ارشيف من :آراء وتحليلات

الفوعة وكفريا وأنموذج الصراع الوجودي

الفوعة وكفريا وأنموذج الصراع الوجودي

عادة ما تأخذ الصراعات أوجها متعددة، تختلف من الاقتصادي الى السياسي الى العقائدي الى العسكري وغيرها، وتتمحور مفاهيمها بشكل عام حول انتهاء الصراع في النهاية بعد مواجهات حادة او عادية، بسيطرة الفكرة أو الحزب أو الجيش أو المجموعة أو حتى العقيدة والتي تمثل الفريق الرابح في نهاية هذا الصراع، لينخرط الخاسر، مقتنعًا أو مرغمًا، مستسلمًا أو معترفًا، وتبدأ مرحلة سيادة المشروع الرابح، الّا في الصراع الوجودي حيث مفاهيمه بعيدة كل البعد عن مفاهيم تلك الصراعات المذكورة، ونهايته تكرّس مفهومًا قاسيًا مفاده (إمّا يكون قاتلًا أو مقتولًا، وحيث النهاية تعني الهلاك للخاسر).


من هنا تأخذ المواجهة التي يخوضها ابناء الفوعة وكفريا في شمال ادلب طابع الصراع الوجودي، حيث تعاني البلدتان حصارًا قاسيًا منذ ما يقارب الثلاث سنوات، من قبل إرهابيي تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام (النصرة وأحرار الشام وجيش الفتح وباقي الفصائل المتشددة، وحيث يتناول هذا الحصار بالإضافة إلى كافة الحاجات اللوجستية والضرورية، المواد الغذائية والحاجات الانسانية الطبية والخاصة بالاطفال والتي يفرضها القانون الدولي والانساني والذي من المفترض ان يكون معروفًا (مبدئيًّا من الدول الداعمة لهؤلاء كانت بعض هذه الدول من السبّاقين تاريخيًّا في وضع هذه القوانين ونشرها عبر العالم، وهذا الحصار يترافق وبشكل شبه يومي مع محاولات هجومية من كافة الجهات ترتفع أحيانًا وتيرتها وتنخفض أحايين أخرى، تبعًا لسير معارك هؤلاء في غير موقع من المواجهة مع الجيش السوري وحلفائه على كامل خارطة الصراع الدائر في سوريا ومنها في مدينة الزبداني ومحيطها .

الفوعة وكفريا وأنموذج الصراع الوجودي


لقد تم الحديث مؤخرًا عن تسوية معيَّنة تقضي في إيجاد حل لموضوع حصار الفوعة وكفريا وللمدنيين والمدافعين عنها، تحفظ حياة المدنيين من الجهتين وتؤمن انتقالًا ميدانيًّا متوازنًا للقوى العسكرية واللجان الشعبية التي تدافع عن البلدتين مقابل انسحاب أو انتقال لما تبقى من إرهابيي الزبداني ومحيطها الى أماكن أخرى في الشمال أو غيرها، وحتى الآن لم تكتمل فصول هذه التسوية ولأكثر من مرة، وذلك لأسباب عدة منها عدم التقيّد الدائم من قبل المسلحين بالشروط المتفق عليها بداية وجنوحهم الدائم أيضا إلى وضع شروط أخرى في اللحظة الأخيرة تخلقها رؤيتهم المترددة للحل وصراعاتهم المتبادلة لأسباب وأسباب، بالإضافة طبعا إلى الضغوط الخارجية التي يمارسها عليهم رعاتهم الاتراك أو بعض الخليجيين، والذين كانوا وما زالوا ينظرون لهذا الملف (ملف الفوعة وكفريا كنقطة ابتزاز واستغلال وضغط تجاه الجيش السوري وحلفائه في المقاومة او حتى في ايران).


