ارشيف من :آراء وتحليلات
من أجل جبهة عالمية لمكافحة الإرهاب (3/3)
يجري القانون الطبيعي على أعمار الممالك والدول. وهي على ما تكشف التجارب والحقائق التاريخيّة، تنهار وفق قانون الكون والفساد، تماماً كما يكون فساد عناصر الأبدان من أسباب موتها، يكون الفساد من أسباب احتضار الدول والممالك وسقوطها.
الطبقة السياسية اللبنانية التي نخرها الفساد منذ نشأتها استمرت قائمة وفق قانون الكون والفساد نفسه، حتى وصل فسادها إلى درجة إعلان حتمية موتها.
إن مادة السكر على سبيل المثال ضرورية للحياة، وزيادة تناول هذه المادة من قبل الجسم الإنساني يؤدي إلى موته من خلال تراكم الزائد مما كان ضرورياً لحياته. إن المال نفسه عصب الحياة، ولكن تداول المال بالباطل والفساد يؤدي إلى سقوط ما كان المال في أصل بنائه، وعمرانه...
احتمل الشعب اللبناني فساد الطبقة الحاكمة عبر مراحل الحكومات المتعاقبة والتي لم تخلُ من وجود الفاسدين، السارقين أموال الشعب والآكلين أموالهم بالباطل، لكن تراكم الفساد، وآثاره المتتابعة أوصل البلاد والعباد إلى مرحلة الثورة عليه، والقول أنه قد طفحت الكأس وبلغ السيل الزبى، ولم يعد بالإمكان الصبر والاحتمال، وذلك لأن الفساد نفسه قد فعل فعله في جشع الفاسدين كما في قلوبهم وعقولهم فذهبوا إلى إعلانه شعاراً لهم وحملوا الناس للثورة عليهم.
كيف تراكم الفساد في لبنان حتى طغت مظاهره وآثاره على قدرة الاحتمال عند الناس. وما المظاهر التي أوصلته إلى حالة السقوط.؟
يتميز الفساد عند الطبقة الحاكمة في المظاهر التالية:
1) الافتضاح: وهو وصول ثروات بعض السارقين لأموال الشعب إلى أرقام قياسية، لا يمكن معها أن تبقى في حدود السرية المصرفية بل تجاوزت قدرة القوانين المالية على حمايتها، وصارت مكشوفة لاطلاع الرأي العام وذلك يعني بصورة صريحة افتضاح الفساد...
2) الشمول: وهو يعني أن الفساد يشمل إلى جانب الحاكم أسرته، من زوجة وأولاد، وأقاربه من أخوةٍ وأقارب من الدرجة الأولى والثانية، وحاشيته المحيطة به، ثم أنصاره المقربين إليه، وهذا الشمول حمل جشعاً غير محدود عند الحاكم الفاسد وأصوله وفروعه حيث أصبح شاملاً تحوّل من فساد فردٍ إلى فساد أسرةٍ حاكمة.
3) العلانية أو الجهر، لم يعد الفساد سراً، يطبق قاعدة إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا لكنه أصبح جهاراً وعلناً. حيث لا يخجل به الفاسدون ولا يأبهون. يقولون على طريقة أبي النواس، حينما شاع صيته في عشق الخمرة (اسقنيها جهراً إذا أمكن الجهر) هو يريدها جهراً للتلذذ بها أمام العامّة، إنه مشروع تباهٍ بالفساد باعتباره أصبح مفتضحاً.
4) التسابق: حصل هذا التباري من جراء العلانية والتباهي، حيث يحصل السباق بين الفاسدين على من يصل إلى المليارات الثلاثة، ليدخل ضمن قائمة أغنياء لبنان، وصارت العائلة الواحدة تحوي أكثر من فرد من أصحاب المليارات وتتسابق فيما بينهما على تحصيل المزيد.
5) التنافس: أدى الافتضاح والتباهي والتباري إلى التنافس. إن المنافسة بين النهابين، تدفعهم إلى مزيد من النهب. والأدلة على هذا المظهر أكثر من أن تحصى، حتى وصل الأمر إلى تصريح بعضهم: هل تقبلون أن يكون ذلك السارق من الطائفة الأخرى أغنى مني، أين إذن كرامة الطائفة أو الحزب؟ وهذا يعني أن التنافس حملهم إلى مظهر آخر هو طلب الدعم أو المساندة.
6) التقاسم: هو المظهر الناتج عن المظهرين السابقين ويعني أن النظام الطائفي في لبنان تحوّل من تقاسم حصص المشاركة في السلطة إلى تقاسم أموال نهب الشعب وذلك ظهر جلياً في مجريات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.
7) التفاقم والتكاثر: كلما تفاقم الفساد كثرت الطبقة الفاسدة، وازداد نهب أموال الشعب، وهذه معادلة رياضية على طريقة الكوميدية المصرية "الحسابة بتحسب...".
8) التراكم والتباين: حصل تراكم غير منضبط للثروات من نهب أموال الشعب قابله تراكم غير منضبط بدوره، لأزمات الشعب ومعاناته، حتى وصل الأمر إلى هوة كبيرة قائمة بين جبلين جبل تراكم الثروات وجبل تراكم الأزمات، وهذا خلاف استقرار الأرض وعليه تأتي الزلازل.. ويحصل السقوط الكبير...
9) السقوط: تراكمت المظاهر لتصل إلى مرحلة تقف على مفترق بين احتمالي إفقار الشعب وحرمانه ودفعه إلى الهجرة أو سقوط طبقة الحاكمين الفاسدين ولا يحصل ذلك بالتمني إنما يكون عن طريقين:
1- ثورة الشعب.
2- صندوقة الاقتراع.
ولأن صناديق الاقتراع مقفلة للأسباب المعروفة، والنواب شهود على الخراب، فإن الثورة آتية كل زقاق وباب.
حمى الله لبنان...
للاطلاع على الجزء الاول