ارشيف من :ترجمات ودراسات

هجرات مرعبة وحروب إمبريالية

هجرات مرعبة وحروب إمبريالية

الكاتب:  Cecilia ZAMUDIO

عن موقع    Le grand soir

4 آب / أغسطس 2015

الجريمة بحق الإنسانية التي ترتكبها الرأسمالية والاتحاد الأوروبي بحق عشرات الآلاف من المجبرين على الهجرة مستمرة في التوسُّع. وهي تؤدي إلى مجزرة لا يمكننا أن نستمر حيالها بالتزام الصمت ولا بالتصرف بحقارة من خلال تبني النظريات الكاذبة التي تحاول أن تضع المسؤولية عن المأساة على عاتق "مافيات" مفترضة.

إن إلقاء المسؤولية على عاتق "مافيات المهاجرين" المفترضة هو محاولة للتغطية على المسؤولين الحقيقيين. فالرأسمالية هي المسؤولة عن هذه المأساة. المسؤولون هم أولئك الذين يجمعون الثروات من عرق الآخرين وينهبون العالم كله. إن الشركات العابرة للقارات تزيد ثرواتها بفضل عذابات الشعوب: عملية النهب تتم من خلال الحروب الإمبريالية والقمع وتكوين الجيوش شبه العسكرية. هناك 85 شخصاً من مالكي المليارات، وهؤلاء يتربعون فوق ثروات تعادل ما يمتلكه نصف سكان الكوكب.  وهناك 3570 مليون إنسان يعيشون على الكفاف ويتعرضون للاستغلال وهم يعملون في مصانع أشبه بالقبور ويجدون أنفسهم مجبرين على أكل الفضلات وعلى بيع أعضائهم أو دمائهم، أو على رمي أنفسهم في أحضان هجرات مرعبة تنتهي دائما بالموت غرقاً أو بالغرق في عباب حياة يسودها الاستغلال الأقصى في القلعة الأوروبية، إذا حدث لهم ونجوا من الغرق أثناء ارتحالهم.

1- أزمة مهاجرين هاربين من النهب الرأسمالي والحروب الإمبريالية

آلاف الأشخاص فقدوا حياتهم في البحر المتوسط خلال الفترة المنصرمة من العام 2015 وهم يحاولون الوصول إلى القارة الأوروبية. فقد ارتفع عدد هؤلاء ثلاثين مرة عما كانوا عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. وبحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين، بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا الشواطئ الأوروبية 137 ألفاً خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015. وقد وصل إلى إيطاليا 170 ألف شخص خلال العام 2014 بزيادة 277 بالمئة عما كان عليه الرقم عام 2013. وتضيف الوكالة في تقريرها الأخير بأن "الغالبية الساحقة من آلاف الأشخاص الذين عرضوا أنفسهم للخطر وعبروا البحر خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015، إنما فعلوا ذلك هرباً من الحرب أو من الاضطهاد. وبهذا، فإن أزمة البحر المتوسط تصبح أزمة مهاجرين". وتؤكد الوكالة أن عمليات العبور تزداد بشكل ملحوظ خلال الفصل الثاني من السنة، وأن ما لا يقل عن 90 ألف شخص قد عبروا إلى أوروبا بين الأول من تموز / يوليو والثلاثين من أيلول / سبتمبر 2014. وقد غرق منهم ما لا يقل عن 2200 شخصًا.

هجرات مرعبة وحروب إمبريالية

وبالإضافة إلى الضحايا الذين تم إحصاؤهم، هنالك مفقودون. وبالإضافة إلى الضحايا الذين يموتون في البحر المتوسط، هناك آلاف الضحايا الذين يموتون في المحيط الأطلسي وآلاف الضحايا الذين يموتون في الصحراء. ولا بد من أن نأخذ في الحساب أعداد الضحايا الذين يقتلون أمام حدود سبتة ومليلة وفي مراكز الإيواء.

الهجرة في تصاعد مستمر وتصاحبها مآس من نوع الموت الذي أصاب ألف شخص في أسبوع واحد. هؤلاء الأشخاص يهربون من البؤس الذي ينجم عن النهب الذي يمارسه الرأسمال الكبير في إفريقيا. وهم يسلكون الطريق نفسه الذي سلكته الثروات الطائلة المستخرجة من أراضي بلدانهم. الشبيبة الإفريقية تغرق، وغالبية أسر الضحايا لا تعلم شيئا عما حل بأبنائها، لأن أكثر الجثث تظل مفقودة، وما يتم اكتشافه منها يدفنونه في أغلب الأحيان وتظل القبور بلا أسماء. .