بالنسبة للإرهابيين والذين يصرّحون دائمًا ودون خجل أو ورع، بأن مصير أبناء البلدتين هو القتل والموت اذ يعتبرونهم كفرة ومرتدّين، فقد تكبّد المسلحون الارهابيون حتى الآن خسائر كبيرة في عديدهم وعتادهم خلال محاولاتهم الهجومية المتكررة على البلدتين والمحيط، إلى أن سيطروا في الفترة الأخيرة على بلدة الصواغية والتي تشكل ضاحية صغيرة جنوب شرق الفوعة تفصل الاخيرة عن بلدة بينيش المجاورة التي تشكل قاعدة مهمة لاغلب تجمعات المسلحين الذين يحاصرون ويهاجمون البلدتين، وبسيطرتهم هذه استطاعوا زيادة منسوب الضغط المباشر بالنار وبالمراقبة الفعالة على البلدة وامتدادا الى بلدة كفريا التي ترتبط مباشرة من الناحية الميدانية والعسكرية واللوجستية مع الفوعة، وهم حاليا يتابعون الضغط العسكري والميداني الخانق.


بالنسبة لابناء البلدتين ولعناصر الجيش السوري واللجان الشعبية الذين يدافعون عن هذه الجبهة الغالية جدا عليهم في محافظة ادلب او حتى في الشمال السوري بشكل عام، فقد نظموا جاهزيَّة المدافعة الدائرية بشكل متكامل ومترابط وباشراك الحد الاقصى من العديد القادر على القتال، وهم يستفيدون في ذلك من مناورة تكتيكية منسقة بين كافة انواع الاسلحة التي بحوزتهم المباشرة وغير المباشرة وعلى كامل محيط الدفاع عن البلدتين اللتين اصبحتا تشكلان من الناحية الميدانية والعسكرية امتدادا متكاملا كبقعة واحدة، وقد نشروا شبكة اخطبوطيّة متداخلة من العبوات الناسفة الموجهة ومن الالغام ضد الاشخاص والاليات ووزعوا الاسلحة المتوسطة والثقيلة على مراكز الرماية بشكل متوازن ومناسب.


لقد نجحت هذه الجاهزيَّة الدفاعية المتماسكة في الحفاظ على الجبهة صامدة حتى الآن، على الرغم من المحاولات الهجومية المتكررة والعنيفة، وقد ساعد على ذلك بالاضافة لما ذكر اعلاه عن التماسك في الدفاع، عوامل عدة ابرزها روح الصمود والتفاني والحرفيّة التي يتمتع بها المدافعون حيث يدافعون عن ارضهم وعرضهم ووجودهم في هذا الصراع الوجودي الذي فرضته عليهم حرب غادرة خاضها ارهابيون مدعومون من دول مجرمة تخلت عن انسانيتها والتزامها بمبادىء الاخلاق والقوانين الدولية، كما وساعد على ذلك الصمود الدعم الجوي الفعال الذي يؤمنه الجيش السوري بشكل متواصل لصالح هذه الجبهة الاساسية في مناورته الدفاعية في الشمال السوري بشكل عام .


وفي الختام، يمكن تلخيص استراتيجية الجيش السوري وحلفائه حاليا حول المدافعة عن الفوعة وكفريا اولا، من خلال الصمود والتصدي ومن خلال التمسّك بالدفاع الشرس والعنيد عن كافة المراكز دون استثناء، ومن خلال الدعم الجوي واللوجستي والعملاني والتكتيكي لمساندة المدافعين الابطال في البلدتين، وثانيا من خلال متابعة الضغط الفعّال في الاماكن او المواقع الاخرى بعيدا عن الفوعة وكفريا، والتي تشكّل نقاطا حساسة لدى الارهابيين او التي يخلق الضغط عليها نقاط ضعف لدى هؤلاء، وفي الوقت نفسه تفعيل المفاوضات التي ستكون نتيجتها حماية المدنيين كافة في الفوعة وكفريا وفي الزبداني ومحيطها ايضا وهذا ما يعمل له دائما الجيش السوري مدعوما من حلفائه.

2015-09-05