ارشيف من :ترجمات ودراسات

انهيار الاقتصاد الأميركي

انهيار الاقتصاد الأميركي

الكاتب:    Dr. Paul Craig Roberts  

الأمين العام المساعد للخزانة الأميركية ورئيس التحرير المساعد لصحيفة وول ستريت جورنال.

عن موقع     Mondialisation.ca, 14 août 2015

14  آب/ أغسطس 2015

هل تتذكرون الزمن الذي كنا نجد فيه صحافيين حقيقييين؟ كان ذلك قبل أن  يقوم نظام كلينتون بمركزة وسائل الإعلام وتحويلها بذلك إلى وزارة بروباغندا وأداة في يد الأخ الكبير "Big Brother " (السلطة التي تقمع الحريات الأساسية).

إن الواقع المغلوط الذي يعيش فيه الأميركيون يمتد إلى حياتهم الاقتصادية. فالتقرير الذي صدر يوم الجمعة الماضي حول مسألة العمالة هو استمرار لسلسلة طويلة من الأخبار السيئة المتحولة عن طريق التلاعب بها إلى أخبار جيدة.

فوسائل الإعلام لا تتوقف عن ذكر رقمين هما الأرباح (أو الخسائر) الشهرية على مستوى الاستخدام المأجور ومعدلات البطالة وكأنهما يحملان دلالة ما، وتتجاهل الأرقام التي تظهر استمرار حالة التراجع، منذ عدة سنوات، في فرص الاستخدام مع الزعم بأن الاقتصاد آخذ في التعافي. والحقيقة أن التعافي المزعوم يستند إلى المقياس "U.3 " الخاص بمعدل البطالة. وهذا المقياس يتعلق بالوقائع التي من شأنها أن تدخل تغييراً في  حق الحصول على تعويضات البطالة. وهو لا يضم الأشخاص العاطلين عن العمل والذين أصابهم الإحباط وتوقفوا، لمدة أربعة أسابيع، عن البحث عن عمل. فهو لا يضم إلا الأشخاص الذين يحتفظون بالأمل في العثور على عمل.     

انهيار الاقتصاد الأميركي

اقتصاد اميركا

وهناك مقياس آخر للبطالة تعتمده الحكومة رسمياً، وهو المقياس " U.6"  لكن أحداً لا يأتي على ذكره إلا في النادر، وهو يضم العاطلين عن العمل الذين اصابهم الإحباط وتوقفوا عن البحث عن عمل خلال فترة تقل عن سنة. وهذا المقياس يزيد عن المقياس "U.3 " بمقدار الضعف أي بنسبة 5،3 بالمئة، ما يعني أن معدل البطالة يزيد في الولايات المتحدة عن 10 بالمئة، وذلك بعد ستة أعوام من تكرار المزاعم عن تعافي الاقتصاد.

معدلات الاستخدام الفعلية في الولايات المتحدة

في العام 1994، توقف نظام كلينتون عن إحصاء العمال المحبطين على المدى الطويل وعن اعتبارهم عاطلين عن العمل. وكان كلينتون يريد بذلك إعطاء صورة عن اقتصاده أفضل مما كانت عليه في عهد ريغان. إذن، توقف عن إحصاء العمال المحبطين والذين كانوا يشكلون في عهد ريغان جزأءًا من العاطلين عن العمل. هذا، ويواصل جون ويليامز (موقع  shadowstats.com ) إحصاء معدلات البطالة على المدى البعيد بالاعتماد على الطريقة الرسمية المعتمدة في تلك الفترة. وعلى ذلك، يمكننا أن نلاحظ أن معدل البطالة في الولايات المتحدة يصل إلى 23 بالمئة في تموز / يوليو 2015 عندما يتم إدخال هؤلاء العاطلين عن العمل في الحساب. والواضح أن هذا الرقم (23 بالمئة) يفوق بعدة مرات الرقم الذي دلت عليه الإحصاءات والذي قدمه بول فولكر، رئيس صندوق النقد الدولي، إلى الرئيس ريغان.

أجل، إن معدل بطالة من عيار 23 بالمئة يعطي معنى جديداً للانتعاش الاقتصادي. فقد مرت ثمانون سنة منذ الأزمة الكبرى [1929] وخلال كل هذه السنوات نسمع الكلام عن انتعاش الاقتصاد الأميركي، مع أن معدل البطالة قريب مما كان عليه خلال الأزمة الكبرى.

