ارشيف من :نقاط على الحروف
’كيميا’ عون نصر الله
لم تتسع كلمات العماد عون في مقابلته التلفزيونية الاخيرة للتعبير عن كثافة شعوره تجاه الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، لذا فضّل الصمت. لكن وقفات التأمل وحيرته في طيات كلامه لانتقاء الكلمات وتعابير وجهه كانت أكثر من معبرة عمّا يكنه الجنرال لسيد المقاومة. للحظة بدا ان "كيميا الرجلين" تفاعلت "وتخصّبت" ذراتها بعد تسع سنوات من "تفاهم مار مخايل"، لتأسر ليس القلوب فحسب بل العقول ايضاً.. حتى أضحى تبادل وتناقح الافكار "تواردياً"، في الرؤية للاحداث، حتى دون الالتقاء، وليس عموديا او افقيا كما الضفة الاخرى.
حينما اتصل العماد عون بالسيد نصر الله للمرة الاولى في ايلول 1997 معزياً بنجله الشهيد السيد هادي، لم يكن الرجلان يدركان أن المستقبل سيجمعهما، على طاولة واحدة وتحالف سياسي واحد، او انهما سيصلان يوماً الى هذا الحد من العلاقة السامية، لكن الانطباعات الشخصية عن بعضهما البعض فعلت فعلها آنذاك، برز ذلك في لقائهما الأول في 6 شباط 2006. لم يشعر الرجلان في أي لحظة انهما لم يلتقيا من قبل. كانت هناك بينهما ثقة متبادلة. قالها السيد يوماً، واضاف في معرض وصف عون بعد عامين على لقائهما الاول :"الجنرال شخصية صادقة.. ومشكلته انه "وطني وطني وطني"".
هنا العلاقة بين السيد والجنرال لا تخضع للحسابات اللبنانية الصغيرة. من التفاهم والاتفاق على الملفات الاستراتيجية انتقل الرجلان، لتتحول الوثيقة الثنائية بعد عام واحد نموذجاً وطنياً في التلاقي الطوعي، وتكرس واقعاً جديداً من العيش اللبناني الواحد، و"تتخصب" العلاقة بنسب أعلى، وصولاً إلى مرحلة "التكامل الوجودي" بعد ثماني سنوات...
ما بين اللقاء الاول واليوم، لم تمر مناسبة إلا وتجذّرت فيها العلاقات أكثر فاكثر. هنا لا مجال للحديث عن المجاملات، او كيل المديح، او الصفات، هنا "وعد صادق" و"كلمة شرف"، هنا اللقاء لقاء أحبة مكلل بالانتصار بعد حرب تموز، كما قال عون يومها، تقابله "شفاعة" للموقف الأخلاقي والإنساني من تلك الحرب يوم قيام الساعة.
هنا حجم الثقة المتبادلة المطلقة بصحة الخيارت، جعل السيد والعماد يضعان مصيرهما مع مصير بعضهما البعض ورقبتيهما معاً، كما قال السيد في الذكرى التاسعة للانتصار. لم يردعهما جدار طائفي، سياسي، او سلطوي. تعمقت وسمت العلاقات الانسانية فوق كل اعتبار. لم تقف عند حدود قصاصات ورقية، ففي معدن الرجال تضحي الاحرف والكلمة رابطا ووازعا اخلاقيا يأسر ويقيد الناطقين به. هنا في محضر الرجلين "كلمة شرف"، و"كفى".
هنا ما بين "السيّد" و"الجنرال" عهد لا تهزه العواصف، ولا يضيره تطفّل المشككين. ثقة عمياء استمد الرجلان منها قوة الموقف في ذروة العواصف، فلم ينحنيا امامها او يمتطيا صهوتها، او يحيدا عن البوصلة امام المنعطفات الخطرة والمصيرية، وفي خضم تكالب اهل الغدر والطعن بالظهر. فما بين الرجلين، أعمق وأطهر وأنقى، من ان "تزحزحه" تقلبات الريح والذاهبون معها، انها علاقة من نوع خاص، لم يبنها "تفاهم مار مخايل"، بقدر ما بناها صدق التعامل، والاحترام والتقدير، وحب الوطن، وحلم الدولة العادلة القادرة المطمئنة..
لـ"كيميا عون نصر الله"، لمن لا يفقه بعد، حكاية وتاريخ، من الاتصال الاول، الى تنشق هواء "حارة حريك"، الى ورقة البنود العشرة، في كنيسة "مار مخايل". هي علاقة اخوية عفوية، اخلاص، وصدق تعامل، على بساطتها سلكت طريقها الى الجمهور والمحبين، فتشرّبوا خميرة هذا التلاقي، وتفاعلوا معه، كنموذج سياسي راق يحتذى به.
باختصار، انها علاقة السادة والعمادة..يا سادة.. علاقة تسمو فوق كل سياسي آني، وترتقي الى مراتب الاخلاق، تحطّم كل قيد طائفي، تكسر حواجز الخوف والغبن.. علاقة تعمّدت بالدم في تموز 2006، حين خاض العالم حربه لكسر المقاومة ووقف عون معها، واليوم حين يخوض العالم حرباً لكسر عون وعزله تقف المقاومة، مع حليفها التاريخي. هنا لا مجال ولا مكان للمناورة والتكتيك، هنا الاستراتيجية واضحة والبوصلة موجهة بصدق.. "مع حلفائنا" حتى الرمق الاخير.