ارشيف من :أخبار لبنانية
الحرب الناعمة ضد حزب الله: فتّش عن الاعلام والجمعيات
عدوان تموز 2006، المفصل الحقيقي لبدء نموذج جديد من الحرب ضد المقاومة. فبعد أن استخدم العدو كل امكانياته التدميرية والاجرامية دون القضاء على حزب الله، وبما أن الأعداء لا يحيدون عن تحقيق أهدافهم الاستعمارية، كانت "الحرب الناعمة".
هي أسلوب ملطّف للحرب العسكرية. لا يعتمد على الأسلحة القاتلة للجسد بشكل مباشر، بل على أساليب وأدوات وأفكار تقوم على التدمير الممنهج للمشروع والقضية. "القوة الناعمة"، مصطلح روّج له البروفيسور جوزيف ناي نائب وزير الحرب الأمريكي السابق ومدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي. وعُرفت على أنها "الخصائص السياسية والاجتماعية والثقافية الجذابة لإحدى الدول، والتي تبعث على الإعجاب في الشعب المستهدف بما يؤدي إلى محاكاة تلك الخصائص والالتزام طواعيةً برغبات الدولة التي تنتج القوة الناعمة".
وقد اهتم آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي بالتوعية حيال أدوات الحرب الناعمة الأميركية ضد العالم الاسلامي والقوى المقاومة فيه، ويعتبر ان "الحرب الناعمة ترفع شعارات ودعايات محقة بالظاهر ولكنها باطلة في الباطن وتخلط الحق بالباطل، وللأسف فإن البعض يكرر دعايات وشائعات العدو عن قصد أو عن جهل".
ويعتبر الباحثون ان العناصر الثلاثة التالية هي من مؤشرات وجود الحرب الناعمة:
- وجود اصطفاف وحشد دولي وإقليمي وداخلي ضد نظام أو جهة ما.
- تحرك القنوات الإعلامية في حملة يومية وأسبوعية متواصلة وتوظيف كل إمكاناتها وبرامجها وطاقاتها وكوادرها الإعلامية والالكترونية والصحفية دفعة واحدة وخلال فترة زمنية واحدة، بحيث يشعر المراقب بسهولة انه أمام غرفة عمليات موحدة تنسق الأدوار والشعارات والمواضيع والفلاشات والتوجيهات.
- استغلال مناسبة وتحريك الأحداث بصورة فجائية لصناعة دراما إعلامية.
يكفي في لبنان الالتفات الى هذه المؤشرات الثلاثة لاثبات ضخامة الحرب الناعمة التي تُشن ضد المقاومة وجمهورها. فالاصطفاف الدولي والعربي مع فئة من اللبنانيين ضد حزب الله لا يحتاج الى دليل. واذا كانت حرب تموز 2006 أكبر محفّز لتشكّل هذا الحلف، الا أن أحداثاً عديدة لاحقة شكّلت اختباراً له وأثبتت أنه حلف قائم على مصلحة واحدة: القضاء على المقاومة. وقد تصاعد هذا الحلف مع بدء العدوان على سوريا، واشتداد الضغط على حزب الله على خلفية دعمه لدمشق ووقوفه الى جانبها.
كما ان المراقب للحملات الاعلامية في لبنان، وبيانات كثير من الجمعيات التي تتستر تحت عنوان "الجمعيات المدنية" التي تعطيها غطاء "الشفافية" و"الحيادية"، و"العمل للمصحلة العامة"، وذلك لتحقيق أكبر قدر من التأثير في الجمهور، وتكون في حقيقة الأمر جمعية او مؤسسة تُعنى فقط بالتصويب على خط سياسي معيّن، هو غالباً المقاومة. وكنموذج لهذه المنظمات، تبرز جمعية "اعلاميون ضد العنف". ويكفي أن تضع اسم الجمعية على محرّك البحث "غوغل"، لتكتشف الحملة المنظّمة التي تشنّها ضد حزب الله وحليفه الأساسي التيار الوطني الحر. وفي العناوين التالية عيّنة عن أنشطة هذه الجمعية: "إعلاميون ضد العنف تدعو الجسم الاعلامي الى مقاطعة عون"، "اعلاميون ضد العنف: ندين توقيف صحافي بالضاحية الجنوبية"، "جمعية إعلاميون ضد العنف ردت على كلام نصرالله"، "اعلاميون ضد العنف: الحملة المسعورة ضد السنيورة ترهيب وحرب مفتوحة".