2- يختبئون وراء المافيات لتغطية أعمال النهب

يتركز الجهد الإعلامي على إخفاء الواقع المتمثل بكون الجرائم المسماة بـ"التدخلات الإنسانية" والتي يرتكبها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إفريقيا تفضي إلى نتيجة منطقية هي الهجرة الواسعة النطاق. ولإخفاء الأسباب الحقيقية للهجرة، يقوم الإعلام بتقديم الضحايا على أنهم هم من يتسبب بالمأساة. إنهم يطرحون القصة المخترعة عن "مافيات" تنقل المهاجرين، في حين أن "المافيوي" المفترض ليس، في الكثير من الحالات، غير صياد أسماك تخلى عن مهنته وبات يستخدم قاربه في تهريب المهاجرين السريين لأنه لم يعد قادراً على تحصيل رزقه حيث أن البحر قد انتهب من قبل الشركات المتعددة الجنسيات التي تمارس الصيد الصناعي. وحتى لو أمكن الكشف عن أن بعض أصحاب القوارب الذين يقومون بتنظيم عمليات النقل السرية يستفيدون من هذه الهجرة، فإنه من غير الممكن اعتبارهم مسؤولين عن المأساة، اللهم إلا إذا كان المقصود هو التعمية على المسؤولين الحقيقيين. وتصل الوقاحة إلى حد المطالبة بقصف القوارب على الشواطئ التي تنطلق منها رحلات تهريب المهاجرين، وقد قدمت خطط عسكرية بهذا الشأن إلى الأمم المتحدة ووافق عليها الوزراء الأوروبيون في حزيران الماضي. وهنا تتقدم الفاشية بوصفها أداةً لاستمرار الرأسمالية.

3- عمليات عسكرية أوروبية جديدة ضد ليبيا

تحمل العملية العسكرية اسم "يونافور ميد" (EUNAVFOR MED) ويضطلع حلف الناتو بدور فيها. ميزانيتها 11،82 مليون يورو خلال الشهرين الأولين من تطبيقها، وهي ستدوم من حيث المبدأ عامًا كاملًا. وبموجب هذه العملية، يتم نشر ست سفن حربية وغواصتين وست طائرات عادية ومروحية وطائرتين بدون طيار وما يقارب الألف جندي أوروبي في المياه الدولية غير بعيد عن الشواطئ الليبية". وهذه العملية هي المهمة العسكرية الأولى التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي بحجة "تفكيك المافيات التي تعمل في تهريب المهاجرين". وهذا العدوان الأوروبي الجديد والذي يسمح بالدخول إلى الأراضي الليبية لم ينفذ بعد وإن كان القرار بشأنه قد اتخذ في مجلس الأمن، لأن روسيا وقفت بحزم ضد أي تدخل عسكري جديد في ليبيا (وهي فعلت ذلك حفاظاً على مصالحها الجيوستراتيجية). فروسيا تريد أن تكون هناك موافقة مسبقة من حكومة وحدة وطنية ليبية. هذا، ويسعى المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، إلى الحصول على هذه الموافقة منذ أشهر، ولكن الليبيين يقاومون فكرة الموافقة على غزو جديد لبلدهم. غير أن بعض مصادر الدبلوماسية الغربية واثقة من أنهم سيحصلون على موافقة على العملية من حكومة طبرق المعترف بها دولياً. وتشارك قرابة عشر دول أوروبية في هذه العملية، ومنها فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. وينتقل العسكريون من مرحلة "جمع المعلومات" إلى مرحلة إيقاف السفن في المياه الدولية والليبية. وفي مرحلة ثالثة، يمكنهم تدمير سفن بحجة أن ملكيتها تعود إلى "مهربين" مفترضين. وكل ذلك يسمح للدول الأوروبية المذكورة بأن تؤمن لنفسها وجوداً عسكرياً جديداً في ليبيا.

