ارشيف من :نقاط على الحروف

الثورة على MTV: ’إتيكيت’ ومهزلة!

الثورة على MTV: ’إتيكيت’ ومهزلة!

وبات للمظاهرات آداب سلوكٍ و"إتيكيت"! هذا ما قدّمته محطّة MTV أمس. لفتةٌ تلفزيونيةٌ فاجأت الرأي العام اللبناني، الذي لم يعهد مسبقًا ولا حتى في أية دولة حول العالم توجيهًا يحكم تصرّفاته خلال التظاهرات المطلبية التي تنادي بتغيير النظام وصولًا إلى  الثورة على ما هو قائم. المسألة ليست بهذه السذاجة، الأمر يبدو واضحًا: القناة الآذارية تتعمّد استغباء الناس ولا سيّما أولئك المشاركين في الاحتجاجات، أو ما يُصرّ البعض على القول إنها "ثورة"، لكن لماذا؟

أوّلًا الحلقة التي تظهر فيها الأخصائية في حسن التصرّف نادين ضاهر، تُستَهلّ بمقدّمة مطوّلة تتناول فيها الأخيرة بطريقة جوفاء فكرة أكبر من قدراتها وإمكاناتها وحتى اختصاصها وهي المواطنة. بعد الاستماع إلى النصائح الوطنية المُفترضة، يجد المشاهد نفسه تائهًا يبحث عن "الإتيكيت" (عنوان الفقرة)، فكان إرشاد "الثوّار" بـ"عدم افتراش الأرض لأنه إعاقة لحياة الآخرين، وحمل يافطات جميلة"، إلّا أنها تخلص إلى الإقرار بتعذّر وضع أساسات للتعامل مع النفايات في الشوراع.

الثورة على MTV: ’إتيكيت’ ومهزلة!

من التظاهرات الأخيرة في رياض الصلح

ما تطرحه ضاهر يدلّ على أن MTV التي تروّج للثورة وتؤيّدها، تقدّم أنموذجًا سطحيًا للتحرّكات المطلبية، لا بل يتناقض مع مفاهيم الانتفاضات، فالثورات الشعبية الغاضبة على الظلم والمحسوبيات تتعارض مع أية تحضيرات مسبقة لتصرفّات المشاركين فيها. المحطّة تتوجّه الى فئات محدّدة من الشعب، ذلك المجتمع الذي لا ينطق سوى باللغة الأجنبية ويتّخذ من شعوبها مثالًا أعلى في الحياة اليومية. فات MTV أنها لا تزال تبثّ من لبنان، وليس من فرنسا أو أي بلد أوروبي، والثورة تفترض أصلًا التحرّك العفوي الذي ينأى عن كلّ خطوة مدروسة ومناشدة معدّة مسبقًا، فالثوّار لن ينزلوا إلى الشارع ليستعرضوا ثقافاتهم ولغاتهم، ولن يحتكموا إلى قوانين تُحجّم تحرّكاتهم، هم ليسوا مدعوين إلى حفل ميلاد أو مناسبة اجتماعية أو حتى طاولة غداء يجب عليهم مراعاة سلوكهم أثناء الجلوس إليها.

ما عُرض على قناة MTV، يعبّر بشكل جليّ عن مدى تسخيف بعض وسائل الإعلام اللبنانية لمفاهيم التحرّكات الشعبية.. تسخيف يصل إلى مستوى التنظير الذي يستهدف إلزام المتظاهرين بما يتضارب مع مظاهر حرية التعبير عن الرأي، إلى حدّ تسطيح أيّة خطوة عفوية يقدم عليها الشعب.
 
في لبنان، ليس هناك ميزان يقيس لباقة التحركات التي تأتي ردًّا على السياسات الخاطئة المتّبعة من قبل الحكومات المتعاقبة، فكيف يتقيّد من قرّر بغتةً النزول إلى الشارع والصراخ بوجه النظام الحاكم، بأُسسٍ تضعها مذيعة خطر على بالها لوهلةٍ أن تُنوّع فقرتها الصباحية الموجّهة أصلًا إلى الطبقة المترفة من الشعب؟ إنها فعلًا مأساة الإعلام اللبناني المتزلّف!

 

2015-09-04