ارشيف من :آراء وتحليلات
سوريا الجديدة بين مخططات التقسيم ومشاريع التسوية
ما زالت جبهات الأزمة السورية مشتعلة على كل التسويات والاحتمالات. وكل ما يحكى يعتبر مجموعة من التكهنات السياسية ظهرت إلى العلن نتيجة تسريبات المطابخ الأوربية والأميريكية لسياستهم إزاء العالم العربي، وهو مكان صراع لأطماعهم التي لا تشبع من سرقة خيرات أرضه وثرواته وموقعه الاستراتيجي. بُنيت رفاهية الغرب على دماء الشعوب. وما زالوا يخططون ليحققوا ما رسموه للمنطقة من مشاريع تجزئة وتقسيم عبر اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط القديم - الجديد لضمان المصالح الأمريكية – الاسرئيلية، بواسطة عازفين ومطبلين من متسلطين عرب.
كُشف مؤخرا عن تقرير غربي يبشرنا بمرحلة التشاؤم، يقول: الأوضاع في الشرق الأوسط ذاهبة من سيئ إلى أسوأ. والاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، لم يعد مهما لأن الإدارة الأميركية استسلمت، وأصبحت إيران القوة المسيطرة في المنطقة.
ويضيف: "من وجهة نظر غربية إن الواقع الأفضل في سوريا هو استمرار الوضع القائم، لأن البديل كارثي، إما انتصار إيران أو انتصار "داعش"، والاثنان أسوأ من الوضع المأساوي القائم".
ماذا عن إسرائيل؟ يتابع التقرير: " الوضع سيئ، لأن الأجيال المقبلة ستعيش في منطقة غير مستقرة ويسيطر عليها العنف وهذا ليس بالأمر الجيد، حتى إسرائيل لا ترغب في مناخ سيئ ومسموم".
أما على صعيد التحركات السياسية إزاء المحاولة للخروج من المستنقع السوري الذي بات الارهاب فيه يورد الى الغرب ونتيجة ذلك فهو يضرب في عقر دارهم، يستعرض التقرير تحركات أميركية – روسية لإيجاد حل سياسي في سوريا، متجاوزين خلافاتهم على قضايا اخرى من اجل التوصل الى انهاء الحرب المستعرة والتي أضحت تهدد الجميع .
الجيش السوري
فالنظام السوري رغم ثباته بوجه الحرب العالمية التي تشن عليه منذ خمس سنوات لم يتمكن من وقف تمدد "داعش"، بل إن هذا التنظيم الإرهابي عزز نفوذه ومواقعه. وآخر جرائمه خطف مئات المسيحيين، بعد أن سيطر على مدينة استراتيجية في محافظة حمص وسط سوريا. ولا يزال مجهولا مصير 230 مواطنا من النازحين وسكان مدينة القريتين. واجرام "داعش" لم يعد محصورا في سوريا والعراق بل هو يتمدد في مناطق مختلفة حيث يتمكن.
هذه التطورات شكلت خطراً على المنطقة عموماً وليس على مصير سوريا وحدها، مما تطلب تعاوناً حقيقياً بين واشنطن وموسكو لمواجهة خطط "داعش" لإحباطها.
على الخط الموازي نرى التحرك الايراني – الروسي من اجل ايجاد تسوية للأزمة السورية، فالمبادرة الايرانية تضمنت "وقفا فوريا لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية، وإجراء انتخابات تشريعية تحت إشراف دولي..."
ايران بهذه المبادرة تطرح نفسها لاعباً إقليمياً قوياً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، يضاف عليها مشاركة عواصم أخرى في تشجيع المسعى الإيراني الروسي، إلى جانب الأميركيين، وخصوصاً سلطنة عمان، ومصر.
فالروس باتوا يملكون تفويضاً أميركياً واضحاً في اختبار العودة إلى عملية سياسية، بدءا من "موسكو 3" المزمع عقده نهاية أيلول المقبل.
كما طرحت موسكو مبادرة تتضمن تشكيل تحالف دولي إقليمي يضم الحكومة السورية، بهدف القضاء على تنظيم "داعش". ويبدو أن الروس يحاولون الآن التشاور مع شركائهم الإيرانيين والسوريين في كيفية الدخول في مفاوضات يكرسون فيها نفوذهم .
هذه التحركات تجري تحت رقابة الأميركيين ودون إعاقتهم، وترغب واشنطن على ما يبدو في اختبار قدرة الروس والإيرانيين على التوصل إلى نتيجة في موضوع تكوين حلف إقليمي لمكافحة الارهاب، وإيجاد تسويات يمكن أن تقبل بها دمشق .
أما دمشق فقد صرحت اكثر من مرة أنها ترحب بأية مبادرة سياسية تتم بالتنسيق مع الحكومة السورية وتحافظ على السيادة الوطنية دون أي تدخل خارجي.
وفيما تذهب موسكو بسرعة إلى دعوة المعارضة لملاقاتها في المشاورات عبر استقبال وفد ائتلافي ووفود من أجنحة المعارضة الأخرى، يستكمل الإيرانيون تحريك المسار والترويج للمبادرة عبر زيارات واتصالات يقوم بها وزير خارجية إيران وتشمل أنقرة وموسكو وبيروت ودمشق وعمان.
على صعيد آخر ووسط التكهنات الكثيرة لخارطة الشرق الوسط الجديد يطالعنا البروفسور الأميركي "جوشوا لانديس"، الخبير بالشؤون السورية، بثلاثة احتمالات لإنهاء الأزمة: يتمثل الاحتمال الأول في تشكيل دولة يقودھا السنّة من شأنها أن تتسلم الحكم بعد سقوط افتراضي للنظام، بقيادة "الإسلاميين"، وهنا لن يترك أي دور للعلويين والمسيحيين والدروز.
احتمال ثانٍ يقوم على ضمان بقاء الدولة السورية وحماية الأقليات فيها ، عبر التوصل إلى اتفاق، على غرار اتفاق الطائف اللبناني الذي يقسم السلطة ويوزعها بين الطوائف.
والاحتمال الثالث الذي يرى لانديس أنه على الأرجح سيجري اعتماده يقوم على إنشاء "تجمّعات اقلوية" ، وهذا برأيه خيار كارثي .
وتبقى أبواب الخيارات والراهنات مفتوحة على الازمة السورية، بانتظار ما سيؤدي اليه المسعى الإيراني – الروسي، والأميركي – الروسي. في كواليس موسكو يتردّد سيناريو بقاء الرئيس الأسد في الحكم حتى العام 2018، على أن يتم حسم موضوع إمكانية ترشُحه مجدداً بعد ذلك للرئاسة من عدمه عبر التطورات. وهناك محاولة "روسية ــ أميركية"، ربما للضغط، أو ربما لإقناع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية بأن الخطر الأساسي حاليا يتمثل في الإرهاب و "داعش".
من هنا نلاحظ أن الأوراق أعيد خلطها وفقاً لتغيرات في مواقف الأطراف السياسية المتورطة بالأزمة السورية، وأن هناك تسويات تطبخ في الكرملين، خاصة في ظل زيارات قريبة لـ "الائتلاف الوطني السوري" وقيادات خليجية عليا إلى روسيا، وهذا يعني أن المشهد السوري لحل أزمته لن يكون واضحاً على المدى القريب والمرتبط بما يصدر من العاصمة الروسية. فلننتظر الدور الإيراني المتصاعد وفعالية محور المقاومة وسير العمليات العسكرية في الميدان مما يحدد مشاريع التقسيم وملامح سوريا الجديدة .