وقد ارتفعت أصوات عديدة ضد هذه العملية العسكرية، منها أصوات العديد من النقابات التي أعلنت عدم موافقتها على إجراءات من طبيعة عسكرية كاستهداف القوارب بالقصف. إذ بالإضافة إلى كونه يعرض حياة المهاجرين للخطر، فإنه يحرمهم من الحق في التخلص من أوضاع مأساوية ومن طلب الحصول على وضعية اللاجئين". كما تطالب تلك النقابات بإعادة وضع برنامج الإنقاذ الإنساني "بحرنا" (Mare Nostrum) قيد التطبيق مع دعمه اقتصادياً، هذه المرة، من قبل الاتحلد الأوروبي. كما تطالب بتحديد ممرات إنسانية للاجئين الذين يفرون من الحروب ومن أوضاع يتعرضون فيها للاضطهاد، مع إعطاء الأفضلية للأشخاص الذين يطلبون حق اللجوء.

 

4- كلما ازداد العنف على دروب الهجرة، كلما تزايدت أعداد المفقودين

 هذه المبادرة العسكرية ضد ليبيا تضاف إلى عملية فرونتكس (Frontex) التي خصصت لها موازنة مضاعفة ثلاث مرات لتمويل برنامجي البحر المتوسط تريتون (Triton) وبوزيديون (Poséidon). وكل هذه العمليات والبرامج هي ذات هدف قمعي لـ "الدفاع" عن الحدود، الأمر الذي يجعل المرور على دروب الهجرة أمراً متزايد الصعوبة. كما يرفع من مستوى خطورة هذه الدروب.

وبسبب العنف على دروب الهجرة في المحيط الأطلسي، فإن الأماكن التي تنطلق منها المراكب التي تقل المهاجرين تتركز أكثر فأكثر في المناطق الجنوبية، أي في السنغال بعد أن كانت تتركز في المغرب وموريتانيا. وهذا يزيد من أيام الرحلة عبر البحار ويعرض المسافرين للمزيد من الخطر المتمثل بالتيارات البحرية التي تجذبهم بعيداً أو نحو الأعماق. فالمحيط الأطلسي هو أيضاً قبر مترامي الأطراف لأولئك الذين  ماتوا وهم يبحثون عن وسيلة للعيش والتخلص من حياة البؤس الناتج عن النهب الرأسمالي. والحقيقة أن الذين يفقدون في المحيط يتعرضون لعذابات مرعبة، لأن التيارات تجذبهم إلى وسط المحيط حيث يموتون من الجوع والعطش في أوضاع العذاب على دروب الهجرة التي يسلكونها بفعل أعمال التضييق التي تفرضها القلعة الأوروبية الحصينة. فديكتاتورية الرأسمال تجبر هؤلاء البشر على الارتماء في أحضان هجرات مرعبة في ظروف محفوفة بمخاطر كبرى.    

 

5- العدوان على ليبيا عام 2011 لخدمة الرأسمال العابر للقارات

إن المأساة المتمثلة بموت آلاف القادمين من ليبيا هي أيضاً نتيجة للغزو الذي تعرضت له ليبيا عام2011 من قبل الناتو. وقد جرى ذلك التدخل لخدمة مصالح الرأسمال العابر للقارات، وتم تنفيذه بمساعدة المرتزقة شبه العسكريين الذين أُلقي بهم في ليبيا من قبل أجهزة الاستخبارات السرية الأوروبية والأميركية. كما تم هذا الغزو من خلال التواطؤ الكامل لأجهزة الإعلام الرأسمالية التي أطلقت على المرتزقة اسم "الثوار" بهدف تبرير العدوان على الشعب الليبي ونظامه الحاكم في تلك الفترة. والجدير بالذكر أن ليبيا كانت، أثناء حكم القذافي، البلد الذي ينعم بأفضل مستوى معيشة في إفريقيا، وذلك هو السبب الذي جعل الكثير من الأفارقة القادمين من بلدان أخرى يختارونه للإقامة فيه. هؤلاء الأفارقة ينضمون اليوم إلى الليبيين الذين يسعون إلى الوصول إلى شواطئ الاتحاد الأوروبي الذي ينهب ثروات إفريقيا، ثم يمتنع عن استقبال الأفارقة.

كانت ليبيا محط أطماع الرأسمالية لأسباب عديدة. فأراضيها تختزن أكثر أنواع النفط خفة في العالم مع قدرة على الانتاج تصل إلى أكثر من 3 ملايين برميل نفط يومياً. ومنذ العام 2009، كان القذافي يسعى إلى تأميم النفط الليبي، ولكن التأميم كان يصطدم حتى بمعارضة داخل الحكومة الليبية. وقد تحول العديد من معارضي التأميم إلى "قادة للثوار" ممن يخدمون مصالح الشركات المتعددة الجنسيات.    