أمّا عن "الدراما الاعلامية"، فحدّث ولا حرج. قد يُسجّل للاعلام اللبنانية أنه الرائد في صناعة هذا النوع من الدراما. ومثال على ذلك، همروجة اعلامية صنعتها قناتي "أل بي سي" و"أم تي في" خلال حريق اندلع في مستودع "قاروط" التجاري في الضاحية الجنوبية. سبب الهمروجة هذه هو اشكال بين امرأتين واللجان الأمنية في محيط المكان. اشكال صغير يتحوّل الى فيلم درامي على القناتين المذكورتين، اللتين استضافتا الفتاتين، واستمعتا لروايتهما وروّجتا لها على أساس فكرة تقول إن الضاحية مكان مغلق يتحكم فيه حزب الله ولا يتحرك فيه أحد الا بأذنه.
الدعاية الاعلامية المستهدفة لحزب الله لم تقف عند حدود استغلال الحوادث الصغيرة وتضخيمها وفلسفتها، بل وصلت الى حدود الخرافة التي تعتمد على نظرية اكذب اكذب اكذب، حتى يصدق الناس. تناقلت وسائل الاعلام هذه اشاعة مفادها أن مخزن "القاروط" كان يحتوي على أسلحة نووية! عبارة وردت في بادئ الأمر على أحد وسائل الاعلام الخليجية، لتنتقل كالتعليمة الى معظم وسائل الاعلام المحلية.
الصورة أيضاً، هي عنصر مهم في الحرب الناعمة. حيث يقوم القيّمون على المنظومة الاعلامية المناوئة للمقاومة باستغلال أي مشهد أو صورة لتحويلها الى أداة ادانة للحزب. حصل ذلك مع صورة لطفل يتمدد فوق جثمان أخيه الشهيد خلال تشييعه. الصورة التي تختزن في طياتها الكثير من معاني الانسانية والعاطفة الكامنة لدى جمهور المقاومة المضحّي، حوّلته الماكينة الاعلامية المضادة الى أداة للهجوم على المقاومة، مستخدمين أسلوب "الشفقة"، والترويج لروح الانهزام، متناسين مبدأ التضحية في سبيل الوطن.
وبحسب ما يقوله الباحث حسام مطر (في مقال له في صحيفة "السفير") فإن الباحثين الأميركيين في مجال الحرب الناعمة يؤكدون ضرورة اعتماد "الاستراتيجيا الناعمة لمكافحة حركات التمرد" ضد "حزب الله" حيث يفترض أن تتركز جهود واشنطن على "السكان وليس على المشاريع"، على أن تتمحور عناصر هذه الاستراتيجيا على مجالات الأمن الداخلي، التحكم المدني، الخدمات الأساسية، الحكومة، البنية التحتية الاقتصادية، وأخيراً التنمية.
ويشير مطر استناداً الى تقرير بحثي أميركي الى أن هذا العناصر هي العناصر الواضحة في برامج حزب الله داخل لبنان، لذا ينبغي مواجهتها بعناصر شبيهة مضادة. وقد وجه التقرير جملة انتقادات لبرامج المساعدات الأميركية في لبنان، فالبرامج في أغلبها تبدو مشتتة، خيرية بدون مردود سياسي مباشر (مثل حملات التشجير)، غير قابلة للرقابة والتقويم، غير متكاملة وأرقامها ضخمة بما يجعلها تبدو من دون معنى (أحد البرامج الأميركية يشير لمشاركة أكثر من 300 ألف لبناني). في حين أن المطلوب أميركياً تحدي إيران مباشرة في مجالات تأثيرها ذاتها في لبنان من خلال برامج حزب الله الاجتماعية والصحية والتنموية في البيئة الشيعية. وقد خلُص الى أنه من دون هذا التحول في الإستراتيجية الأميركية، فإن "الولايات المتحدة على الأغلب ستستمر في خسارة المعركة في لبنان".