ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما يؤسس انتصار تموز للاستراتيجية الدفاعية

عندما يؤسس انتصار تموز للاستراتيجية الدفاعية

عندما تجد مواطنا جنوبيا يقدم لك منزله المؤلف من غرفتين صغيرتين بعد أن كان قد أنهى للتّو تجهيزه وتنظيف محيطه من القنابل العنقودية لاستعماله كمركز عسكري لعناصر الجيش اللبناني، حين علم انه وحسب خطة الانتشار في تلك البلدة على مشارف وادي السلوقي يجب أن تتمركز نقطة مراقبة ثابتة على تقاطع الطريق الحيوي امام منزله، ليكتشف بعدها أن عائلته قد باتت ليلتها الرابعة في سيارته من نوع بيك اب ريثما يجهّز منزلا آخر وينظّف محيطه ايضا من القنابل العنقودية، ولتقارن ذلك مع مواطن آخر وفي منطقة راقية من جبل لبنان، يلجأ الى القضاء بعد أن تأخر عناصر الجيش في اخلاء غرفة الناطور التابعة لقصره والذين كانوا قد تمركزوا بها لاسباب عملانية أمنية طارئة، تستطيع أن تستنتج ان هؤلاء المقاومين هم أبناء تلك الارض الصامدة هم الاكثر التزاما بالدولة وبالشرعية وبالجيش اللبناني.

لقد حدثت هذه الواقعة فعلا، ومن بين العشرات المماثلة لها في الجنوب، بعد عودة الاهالي المقاومين الى ديارهم المدمّرة والمزنّرة بالقنابل العنقودية والتي ترافقت تقريبا او سبقت بوقت قصير انتشار الجيش اللبناني تطبيقا للقرار 1701 بعد انتهاء عدوان تموز عام 2006، وحيث كان هذا الانتشار شاملا وواسعا امتد الى مجمل البلدات حتى كامل الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي، فقد ظهرت صعوبات كبيرة في تمركز أغلب هذه الوحدات حيث الدمار شبه الشامل في المنازل والمراكز والمؤسسات الرسمية والخاصة وعلى الطرقات الرئيسة والفرعية، وحيث أنه كان من المفترض ان يكون عدد وتجهيزات وآليات هذه الوحدات كبيرا كي يؤمن الضرورات الميدانية ويستجيب لتفاصيل تطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته العملانية والعسكرية.

 

عندما يؤسس انتصار تموز للاستراتيجية الدفاعية

الانتصار الالهي

 

لقد بدأت حينها ورشة شاملة وواسعة تمحورت من خلال الاستراتيجية التالية:

- يقوم الأهالي ابناء الارض باعادة اعمار ما خلفته الحرب بمجهود شخصي وبمساعدة بعض الجهات الرسمية المتوفرة وبمساعدة جهات مانحة تعددت في حينه من اكثر من دولة ومن جهة، حيث كان لبعضها شعور صادق بالعطاء وبالمساعدة تعبيرا عن التضامن المتين مع المقاومة ومع الدولة التي اتخذت قرارها بتحمل مسؤوليتها الطبيعية على الحدود، وكان لبعضها الآخر شعور خفي ظاهره المساعدة ودفع الاموال وتمويل المشاريع وباطنه التصويب على سلاح المقاومة وتحضير الارضية لنزعه بعد الادعاء بأن القوى المسلحة الشرعية انتشرت واصبحت جاهزة للدفاع وبسط سلطة الدولة على كامل اراضيها وبالتالي لم يعد من ضرورة لهذا السلاح .

- يقوم الجيش اللبناني بتنفيذ انتشار عسكري كامل يمتد الى اية نقطة يريدها او يعتبرها ضرورية لحاجة عملانية او ميدانية تتعلق بمناورة المدافعة ضد العدو او تتعلق بعملية بسط سلطة الدولة وتطبيق القانون، ويقوم ايضا بعملية نزع الالغام والاجسام المشبوهة والقنابل العنقودية من كامل بقعة انتشاره وفي الوقت نفسه يقوم بتحضير الخطط العسكرية لتنفيذ مهمة الدفاع المقدس ضد العدو من بينها بناء الملاجىء والانفاق وغرف العمليات وجميع التحصينات المطلوبة لحماية الخطة وتحصينها وتوفير فرص النجاح لها عند اندلاع الحرب مع العدو، وقد مضت هذه الخطة وهذه الاعمال بشكل شبه كامل وناجح وكانت تخضع دائما للمراجعة والتحسين والتدريب المتواصل، وقد أمنت قيادة الجيش لها كل الامكانيات المادية واللوجستية والعملانية المطلوبة.

من ناحية اخرى وتزامنا مع هذه الورشة اعلاه، كان هناك استراتيجية اخرى ابطالها عناصر المقاومة وتمحورت حول ما يلي:

- يقوم المقاومون ابناء هذه الارض باعادة الاعمار وبالمساهمة في رفع الانقاض ونزع الالغام والاجسام المشبوهة والقنابل العنقودية وبمتابعة اعمالهم اليومية حيث اهتم كل منهم باشغاله وبمؤسساته وبوظيفته لتعود المنطقة التي كانت لاسابيع خلت ساحة حرب الى طبيعتها التي تضج بالحياة والحركة .

- يشترك المقاومون وبطريقة ذكيّة ولبقة وكونهم ايضا مواطنين عاديين، بمساعدة الجيش اللبناني على اختيار النقاط الحيوية الضرورية لمناورته الدفاعية من خلال تقديم خبراتهم كابناء الارض التي عايشوها ايام الاحتلال وبعده وخلال كافة مراحل واشكال المواجهة معه، كما ويقدمون له المعلومات الامنية والميدانية بطريقة غير مباشرة من خلال التواصل الاجتماعي معه أو عن طريق البلديات أو المؤسسات العامة والخاصة وذلك من ضمن الاحاديث الطبيعية عن البقعة او عن القطاع او عن الارض وغير ذلك .

- يتابع المقاومون مهمّاتهم المقدسة والتي ولدوا ونشأوا وترعرعوا عليها وهي مهمة رصد العدو ومراقبة تحركاته البرية والجوية ويتابعون بوتيرة اكبر وأوسع مهمة حفر الانفاق والملاجىء ومخازن الاسلحة والصواريخ والذخيرة ومهمة التحضير للمناورات الدفاعية والتدرب عليها وكل ذلك بطريقة خفيّة وغير ظاهرة وناعمة وبعيدة عن أعين الجيش و قوات الطوارىء الدولية .

هذه هي الخطوط العريضة الطبيعية والمنطقية لتكوين استراتيجية دفاعية عمادها الدمج بين استراتيجية الشعب في البناء والاعمار وحب الحياة وبين استراتيجية الجيش في بسط سلطة الدولة والقانون والدفاع عن الحدود ضد العدو في اية بقعة يختارها او يراها مناسبة وبين استراتيجية المقاومة التي تقوم على بقائها العين الساهرة التي تقف الى جانب اهلها وفي الوقت نفسه تحمي ظهر الجيش وتضع كل خبراتها وامكانياتها في تصرفه.

2015-08-18