وفوق ذلك، تمتلك ليبيا ثروة من المياه الجوفية تقدر بـ 35 ألف كيلومتر مكعب من الماء الذي يشكل جزءًا من النظام الراشح الممتد تحت بلاد النوبة. وكانت ليبيا قد شرعت في ثمانينات القرن الماضي، بوضع مشروع واسع النطاق للتزود بالمياه هو النهر الصناعي الليبي العظيم. وكان من شأن هذا المشروع أن يزود بالمياه بعد الفراغ من تنفيذه كلاً من ليبيا ومصر والسودان وتشاد. وأن يعزز الاستقلال الغذائي لمنطقة تعاني بشكل حاد من الجفاف. كما كان من شأنه أيضاً أن يحول دون لجوء هذه البلدان إلى صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يتعارض مع احتكار الموارد المائية والغذائية. ومن جهة أخرى، كانت ليبيا تمتلك 200 مليار دولار من الاحتياطي المالي بالعملات العالمية، لكن هذه الأموال صودرت من قبل المعتدين.

لقد دمرت ليبيا بما جسرت الأكاذيب الإعلامية على تسميته الوقحة بـ "القصف الإنساني" : قصف البنى التحتية الخاصة بتمديدات المياه والطرق والمدارس والمستشفيات. وقد تواطأ اليمين الأوروبي وقسم من اليسار مع هذا التدخل الإمبريالي. قبل التدخل، كانت النساء الليبيات يعشن بحرية أكبر بكثير مما كانت عليه حال النساء في بلدان أخرى في المنطقة. وبعد الحرب، قررت حكومة مرتزقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في أول ما اتخذته من قرارات، تطبيق الشريعة تجاه النساء. ومن النتائج الأخرى التي أدى إليها غزو ليبيا ظهور الجماعات الإرهابية في مختلف بلدان المنطقة : لقد أعيد تدوير المرتزقة الذين استخدمتهم أجهزة الاستخبارات الأوروبية والأميركية وتم استخدامهم في حروب إرهابية أخرى. وفي هذا الإطار، ولدت "داعش".

 

6- الأشخاص العشرة الأكثر ثراءً في أوروبا، رسملة الثروة وخرافة "المساعدات"

 تصل ثروات الأشخاص العشرة الأكثر ثراءً في أوروبا إلى 217 مليار يورو. وهذا المبلغ يفوق المساعدات التي تقول أوروبا بأنها تقدمها إلى البلدان الفقيرة. والبلدان الفقيرة هي فقيرة تحديداً بسبب النهب الذي تمارسه الشركات المتعددة الجنسيات والتي تتمكن من الاستثمار بفضل الأنظمة القائمة وعن طريق القمع وتصفية المعارضين السياسيين والانقلابات والمجازر التي يتم تنفيذها مباشرة من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية. إن أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات هم أنفسهم كبار الأثرياء في أوروبا والعالم، وهؤلاء يجمعهم تاريخ إجرامي من فصوله عمليات شحن الأفارقة إلى القارة الأميركية واستعبادهم، وعمليات النهب الاستعماري، والنهب الإمبريالي الحالي.

ولا بد هنا من إيضاح: فالـ "مساعدات" غالباً ما تكون مسمومة لأن الجهات المانحة هي من يحدد مجالات استثمار أموال المساعدات التي يتم توجيهها خصوصاً نحو تدمير الفلاحين المحليين، وتعزيز التبعية الاقتصادية، وتمويل العقود التي يتم بموجبها إعادة توظيف أموال المساعدات في الرأسمال المديني (عن طريق شراء أجهزة تحتاج إلى قطع غيار تخلق علاقة تبعية، أو شراء بذور مهندسة جينياً عن طريق إدخال عادات غذائية تساهم من جهتها في تدمير السيادة الغذائية من خلال فرض نماذج إنتاجية محددة...).

كما تهدف "المساعدات" المفترضة إلى تنشيط مشاريع مدنية وظيفتها دعم مشاريع عسكرية ذات أغراض سياسية، وإلى تعزيز المنظمات غير الحكومية على حساب النضالات الشعبية، وعلى حساب منظمات أخرى مع دفعها إلى الترويج لنظريات تصدر عن مراكز الأبحاث تعمل على توطيد النظام الرأسمالي. وكل هذا، دون أن نتطرق إلى أنَّ قسما كبيرا من المساعدات هو قروض بفوائد عالية.

