ارشيف من :آراء وتحليلات

محاربة الارهاب وقاعدة التوازن في المواجهة

محاربة الارهاب وقاعدة التوازن في المواجهة

إنطلق عمل التنظيمات المسماة «جهادية» من خلال مقولة «وجوب دعم المسلم لأخيه المسلم». ومن خلال هذا الشعار بدأ دعم «المجاهدين» الافغان ضد الاحتلال السوفياتي. وتحت الشعار نفسه كان الوقوف الى جانب «الاخوة» في البوسنة والهرسك. ومن مناطق عربية مختلفة تقاطروا تحت ما سمي آنذاك «بالافغان العرب».

كان من الواضح ان هذا الشعار كفيل باخراج الحراك من المحلية والاقليمية الى العالمية. لانه تحرك عابر للحدود.
ومع تجاوز التحرك «التكفيري» للجغرافيا الافغانية ووصوله الى العراق وسوريا وليبيا واليمن، برز خروجه عن محدودية المكان بشكل واضح، ثم «تكلل» مع الاجتياح «الداعشي» لجزء من العراق وسوريا. لم يكن عبثيا اطلاق "داعش" على حملتها هذه اسم «كسر الحدود».

«كسر الحدود» ترجمة ميدانية لحراك فضاؤه عابر للحدود، فالنشاط الاعلامي المثير للتنظيم، فضلا عن مجموعة من الطروحات المبتنية على خلفية دينية هي بالاساس متجاوزة للجغرافيا. ابتداء من مفهوم الولاء والبراء والحاكمية والهجرة واقامة الشعائر الدينية وبناء «دولة الخلافة» وصولا الى مفاهيم تتعلق «بأشراط الساعة». جميعها مفاهيم عابرة للجغرافيا. دون ان ننسى ان الدين اصلا لا يتوقف عند الحدود.
اما الفضاء الاعلامي، وخصوصا عالم الشبكة الافتراضية، فان عابريته للحدود واضحة المعالم.

محاربة الارهاب وقاعدة التوازن في المواجهة

الارهاب

لقد كان هذا النشاط بحيثيته هذه ناجعا الى حد كبير في تحريك شارع عريض وحصول عمليات استقطاب واسعة من مختلف البلدان العربية والاسلامية. ورغم الخطر الذي ظهر من جراء هذا الحراك «التكفيري» على اكثر من صعيد، فان مواجهته كانت مواجهة موضعية يقوم بها كل طرف على حده. واجه العراق هذا الخطر بانقسامات داخلية تتحكم بها لعبة بعض المصالح الضيقة لبعض الاطراف. ورغم الدعم الايراني «المستعجل» لمنع السقوط التام، الا ان هذا الدعم ليس كافيا لإبعاد المخاطر رغم تحجيمها. اما اقليم كردستان فاعتبر الخطر هذا فرصة لتحقيق مكاسب تتعلق بمستقبل «الدولة الكردية». أما سوريا فقد تعاملت مع الخطر تعاملها مع باقي المجموعات المسلحة التي تسعى لاسقاط الدولة. ورغم دخول المقاومة الاسلامية على خط الحرب في سوريا، الا ان هذا الانخراط بقي مضبوطا بمحددات عدة: منها ما هو متعلق باولوية حماية بيئة المقاومة في لبنان ومنع النظام الداعم لها من السقوط اضافة الى محدد «الامكانيات» المتاحة للمقاومة مقارنة مع جغرافية سورية كبيرة لا تنسجم مع «عديد» المقاومة.

وعلى هذا المنوال كانت المعالجات الموضعية للتهديد من كل دولة شعرت به. كتونس والجزائر ومصر واليمن. دون ان ننسى الاداء الغربي بزعامة حلف تديره الولايات المتحدة. وهو تحالف مشوب بالكثير من علامات الاستفهام حول ادائه واهدافه واعضائه الذين غاب عنهم اطراف فاعلة وجدية في محاربة الارهاب، فيما انضوى تحته اطراف تُعتبر مصدِّرة للفكر التكفيري. هذه البنية «المريبة» للتحالف طرحت علامات استفهام عدة حول طبيعة التحالف واهدافه، وعن الجدوى منه بعد ظهور علامات تشير الى محاولة الولايات المتحدة توظيف الخطر التكفيري لمشاريع معدة مسبقا تتعلق بالتقسيم من جهة وبمصادر الطاقة من جهة اخرى.

هذه المعالجات الموضعية والمنفردة حتمت طرح السؤال التالي : هل يمكن محاربة خطر عابر للحدود الجغرافية باساليب محدودة في اطار  الجغرافيا؟
يبدو ان الحراك الروسي والايراني الذي يجري مؤخرا لمحاولة بناء تحالف دولي جدي لمحاربة الارهاب يأتي في سياق ادراك لحقيقة علمية : ان وقف الحركة لا يكون الا بحركة مقابلة تناسبها قوة . وهي حقيقة علمية يصح تطبيقها على محاربة الارهاب ايضا بمعنى أن محاربة الارهاب العابر للحدود والجغرافيا لا يكون الا بحراك متناسب معه، اي عابر للجغرافيا. واي حراك غير هذا سوف يكون محكوما بالفشل.

2015-08-20