 لقد انخفض معدل المشاركة في سوق العمل منذ الانتعاش الذي يقال أنه بدأ في حزيران / يونيو 2009 وما زال مستمراً حتى اليوم. وهذا الأمر غير عادي أبدًا، لأنه من الطبيعي في ظروف الانتعاش الاقتصادي أن ترتفع معدلات الاستخدام بشكل كبير وأن يكثر الأشخاص الذين يذهبون إلى العمل. وبالاستناد إلى ما قاله أوباما لمستشاريه الاقتصاديين، فإنه عزا انخفاض معدلات الاستخدام إلى الجيل الذي عايش فترة النهوض الاقتصادي والذي وصل اليوم إلى سن التقاعد. لكن الواقع أن نمو الاستخدام في فترة النهوض المزعومة لم يشمل بشكل أساس غير الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً. على سبيل المثال، لم يستفد من عمليات الاستخدام الجديدة في تموز/ يوليو غير الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً، في حين شهد تموز / يوليو نفسه تبخر 131 وظيفة على مستوى الفئة العمرية الممتدة من 25 عاماً إلى 54 عاماً.

خلال العام الماضي (تموز / يوليو 2014 -  تموز / يوليو 2015) حاز الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً على مليون و554 ألف وظيفة، بينما خسرت كل من فئتي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18، وبين 20 و24 عاما 887 ألف وظيفة للفئة الأولى و 489 ألف وظيفة للفئة الثانية.  

وخلال الفترة الممتدة بين العام 2009 والعام 2013، خسر العاملون الأميركيون الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و54 عاماً 6 ملايين وظيفة.

وعلى هذا، يبدو أن سنوات الانتعاش الاقتصادي المزعوم قد عبرت دون المرور على الأميركيين الذين ينتمون إلى السن التي يبلغ نشاطهم فيها ذروته القصوى.

ففي تموز / يوليو 2015، كان 27 مليون و265 ألف شخص يشغلون، في الولايات المتحدة، وظائف لوقت جزئي. ومن هؤلاء 6 ملايين و300 ألف شخص، أي 23 بالمئة، لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل لوقت كامل. وهناك في الولايات المتحدة 7 ملايين و124 ألف شخص يشغلون عدة وظائف لوقت جزئي في الوقت نفسه كي يتمكنوا من تحصيل خبزهم اليومي. وقد ارتفع هذا الرقم خلال عام واحد بمقدار 337 ألف شخص.

إن من المستحيل أن تتمكن فئة الشباب من تأسيس أسرة على أساس العمل لوقت جزئي. ولكن المتقاعدين يقبلون بمثل هذه الوظائف بهدف تحصيل الموارد التي يخسرونها من مدخراتهم بسبب سياسة الفائدة المنعدمة التي يعتمدها المصرف الفيدرالي الذي يسعى إلى دعم حسابات حفنة من المصارف العملاقة التي يقوم أصحابها بإدارة الخزانة الأميركية والمصرف الفيدرالي. ثم إن مهناً كثيرة تختفي في الولايات المتحدة بسبب العدد الكبير من الوظائف الصناعية والكفاءات المهنية التي يتم نقلها إلى الصين والهند كما في حالة الهندسة المعلوماتية.

أما الوظائف الأكثر مردودية في الولايات المتحدة فهي تلك التي تقوم على تصنيع عمليات الاحتيال في وول ستريت (شارع المصارف). وهي الوظائف التي تتكون حولها جماعات ضغط تعمل في خدمة مصالح خاصة، ويستفيد منها بشكل خاص أعضاء سابقون في البرلمان ومجلس الشيوخ والسلطة التنفيذية، كما يستفيد منها أولئك الذين يقومون بوضع برامج لمساعدة الهيئات التي تمول مراكز الأبحاث من خلال تمرير هذه البرامج على أنها سياسات حكومية يمكن أن يصار إلى إقرارها عن طريق إصدار قوانين بشأنها.

إن الوظائف المعلن عنها لشهر تموز / يوليو تنتمي إلى الفئات المعروفة التي اعتدنا عليها شهراً بعد شهر وعاماً بعد عام. وهي وظائف في مجال الخدمات المنزلية المختلفة كالخادمات والنوادل والباعة بالمفرق والنقل والخدمات المالية والتأمين والخدمات الصحية والاجتماعية. لا شيء إذن يصلح للتصدير الضروري لدفع أثمان الواردات الضخمة. إلا أن هناك نموا هزيلا على مستوى الدخل الحقيقي للعائلات، في حين أن الإدخار يتراجع والإقراض يصيبه الإنهاك، وحتى الجانب المتعلق بالاستهلاك يتجه نحو المصير نفسه.

والواضح هنا أننا لسنا إزاء اقتصاد له مكان في المستقبل.   

ولكنكم لن تعرفوا هذا مطلقاً إذا كنتم تكتفون بالاستماع إلى وسائل الإعلام الخاصة بالأوضاع المالية، أو بقراءة الصفحات الاقتصادية والمالية في نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال.

ولو أنني كنت لا أزال رئيس تحرير وول ستريت جورنال، كما كنت سابقاُ، فإن الأوضاع المزرية للاقتصاد الأميركي ستحتل بالتأكيد الصفحة الإخبارية الأولى فيها.

2015-08-24