ارشيف من :آراء وتحليلات

التونسيون يعوضون الضحايا ويتصالحون دون محاسبة

التونسيون يعوضون الضحايا ويتصالحون دون محاسبة

يثير مشروع قانون المصالحة الجديد في تونس، والمدعوم من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الكثير من الجدل. وقد شهدت العاصمة التونسية احتجاجات على هذا القانون تعامل معها الأمن بعنف من خلال منع المتظاهرين من التجمع بالشارع الرئيس بالعاصمة (شارع الحبيب بورقيبة) ومحاصرتهم بساحة محمد علي قرب المعقل التاريخي للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) التي لها من النفوذ الاجتماعي والسياسي والمالي في تونس ما يفوق الجيوش في بلدان عربية تعتمد حكم العسكر، بالنظر إلى عراقتها ومساهمتها في معركة التحرير ضد الاستعمار.

وقد بررت السلطات التونسية هذا القمع للمتظاهرين بحالة الطوارئ التي تم الإعلان عنها ضمن جملة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية مباشرة بعد العملية الإرهابية التي استهدفت منتجع سوسة السياحي بداية الصيف والتي راح ضحيتها عدد كبير من السياح الأوروبيين. وتعتبر الدولة أن الوضع لم يعد يحتمل في تونس التظاهر المستمر خاصة وأن الاقتصاد في حالة يرثى لها تقتضي القيام بإجراءات عاجلة واستثنائية منها التسريع بالمصالحة.

التونسيون يعوضون الضحايا ويتصالحون دون محاسبة

معارضة في ازدياد

وتزداد المعارضة لمشروع القانون المشار إليه حتى من قبل أطراف محسوبة على الفريق الحاكم، لأنه سيزيد بحسب هؤلاء من ظاهرة الإفلات من العقاب ويفاقمها. ويرى البعض أنه بمثابة المكافأة للرجال الذين ساندوا حركة نداء تونس في الانتخابات الأخيرة ودعموها بالمال، والذين لدى بعضهم ديون لصالح البنوك الوطنية التي تضيق الخناق على المواطنين بالقروض السكنية وغيرها، بسبب حالتها المزرية التي تسبب فيها رجال الاعمال المتهربون من تسديد ديونهم لبنوك الدولة.

ولعل ما يزيد من خطر تمرير هذا القانون أن حركة النهضة ذات التوجهات الإخوانية تساند هذا القانون، وقد عبر عن ذلك صراحة رئيسها راشد الغنوشي. فالحركة على ما يبدو بصدد التطبيع مع لوبيات المال والأعمال وانخرطت جيدا في لعبة الحكم في تونس وعلاقتها على ما يرام برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وفريقه ويبدو أنها أخذت العبرة جيدا مما حصل للإخوان في مصر.

العفو عن الفساد المالي

ويمنح القانون الجديد عفوا لفائدة الموظفين العموميين، بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية. لكن هذا القانون يستثني جرائم الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية، من الانتفاع بهذه الأحكام التي لم يصادق عليها مجلس نواب الشعب بعد.

كما يتضمن مشروع القانون إمكانية إبرام الصلح بالنسبة للمستفيدين، من أفعال تتعلق بالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، ويشمل الصلح، الأموال والممتلكات، التي ما زالت على ذمة المعني بالأمر، ولا تدخل الممتلكات، التي تمت مصادرتها لفائدة الدولة. ويرى جلُّ المراقبين أن هذا القانون هو عملية اعتداء على مسار العدالة الانتقالية الذي يقتضي بداية كشف الحقائق ومحاسبة الفاسدين وتطهير أجهزة الدولة ثم المصالحة وتعويض الضحايا التي تكون في المقام الأخير، لكن التونسيين عوضوا "الضحايا" دون كشف الحقائق ودون التأكد ما إذا كانوا ضحايا أم!.. وذلك خلال فترة حكم الترويكا السابقة والآن يمرون إلى المصالحة دون محاسبة ودون تطهير لأجهزة الدولة.

 

2015-09-03