ارشيف من :آراء وتحليلات
قرارات مكافحة الإرهاب: ثلاثية فاشلة
بعد مرور سنة على إصدار مجلس الأمن القرارين "2170، 2178" تحت الفصل السابع، والتي تتعلق بمكافحة الإرهاب المتمثل بـ"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" في سوريا والعراق، يحق لنا أن نسأل ماذا قدمت هذه القرارات في سياق مكافحة الإرهاب؟ هل استطاعت أن تحدّ من الإجرام الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية في البلدين؟ هل أوقفت تمويل ودعم الإرهابيين بالمال والسلاح ومنعت ظاهرة المقاتلين الأجانب؟
2170 قرار وليس تقنية
استشهد الاف الأشخاص بإرهاب المسلحين في سوريا والعراق، دون أن يفي تحرك مجلس الأمن بما تقتضيه مواجهة الإرهاب. لقد أصدر مجلس الأمن القرار 2170 في 15 آب/اغسطس، مؤكدًا فيه أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين.
لقد أدان القرار تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، مؤكداً على "محاسبة أولئك الذين ارتكبوا، أو كانوا مسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، أو انتهاكات حقوق الإنسان في العراق وسوريا، بما في ذلك اضطهاد "الأفراد على أساس دينهم أو معتقداتهم المستهدفة".
مجلس الامن
وفي زبدة القرار 2170، شجع مجلس الأمن الدول الأعضاء على الحد من السفر إلى سوريا والعراق لأغراض دعم "داعش" و"النصرة" أو القتال معهم. وأن تتعاون جميع الدول في منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية والامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم، الصريح أو الضمني، إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية.
ومع ذلك، لم يكن القرار 2170 على قدر تطلعات الكثيرين من منظري القانون الدولي والمتابعين لقضايا الإرهاب ومكافحته عبر الأمم المتحدة، فهو لم يأت بجديد سوى الإدانة كونه لم يدخل تقنيات جديدة في الحرب على "داعش" على الرغم من خطورة هذا الارهاب، لأن تجميد الأصول المالية أصبح من المسائل الكلاسيكية لمواجهة الارهاب، وهو لا يقدم شيئا عمليا مع تنظيم ارهابي كـ"داعش"، فهذا التنظيم لن يكون له اصول مالية واضحة في البنوك العالمية لا سيما الاميركية منها.
القرار 2178 وظاهرة "المهاجرين" أو المقاتلين الأجانب
لم يقدم القرار 2178، في 24 ايلول/سبتمبر تحت الفصل السابع، أي جديد، حيث أدان التطرف العنيف الذي قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفي، وهو فقط حاول معالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب، وأدان ارتكاب الأعمال الإرهابية.
ودعا مجلس الأمن في هذا القرار جميع الدول الأعضاء إلى التعاون بهدف التصدي لتهديدات الإرهابيين الأجانب، بما في ذلك منع انتشار الفكر المتشدد وتجنيد المقاتلين، مؤكِّدًا على أن مكافحة التطرف العنيف الذي يمكن أن يفضي إلى الإرهاب، تشكل عاملا أساسيا في التصدي لتهديد الإرهابيين الأجانب، لكننا لم نشهد أي تقدم في هذا الأمر. لا بل كثر الإرهابيون الأجانب في سوريا والعراق وباتوا يعملون على بناء مجتمعهم الخاص وبيئتهم الخاصة.
لقد طلب القرار من بلدان العالم أن تمنع وتكبح تجنيد، وتنظيم، ونقل، وإمداد المقاتلين الإرهابيين الأجانب وتمويل تنقلاتهم ونشاطاتهم، ولكن ذلك لم يحصل. ولم ينزع القرار أسلحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب بل زاد دعمهم.
دعا القرار 2178 الدول لتحسين التعاون الدولي والإقليمي والفرعي لمنع سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب، بما يتضمنه ذلك من زيادة تبادل المعلومات، هذه الفقرة من القرار تبين مدى ازدواجية المعايير والتخبط في مواجهة الإرهاب، فأين يحصل هذا التعاون؟
دعا القرار إلى التصدي للفكر المتطرف ومنع البيئة الطائفية والخطاب المحرض، فهل انفكت بعض الدول والقادة في العالم عن توجيه خطابات ضد الدولة السورية، هذه الخطابات التي تزيد من التجييش والتحريض على إسقاط هذه الدولة؟
سوق "داعش" لبيع النفط
بالإضافة إلى هذين القرارين صدر القرار 2199 الذي تبناه مجلس الامن الدولي بالإجماع يوم 12/2/2015، حيث وضع القرار 2199 تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، حيث يتضمن القرار إدانة أي تجارة مباشرة أو غير مباشرة، وخاصة بالنفط ومشتقاته، مع الأفراد أو الجماعات الإرهابية المشار إليها، تحت خطر مواجهة عقوبات. ويطالب القرار بتجريم كل من يشتري النفط من داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية والتي لها علاقة بتنظيم القاعدة ويؤكد أيضا على تقديم المتورطين للعدالة كمتواطئين مع الإرهاب.
ومع ذلك حتى الان يعتبر النفط مصدراً أساسياً لتنظيم "داعش" ويجري بيع النفط السوري والعراقي المسروق عبر عمليات تجارية في الأراضي التركية، بينما يتم غض النظر عنها بزعم حصولها في السوق السوداء.
هذه القرارات لم توصل إلى نتيجة حقيقية في مكافحة الإرهاب والقضاء على "داعش"، بل أن ما يحصل من إرهاب وتوحش ضرب هيبة الأمم المتحدة، من خلال التعامل وفق معايير مزدوجة، لذا فإن أفضل حل لمكافحة الارهاب يأتي من خلال محافظة كل دولة على سيادتها وحماية مواطنيها من أي إجرام وإرهاب، وهذا الحق تكفله وتؤكده القوانين الدولية والدستورية.