ارشيف من :آراء وتحليلات

اثر حرب العام 2006، على الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي

اثر حرب العام 2006، على الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي

لم تقتصر تداعيات فشل إسرائيل، خلال حرب العام 2006،  على دفعها لاعادة النظر في مبادئ تفعيل القوة بل دفعتها ايضا إلى اعادة النظر في حدود قوتها، وطال التغيير نظرة الاخرين اليها، سواء كانوا اصدقاء أو اعداء. مع ما يعنيه ذلك من تراجع في الدور الوظيفي الاقليمي للكيان الإسرائيلي.
ليست هذه النتيجة مجرد تقدير أو وجهة نظر لاحد اطراف محور المقاومة. وانما حقيقة عبر عنها تقرير فينوغراد بعد نهاية الحرب بلغة تحذيرية، وأقر بها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.


في الفقرة 63 من الفصل الاول في تقرير فينوغراد، ورد النص التالي ".. إن صحة مقولة "لا يوجد حل عسكري" تعني ان إسرائيل لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة، ولن تستطيع الاستمرار فيها بسلام او بهدوء، من دون أن تعتقد هي نفسها، فضلا عن محيطها، بأن الجيش يمكن ان ينتصر...". وفي موضع اخر حذر فينوغراد من أن صمود الاف المقاتلين من حزب الله، لاسابيع طويلة في مواجهة الجيش الاقوى في الشرق الاوسط الذي يتمتع بتفوق جوي مطلق، ومزايا كبيرة من حيث الحجم والتكنولوجيا، فإن لذلك آثار بعيدة بنظرنا، كما هو ايضا بنظر أعدائنا وجيراننا وأصدقائنا في المنطقة والعالم".  


من الواضح ان التقرير يرى بأن قناعة إسرائيل واعدائها فضلا عن اصدقائها، بعدم امتلاكها القدرة العسكرية التي تُمكِّنها من ازالة التهديدات المحدقة بها، سوف يترتب عليه تداعيات تهدد وجودها وأمنها. خاصة وأن هذا الاعتقاد  ليس سوى تعبير عن الاقرار بمحدودية قوتها ضمن سقف أكثر انخفاضا من السقف المرتفع الذي كانت تتعامل على أساسه.
في مرحلة لاحقة أقر نتنياهو بحقيقة أكثر تحديداً ومباشرة،خلال محاضرة له في مركز "هيروشالمي" عبر القول انه "منذ الانسحاب الاحادي من جنوب لبنان (عام 2000)، ومرورا بالانسحاب الاحادي من قطاع غزة، وبعد حرب لبنان الثانية، انقلب الاتجاه وبات واضحا أن إسرائيل لم تعد دولة لا يمكن الانتصار عليها. وعاد سؤال الوجود يلوح فوق اصل بقاء إسرائيل، ليس فقط لدى اعداء إسرائيل وانما لدى اصدقائها".

اثر حرب العام 2006، على الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي

اسرائيل تعود الى سؤال الوجود


تلخص هذه الفقرات والمواقف مفاعيل حرب لبنان عام 2006، وأثره على الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي. خاصة وأن هذا الدور هو الغاية التي من أجلها احتضنت الدول العظمى المشروع الصهيوني في المنطقة.. بداية مع بريطانيا ولاحقا مع الولايات المتحدة. وتم ترجمة هذه المعادلة طوال العقود السابقة. وكانت إسرائيل وما زالت الجهة المؤهلة لاستئصال الجهات والعقبات التي تقف امام أي مخطط أميركي في المنطقة. لكن فشلها في العام 2006، وانكفاءها عن تكرار ذلك طوال السنوات التي تلت حتى الان، حتى تحول حزب الله إلى ركن اساسي من المعادلة الاقليمية. وصولا إلى انكفائها عن معالجة البرنامج النووي الايراني عبر الاستهداف العسكري المباشر، كما فعلت مع البرنامج النووي العراقي،1981، ومع منشآة دير الزور السورية عام 2007. لم يكن الا تعبيراً عن عدم قدرة إسرائيل على تأدية المهمة الأكثر الحاحا. حتى بلغ الامر مرحلة تغلغلت معها بعض العبارات في الساحة الإسرائيلية، بأن إسرائيل لم تعد قادرة على "توفير البضاعة".. وهي الخطوة الاولى التي تشكل ممرا الزاميا كي تتحول إسرائيل لاحقا إلى عبء على الولايات المتحدة أكثر من كونها ذخراً..

مع ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن إسرائيل دولة تملك قدرات استراتيجية هائلة، وهي اليوم أكثر قوة وأكثر تطورا من أي مرحلة سابقة، لكن في المقابل باتت القيود أكثر إثقالا على صانع القرار لدى دراسة خياراته العملانية. وما ذلك، إلا بفعل افتقادها القدرة على الحسم، ومن جهة اخرى بفعل الاستراتيجية الصاروخية التي اتبعها حزب الله، بالدرجة الاولى وانتقلت لاحقا إلى قطاع غزة، في استهداف العمق الاستراتيجي الإسرائيلي.


وأتت التجارب الإسرائيلية في مواجهة القطاع لتؤكد صحة مخاوف الإسرائيلي ومن ورائه الأميركي من الاثمان الكبيرة التي سوف يدفعها في مواجهة حزب الله. خاصة وان إسرائيل فشلت في حسم المعركة مع المقاومة في غزة أو شل قدراتها على اطلاق الصواريخ برغم ما يتمتع به القطاع من ظروف جغرافية وسياسية وامنية، تصب جميعها في مصلحة العدو.
اما في مواجهة حزب الله، فبدا أن إسرائيل كانت أكثر حذراً وقلقاً بفعل حضور قدراته الصاروخية والعسكرية، الاستراتيجية، في حسابات صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب، بل في وعي ووجدان مجمل الرأي العام الإسرائيلي. وقبل وبعد كل ذلك ادراكها لامتلاك حزب الله الارادة على تفعيل هذه القدرات ان اقتضى الامر. وما كان لهذا الحضور والتجذر في وعي مجمل الهرم القيادي العسكري والسياسي الإسرائيليين، لولا أنه اكتوى بمفاعيل حرب عام 2006.


وأبرز تجلي لحضور هذا النوع من الحسابات لدى صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب، كان في مواجهة دراسة خيارات عدوانية واسعة ضد حزب الله، أو ضد المنشآت النووية في ايران، أو حتى ازاء نقل الاسلحة والصواريخ من وعبر سوريا إلى حزب الله في لبنان (إلى ما قبل الاحداث في سوريا التي منحت العدو هامشا معينا في هذا المجال). ثم تراجعها أمام ردود حزب الله عندما حاول العدو توسيع نطاق الضربات باتجاه الاراضي اللبنانية، أم حتى عندما حاول التمادي في اعتداءاته على الاراضي السورية، اعتداء القنيطرة، وكان الرد الصاروخي في مزارع شبعا الذي قالت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عنه، أنه كان يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة بين الطرفين.

2015-08-22