ارشيف من :آراء وتحليلات

امريكا والعشق الموسمي لباكستان وأفغانستان

امريكا والعشق الموسمي لباكستان وأفغانستان

عون هادي حسين

يعلم المتابعون لوسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية حجم التهميش الذي تتعرض له أفغانستان مؤخراً، فبينما كان الاهتمام في ذروته ايام الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ، راحت وسائل الإعلام و مراكز الأبحاث تُهمل الشأن الأفغاني والباكستاني على نحو تدريجي ما  يوحي بتوجه سياسي مقصود، فحتى عندما قامت مروحيات عسكرية تابعة للقوات الأمريكية في 20 تموز/يوليو الماضي، بقصف موقع للجيش الأفغاني ( عن طريق الخطأ) وسقط 14 شهيداً للجيش الأفغاني، لم نسمع لهذا الحدث اي صدى في وسائل الإعلام الأمريكية ، إلا بعض بيانات الأسف من المسؤولين الأمريكيين مرت مرور الكرام بهدوء مقزز .

وفي مقارنة بسيطة لعدد المرات التي ذكرت فيها كلمة "أفغانستان" في مقالات صحيفة "نيويورك تايمز" للنصف الأول من هذا العام، نجد أن عدد المرات تراجع لنصف المرات من الفترة نفسها عام 2012، فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الإغفال المتعمد للشأن الأفغاني والباكستاني؟

يرى مراقبون أن المتغيرات الدولية وعاصفة التطورات الأخيرة على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية بدءا من تطبيع العلاقات مع كوبا مروراً بالاتفاق النووي مع ايران وصعود نجم تنظيم "داعش" بالإضافة إلى الانشغال الداخلي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أثرت بشكل كبير في تحديد المساحة المتاحة للشأن الأفغاني من تحليل ودراسة في واشنطن .

امريكا والعشق الموسمي لباكستان وأفغانستان

امريكا وافغانستان وباكستان

وفي هذا السياق، أدرج المختص بالشأن الأفغاني حسن عسكري أنصاري عوامل أخرى تقف وراء سياسة التهميش المتعمد للشأن الأفغاني منها:

أولاً : انتهاء الأعمال الحربية للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، واكتفاؤها الآن بالمهام التدريبية. وهذه الاسباب تنسحب على الشأن الباكستاني، فواشنطن لم تعد بحاجة لمساعدة اسلام آباد في حربها على الأرهاب نظراً لانسحاب القوات الأمريكية من كابول، وبالتالي من الترف بالنسبة لواشنطن استثمار وقتها في دراسة العلاقات الثنائية مع اسلام آباد وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالشأن الباكستاني، حيث إن واشنطن تنظر إلى باكستان بعين مصالحها في أفغانستان ، فالتقارب الباكستاني – الأمريكي كان في أوجّه إبان الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وخلال الحرب التي شنتها أمريكا على الأخيرة تحت مُسمى "الحرب على الإرهاب"، اي عندما كانت البراغماتية الأمريكية تستدعي التقارب مع اسلام آباد .

ثانياً : محاولة واشنطن التملُّص من مسؤولياتها المالية والعسكرية في أفغانستان بعد 14 عاماً من الاحتلال. فالولايات المتحدة تركت البلاد بعدما نهبتها وانهارت مؤسساتها وفككت جيشها وعطلت العملية السياسية، وهو ما أوقع الحكومة رهينة الدول الاقليمية وجعلها تحت رحمتها، نظراً لتوليفة وزير الخارجية الأمريكي جان كيري الفريدة من نوعها حيث جمعت الأضداد،  لتشكيل حكومة كيفما كان، لتحفظ الولايات المتحدة ماء وجهها وتوقع على اتفاقية أمنية تنذر بعودة القوات الأمريكية لأفغانستان، كما شرعت بالعودة إلى العراق، لكن تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة " داعش " .  

في الخلاصة، واشنطن كما عهدناها أُم البراغماتية النتنة في العالم ، وليس غريباً أن أكثرية المفكرين الذين يتخرجون من الجامعات الأمريكية يميلون للمدرسة البراغماتية في الفلسفة، فالعقلية الأمريكية معجونة بماء الأمبريالية والبراغماتية، لكن على ساسة عالمنا أن يعتبروا من تجارب سلفهم مع الحكومات الأمريكية المتعاقبة، فالسعيد من أعتبر بغيره.

2015-08-19