ارشيف من :أخبار لبنانية
ضابط في المقاومة الاسلامية لـ’العهد’: شغفنا بالجهاد لا يستكين
على بعد أمتارٍ من فلسطين المحتلة، تُلازم ثلّة من المجاهدين أرضاً شهدت على دحر أعتى الأساطير الصهيونية. هناك حيث لا مكان سوى للغة مجدٍ كُتبت بدمٍ وحِبرٍ وفِكرٍ، يجلس أحد ضباط المقاومة الاسلامية يُراقب مستوطنات العدو المكشوفة أمامه.. يستحضر كلاما لقائده السيد حسن نصر الله عندما طلب من رفاقه في الجهاد الاستعداد ليوم الجليل، ليتوقع قرب الاستحقاق: "إنها مسألة وقت والتأهّب دائم".
تسعُ سنواتٍ انقضت بعد عدوان تموز 2006، لم تنسِ المقاومين أيّاً من تفاصيل حرب الـ33 يوما.. في جُعبتهم ذكريات معارك وقتالٍ مباشرٍ مع صهاينة ومشاعر تفيض بالتضحية والإخلاص للخطّ الذي اختاروه: شغفٌ بالكفاح في سبيل الوطن وتحرّره من أيدي المغتصبين وزهدٌ برغد الدنيا ومتاعها.
مدفع للمقاومة الاسلامية شاهد على انجازات نوعية
المقاومة في تطوّر دائم
بسكونٍ لا تُزعزعه فوضى السياسة الداخلية في لبنان، يجلس هادي الضابط في المقاومة الاسلامية ينتظرنا.. يَحين اللقاء، فيستقبلنا بترحيبٍ رصين.. الحوار مفتوح ومضمونه عسكري. على وقع الطيران الاسرائيلي التجسّسي يبدأ هادي حديثه.. حرب تموز حاضرة بكلّ جزئياتها. كيف حال مقاومتنا بعد مرور أقلّ من عقد على انتصارها الإلهي في 14 آب 2006؟ يقول هادي "منذ اليوم الاول لانتهاء الحرب، دخل حزب الله مرحلة استخلاص العبر وباشر في دراسة المجريات الميدانية للحرب، من قبل لجان سريّة خاصة بالميدان، فبذلت قيادته العسكرية جهوداً جبارة من أجل دارسة نتائج الحرب والانتصار الذي حقّقته فيها ليُصار لاحقا الى إدخالها في منظومتها القتالية استعدادا للمواجهة المقبلة مع "اسرائيل"، فيما كان العدو أيضا يخضع لتحقيق لجنة فينوغراد وتقييم أسباب فشله على مستويات رئاسة أركان الجيش الاسرائيلي وأداء الوحدات البرية والجوية والبحرية".
القدرة الصاروخية لدى المقاومة كما يقدّر الاسرائيليون: ما بين 500 وألف صاروخ بعيد المدى (فاتح 110 وفجر) 100 ألف صاروخ قصير المدى |
وفق الضابط هادي، وضعت المقاومة في حساباتها منذ لحظة وقف العدوان على لبنان عام 2006، احتمال استئناف الغارات والاعتداءات الصهيونية بشكل مباغت، ولا سيّما بعدما أعاد العدو قواته البرية والجوية والبحرية الى معسكرات التدريب، وكذلك فعل مع قواته التي اجتاحت لبنان في الحرب حين ردّها الى معسكرات الجولان المحتل تحضيراً لأي أمر عمليات، ولذلك تمّ الإعلان في 14 آب 2006 عن وقف العمليات القتالية وليس الحرب التي كانت ستتجدّد في أي وقت.
لم يهدأ حزب الله طوال السنوات التسع التي مضت، كما يوضح هادي، فهو عمل منذ الـ2006 على الغوص في نقاط الضعف لدى العدو بموازاة دراسة الثغرات الميدانية التي يجب تجنّبها مستقبلا، وعليه تهيّأ على صعيد التحضيرات والتأهب للحظة الاشتباكات.
أحد دهاليز المقاومة الذي كان سريا قبل عدوان 2006
جهود "اسرائيل" دون جدوى
لا تغفل المقاومة عن كلّ ما يجري الإعداد له في الكيان الغاصب، هذا ما يجزم به هادي، ولذلك فإن "أية خطط عسكرية سيعمل الاسرائيلي على إدخالها على عقيدته القتالية لن تجدي".. المسألة باتت محسومة لصالح المقاومة "التي ركّزت جهودها خلال التسع سنوات المنصرمة على تطوير عقيدتها القتالية وأساليبها المعتمدة والاستفادة من تجربتها في الميدان السوري ولا سيّما أن قتالها الى جانب الجيش العربي السوري مكّنها من تحصيل خبرات عسكرية واسعة عبر استطاعة مقاتليها استخدام مختلف أنواع الأسلحة من البنادق وصولا الى إطلاق الصواريخ المضادة للدروع وقيادة الدبابات مع توسّع مجالات تخصّص المجاهد، بموازاة تشغيل قوات كبيرة على مستوى سرايا تؤازر قوات نظامية، وتحارب الى جانب الجنود السوريين، ما يعني أن رفاق الجهاد يكتسبون خبرات مضاعفة لتتحوّل المقاومة الى جيش يدمج أسلوب العصابات بالأسلوب الكلاسيكي".
