صهيونية صريحة.

 

بعض العرب يخافون على ’اسرائيل’ أكثر منها!!


أو من خلال معظم الخطاب العربي الرسمي وامتداداته في وسائل الإعلام عن تطورات الأحداث ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.


فحتى قضية إحراق الطفل الرضيع قام ذلك الخطاب بتغطيتها واستخدامها بشكل يندرج ضمن إطار العمل على تكوين رأي عام عربي وإسلامي يحتضن، في وعيه أو لاوعيه، فكرة المخلص الإسرائيلي، وذلك عبر عمليات غسل دماغ تتبعها عمليات شحن دماغ تتم بأشكال مباشرة أو غير مباشرة من قبل وسائل الإعلام المختلفة.

تطرف يهودي و"إسرائيل" ديمقراطية


قسم كبير من تغطية الحدث خصصه الإعلام العربي المتصهين لردود الفعل، في الداخل الإسرائيلي، على جريمة إحراق الطفل الرضيع. وفي هذا المجال حرص ذلك الإعلام على إبراز الأصوات الإسرائيلية التي اعتبرت أن عملية إحراق الطفل علي الدوابشة وبقية أفراد أسرته، والأعمال المشابهة التي يرتكبها المستوطنون اليهود، جرائم لا بد من إنزال العقاب بمرتكبيها. ولا يخفى أن ذلك يبرئ "إسرائيل" من المسؤولية عن تلك الجرائم.


كما ركز الإعلام العربي المتصهين على أن "إسرائيليين" كثيرين يطالبون بأن يتم إخضاع اليهود الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم لإجراءات الاعتقال الإداري التي تطبق عادة على الفلسطينيين. ومنهم من اقترح هدم بيوتهم رداً على ما يقومون به من هدم بيوت الفلسطينيين. ومنهم من رأى أن من الضروري إعطاء صلاحيات أكبر لأجهزة الأمن الإسرائيلية كي تتمكن من ملاحقة المستوطنين والضرب على أيديهم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو عن الشعور الذي يتكون عند الفلسطيني أو العربي وهو يسمع عن كل هؤلاء الإسرائيليين "الطيبين" الذين يقفون إلى جانب أهل الضفة الغربية في مواجهتهم للمستوطنين.


على أقل تقدير، سيشعر أن إسرائيليين كثيرين يدافعون عن قضيته في الوقت الذي يتخلى أكثر العرب كما أكثر الفلسطينيين عن هذه القضية.
ولا يقف الأمر عند حد الشعور بالامتنان والتقدير تجاه أولئك الإسرائيليين "الطيبين" وحدهم، بل يتحول إلى شعور بالامتنان تجاه "إسرائيل"، لأن الجريمة تقدم لا على أنها من صنع "إسرائيل"، بل على أنها من صنع المستوطنين اليهود، أو "المجموعات الإيديولوجية المتطرفة"، أو العنصريين اليهود...
لكن خطورة هذه الفئة من اليهود المتطرفين لا تنجم فقط عن كونهم يقترفون جرائم بحق الفلسطينيين. فالخطاب العربي المتصهين يرى أنهم يسعون إلى إقامة نظام جديد قائم على الشريعة اليهودية بعد تدمير النظام الإسرائيلي الديمقراطي التعددي.


وعلى هذا، يصبح من الضروري أن يتسع مفهوم الإرهاب ليشمل، إلى جانب الفلسطينيين والعرب الذين يهددون الكيان الصهيوني، الجماعات اليهودية التي تهدد الفلسطينيين والعرب، وأن يتشكل محور يقف في وجه من يهددون الاستقرار في المنطقة. وهذا المحور لا بد أن يضم الكيان الصهيوني الديمقراطي التعددي والأنظمة العربية المعتدلة...


تلك هي مشيئة الإسرائيليين "الطيبين" التي يتلقفها ويعيد إنتاجها الخطاب العربي المتصهين. وبقدر ما تحظى هذه المشيئة بقبول أطراف عربية وإسلامية، رسمية وشعبية، بقدر ما تتحول فلسطين من قضية حية في الحياة اليومية إلى موضوع للدراسة التاريخية.
ولحسن الحظ أن أطرافاً عربية وإسلامية، رسمية وشعبية، لها رأي آخر في الموضوع. وأن هذا الرأي الآخر هو الذي يسير باتجاه حركة التاريخ.   

2015-08-10