ارشيف من :آراء وتحليلات
ماراثون اوروبي نحو طهران
إنجازات كبيرة تحصدها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد توقيع الاتفاق النووي مع السداسية الدولية. بعد الاتفاق التاريخي بدأت سبحة الإنجازات تكر، من إنجازات اقتصادية مرورا بالإنجازات العسكرية ـ صفقة منظومة الـ s300 والكشف عن صاروخ فاتح 313ـ وصولاً إلى تمتين العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية، حيث هبت دول الاتحاد الأوروبي إلى طهران لبناء علاقات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والاستفادة المتبادلة.
تأتي إعادة فتح بريطانيا لسفارتها، في العاصمة الإيرانية، طهران، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت على مدى أربعة أعوام، وكذلك فتح السفارة الإيرانية في لندن، وتأكيد الطرفين الإيراني والبريطاني على تمتين العلاقات بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن وصف وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إيران بالدولة الاستراتيجية في الشرق الأوسط والذي جاءت ضمن هذه الإنجازات.
تمثيل على مستوى القائم بالأعمال
العلاقات البريطانية الإيرانية كانت قد تراجعت بين عامي 2005 و2013، وأُغلقت السفارة البريطانية في طهران قبل نحو 4 سنوات بعدما اقتحمها متظاهرون إيرانيون، احتجاجًا على فرض عقوبات دولية على بلادهم في العام 2011. لكن ثمرة الاتفاق النووي اعادت فتح السفارة، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وإن كان على مستوى قائم بالأعمال حالياً الى حين تعيين سفير في كلا السفارتين.
لا يعني تعيين قائم بالأعمال أن تطوير هذه العلاقات ليس جدياً، ( فرئيس البعثة ) هو الشخص الذي كلفته الدولة المعتمدة بالعمل لهذه الصفة، ويمكن أن يكون سفيرا أو قائما بالأعمال، وفق ما تشير إليه المادة الأولى من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. لكن بطبيعة الحال إن العلاقات تتطور كي يصبح تمثيل الدولة من خلال سفير وليس فقط على مستوى القائم بالأعمال.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند فتح السفارة ورفع علم بريطانيا في حديقة المقر الذي يعود إلى القرن التاسع عشر في العاصمة الإيرانية والذي اقتحمه محتجون قبل نحو أربعة أعوام. كما أن زيارة هاموند هذه هي الأولى لوزير خارجية بريطاني منذ 12 عامًا. ولهذه الزيارة بحد ذاتها أبعاد هامة، حيث تبيَّن كيف ركض الغرب حتى ـ الصقور منهم - كأنه في ماراثون لإعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي صمدت على مدى سنوات في وجه كل القوى الغربية والتي تحتاج اليوم لتمتين علاقاتها مع طهران، بهدف تأمين سوقها الضخم مع 80 مليون نسمة، فضلاً عن المخزون النفطي الذي تمتلكه، ولا سيما الغاز الطبيعي والذي يعد سلعة أساسية بالنسبة إلى الدول الأوروبية.
وتحسب زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى إيران، وفتح سفارة بلاده فيها بحد ذاتها رسالة قوية لإعادة التأكيد بالاعتراف بأن إيران دولة أساسية في الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها دعوة لضرورة تمتين العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وهذا أكبر دليل على ما تنص عليه المادة 4 من اتفاقية فيينا التي تقول إنه يجب على الدولة المعتمدة أن تتأكد من الحصول على موافقة الدولة المعتمد لديها قبل أن تعيِّن مرشحها رئيسًا لبعثتها لدى الدولة الثانية.
تمتين العلاقات الدبلوماسية البريطانية الإيرانية
سيؤدي إعادة فتح السفارتين وتفعيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى تطبيق ما تنص عليه مادة 3 من اتفاقية فيينا، التي تشير إلى أن أعمال البعثة الدبلوماسية تشمل ما يأتي:
أـ تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها (من دون أدنى شك فإن هذا التمثيل يؤدي إلى نتائج مهمة جداً على مستوى تمتين العلاقات على كافة الصعد بين البلدين).
ب- حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي (وهذا لا يتنافى مع الحفاظ على سيادة الدولة المعتمدة فيها البعثة، بل أنه يساعد على تمتين العلاقات معها، كما يحافظ على رعاية الدولة الموفدة ما يمكن أن يزيد في هذه الحالة السفر والسياحة بين البلدين).
ج- التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها. (وهذه النقطة تدخل ايضاً في إطار تمتين العلاقات، ومنع وقوع الخلافات بين البلدين، والسعي في حال وقوع خلاف معين لحله عبر التفاوض).
د- التعرف بكل الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة .
هـ- تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها.
إذاً، إن عودة هذه العلاقات تعد بالمعايير كلها ثمرة من ثمرات الاتفاق النووي، الذي أدى من دون أدنى شك إلى نقلة نوعية في العلاقات بين إيران والدول الغربية لا سيما الدول الأوروبية، حيث تأتي زيارة هاموند بعد تلك التي قام بها نظيره الفرنسي لوران فابيوس الى طهران في تموز/يوليو وبعده نائب المستشارة الالمانية سيغمار غابرييل، ثم وزيرة الخارجية الاوروبية فيديريكا موغيريني، وإن كان شبح الخلافات يظلل تلك العلاقات نتيجة السياسات الخاطئة لهذه الدول لا سيما لندن اتجاه طهران.
ويمكن القول إن قيمة هذه العلاقات تنطلق من كونها قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، فإنها علاقات الند بالند وليست علاقات تبعية من قبل طهران للدول الغربية، كما هو حاصل مع الكثير من الدول العربية للأسف، وهذا ما يميز الجمهورية الإسلامية كقوة استراتيجية في الشرق الأوسط.