تقدّم المقاومة متواصل
رغم أن مشروع تطوير عمل المقاومة يعود الى ما قبل الـ2006، إلّا أنه وأثناء خوض المعارك فرض حزب الله تكتيكات ساهمت في تحقيق إنجازات عسكرية وتكبيد العدو خسائر. وللغاية طوّر مستويين من القتال الأول قصير المدى وهو مبني على تعزيز الخطوط الدفاعية لدى المقاومة بدءا من الحدود مع فلسطين وصولا الى قرى شمالي وجنوبي نهرالليطاني، والثاني بعيد المدى وتمّ من خلال التشكيلات والقدرة الصاروخية التي تهدف الى استنزاف العدو في عمق الكيان وشلّ حركته، حتى تتوفر فرصة ضربه مباشرة".
على مستوى التجهيز الدائم، "ترتقي المقاومة بالفرد والمجاهد في صفوفها حتى يكون حاضرا لمرحلة المواجهة المباشرة مع الجندي الصهيوني، غير أن الجيش الاسرائيلي يركّز على تعزيز قوة المقاتل بجعله يعتمد على الماديات والأسلحة فقط، فيما يعمل حزب الله على صقل مقاوميه من خلال ترسيخ عقيدة الروحية والعزم والجهاد، انسجاماً مع ما قاله قائد الانتصارين الحاج عماد مغنية "الاصل هو الروح".
من أسلحة المقاومين المستخدمة في المواجهات ضدّ العدو
يحسم هادي بأن "المقاومة اليوم ليست في وارد توضيح حالها من حيث الإمكانيات ووضعها العام فتترك للعدو مسألة التكهن، وهو الذي يقرّ بأن حزب الله أصبح في حال مغاير تماما لما كان عليه عام 2006"، ويستشهد بخلاصة اسرائيلية تقول إن المقاومة تطوّرت بشكل سريع نتيجة فهم الاسرائيليين جيّداً وبناء وتحسين قدراتها ولا سيّما أنها درست بشكل دقيق حيثيات الحروب الثلاثة التي شنّها العدو على قطاع غزة وكيف يتحكم بقواته على الأرض استباقا لأي تقدّم بري مفاجئ قد يقوم به".
المقاومة استخدمت خلال الحرب:
|
العنوان الدائم لدى الاسرائيليين هو سيناريو الحرب المقبلة مع حزب الله. بنظر المقاومة، هذه الترتيبات يصرّ الاسرائيليون على تردادها دوريا أمام جمهورهم من أجل الإبقاء على حالة الخوف والذعر والحذر والابتعاد عن شعور الطمأنينة والرخاء واستبداله بالتعايش مع وضع "اللاحرب". المقاومة ترى في هذا المشهد تعبيرا واضحا عن قدرتها في ردع العدو وإقلاقه، على ما يوضح هادي.
الحاج عماد.. قائد المعارك
بصمات الحاج عماد مغنية كانت حاضرة في كلّ مراحل الحرب، يؤكد هادي، وهي تجلّت أكثر في مفاجآت المقاومة والخطط السرية والنوعية والاستراتيجية في الميدان وتطوير المنظومة القتالية في حزب الله. وهو اجتمع بالمجاهدين أكثر من مرة ولا سيّما في المواقع التي عمل شخصيا على رفع جهوزيتها للحرب، حيث كان طيلة الوقت على اتصال مباشر بكامل الميدان من خلال إدارة المعارك وتوجيه المقاومين ولو بصوته أحيانا، اما الشهيد الحاج حسان اللقيس فكان له دور فاعل على صعيد التطورات التقنية والتكنولوجية للمقاومة إبان العدوان.
بندقية المقاومة الجاهزة دائما بوجه الأعداء
"الجبهة حياتنا"
لا يأبه هادي لكلّ الحروب النفسية التي تشنّ على المقاومة. هو ورفاق الجهاد لا يعيرون أهمية سوى للعدو، يقول هنا "ما شايفين غير الصهيوني، يحكو! واذا هاجمونا!؟ هني بيحكوا بالقشور!". ولأن لا شيء يعلو فوق صوت بندقية المقاومة، لا يرى هادي ورفاقه أنفسهم سوى "على الجبهة.. خُلقنا لهذا النهج .. شغوفون به وهو يسري في عروقنا"، وعليه هم بحالة جهوزية دائمة، لا يهدؤون لكنهم مرتاحون "لوضعهم".
لا غذاء .. لا ماء..
الحديث العسكري لا يُلغي وجود مواقف إنسانية رسمتها مجريات الميدان.. في أحد الأيام، حوصرت مجموعة من المجاهدين في بنت جبيل ثلاثة أيام دون وجود طعام وماء معها. تدهورت الحالة الصحية لأحد أفرادها، قيادة المقاومة ارتأت سحبه من الميدان، ورغم صعوبة المهمة إلّا أنها نجحت، كان البديل هادي، وعندما وصل عرف أن لا غذاء لدى المجموعة، سألهم "لماذا لم تطلبوا مني إحضار بعض الطعام وأنا في طريقي؟"... أجابه الرفاق " المهم إخلاء المجاهد المريض". بقي الحال على ما هو عليه، الى أن استطاعت المجموعة الاختباء في حقل زُرعت فيه بندورة، فأخذ المقاومون يقطفون أربع بندورات قوت يومهم، حتى استمروا على هذا المنوال فترة 12 يوما دون استشهاد أي منهم".