 

7-  نظام يلقي بنا في أحضان الهمجية

 إن الهجرات في تزايد مستمر ومواز للنهب الرأسمالي. فمن إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، يواصل البشر إلقاء أنفسهم في غمار أسفار مرعبة بهدف الوصول إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بشكل أساسي. انهم ملايين من بني البشر المجبرين على الهجرة لكي تتمكن عائلاتهم من مواصلة العيش. إنهم لا يبحثون عن "الحلم" الأوروبي أو الأميركي، بل يهربون من الكابوس الذي فرضته الشركات المتعددة الجنسيات على العالم. إنهم يسيرون على الطرقات نفسها التي سلكتها الثروات الطائلة المستخرجة من بلدانهم. لكن البلدان الرأسمالية التي يقصدونها تريد أموالاً لا بشراً. وإلى هذه المأساة المتمثلة بتفكك الأسر وباقتلاع الناس من جذورهم تضاف المخاطر التي يتعرضون لها على دروب الهجرة بفعل سياسات البلدان التي يتوجهون إليها. وقاحة الرأسماليين هي ما يسمح لهم بترويج خطاب عنصري، وبإقامة قلاع حصينة، وبفرض كوتا على البشر، ولكن أية كوتا لا تفرض على الأموال التي ينهبونها بشراهة.

إن هذا النظام يقوم على النهب والاستغلال ويؤدي إلى حروب إمبريالية لا تتوقف، وإلى قيام أنظمة سياسية تخدم الرأسمال الكبير ولا تتردد في الاعتداء على سكان المناطق التي تستهدفها المطامع. وهي تستخدم في ذلك جيوشها الرسمية أو غير الرسمية كأدوات لإرهاب الدولة.

إن المنطق الذي تتحرك الرأسمالية انطلاقاً منه ينتج أنظمة خاصة بموضوع الهجرة هي في منتهى اللاإنسانية والصلف. كما ينتج جماعات  من الأشخاص الذين يستفيدون من الأوضاع البائسة المفروضة على الشعوب. وقد سبق لنا أن تكلمنا في موضوع "المافيات" وأكدنا أن عدداً كبيراً من أصحاب المراكب التي تستخدم في نقل المهاجرين هم صيادون فقراء يخاطرون أيضاً بحياتهم. وحتى لو كان هناك مهربون يستغلون المهاجرين على دروب الهجرة، فإن هذه الظاهرة يجب أن تفهم من خلال انتمائها إلى السياق الذي أنتجها لا إلى السياق الذي يستخدمها ككبش محرقة للتغطية على المسؤولين الحقيقيين عن هذه المأساة.

إن ظاهرة الاستغلال وثيقة الارتباط بالرأسمالية. فهنالك أيضاً جماعات إجرامية تحتجز المهاجرين على دروب الهجرة التي تمر بأميركا الوسطى في طريقها نحو الولايات المتحدة بهدف المتاجرة الجنسية ببعضهم أو بهدف المتاجرة بأعضاء آخرين. والحقيقة أن أجهزة الشرطة تتواطأ مع هذه الجماعات في سياق الأولوية المعطاة للجانب التجاري في هذه المسألة.

كما أن هذا النوع من الناهبين موجود بكثرة في أوروبا والولايات المتحدة. فهم يستفيدون من الوجود "اللاشرعي" للمهاجرين بقصد استغلالهم من خلال إعطائهم أجوراً أكثر بؤساً من تلك التي يتقاضاها المهاجرون "الشرعيون"، أو من خلال إعطائهم صحناً من الطعام على طريقة التعامل مع العبيد. ثم إنهم يستعبدون المهاجرين من الناحية الجنسية وينتهكون إنسانيتهم بألف شكل وشكل من الأشكال الجارحة والقاتلة. وكل هذه الهمجية هي من الصفات الملازمة للرأسمالية.

إن النضال ضد النظام المنتج للهمجية الشاملة هو مسألة ملحة تماماً. والنضال ضد استخدام الناس ككبش محرقة هو مطلب أخلاقي لأن هناك ضرورة لعدم تمكين الحروب الامبريالية من الاستمرار، ولعدم التغطية على المجرمين الحقيقيين. لقد حان الوقت لنعرف الأسباب والنتائج دون أن نسيء فهمها. عيون الملايين من النساء والرجال والأطفال ينظرون إلينا من وراء زبد البحار: إنهم ضحايا النظام الرأسمالي، ضحايا الهمجية المستمرة بالترافق مع الوقاحة والصلف.        

2015-08-19