ارشيف من :آراء وتحليلات

تقسيم ليبيا من اجل زرع الفوضى فيها ونشر الإرهاب في جوارها

تقسيم ليبيا من اجل زرع الفوضى فيها ونشر الإرهاب في جوارها

بعد مرور أكثر من 3 أعوام على انتصار "ثورة فبراير"، لم تصل فيها ليبيا إلى بر الآمان، بل زادت الأمور فيها سوءاً بعد أن سقطت الدولة وعمت الاضطرابات والفوضى في البلاد،  فلا ثورة تحققت، ولا نظام جديد قام، ولا قديم تبقى، ولا ليبيا ذاتها ظلت متماسكة كدولة، وهي صاحبة واحد من أكبر احتياطيات البترول في العالم، وأنقاها خاماً، وأغلاها سعراً.


 توقف إنتاج البترول الليبي تقريباً، وحلَّ زمان القتل وقطع الرؤوس بالجملة، حتى تحولت إلى بؤرة إرھابية كبيرة استقطبت العناصر المتطرفة الإرھابية من كل أرجاء العالم وباتت تھدد مصر وتونس والجزائر والمملكة المغربية،  وكل ذلك في ظل تخاذل دولي وعجز عربي.
لذلك تجري محاولات ديبلوماسية تدعو الأطراف إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة برئاسة برناردينو ليون، الذي شدد على أن الوقت بدأ ينفذ فيما تواجه البلاد تحديات متزايدة، من ضمنها استمرار معاناة الشعب نتيجة للنزاع، حيث يدخل تنظيم "القاعدة" كلاعب أساسي من بوابة بنغازي التي انطلقت منھا الثورة الليبية، يزاد عليه توسع الخطر الإرهابي لـ "داعش" وخطر الانهيار الاقتصادي.


وقد أظهرت مناقشات الصخيرات التي جرت قرب العاصمة المغربية الرباط وجود ثلاثة أطراف سياسية على خريطة ليبيا الآن، هي الحكومة والبرلمان الشرعي في طبرق، ثم الأحزاب ومجالس البلديات بما فيها «مصراته»، والطرف الثالث ممثل في حكومة أمر واقع في «طرابلس" وبدا الطرفان الأولان أقرب للاتفاق، وقد وقعا معا بالأحرف الأولى على «وثيقة ليون»، فيما امتنعت حكومة طرابلس.
 هذه المخاوف عززها شكوك حول مدى جدية المؤتمر غير المعترف به دوليا في المضي قدماً في العملية السياسية، خاصة بعد استقالة رئيس وفده لمفاوضات السلام وعضو آخر في الوفد، وإعلان بعض أعضاء المؤتمر في وسائل إعلام تابعة لمتطرفي ليبيا عدم مشاركة المؤتمر في جلسات الحوار.
كل هذا يجري وسط تقدم كبير لـ"داعش" في ليبيا، ووحشيته المفرطة في الأرض الخراب،     يفسر ما جرى في «سرت» الليبية، التي تحولت إلى ما يشبه العاصمة لتنظيم «داعش» في أفريقيا كلها، مما صعد العمليات العسكرية عليها من قبل الجيش الوطني الليبي، حيث أكدت مصادر عسكرية تقدم قواته في أكثر من محور بمدينة بنغازي، كما قام سلاح الجو الليبي بقصف مواقع لـ"داعش" في درنة شرقي البلاد، وفي سرت وسطها مستهدفة تمركزات في شكل بوابات أقامتها داعش في المنطقتين.

تقسيم ليبيا من اجل زرع الفوضى فيها ونشر الإرهاب في جوارها

الارهاب يزرع الفوضى في ليبيا

"داعش" الذي  يبني نفسه من سلالة الإخوان وجماعات القاعدة على طريقة الجماعة الليبية المقاتلة،  يأتى من «تونس» التي صارت المصدر الأول للإرهابيين الدواعش، ومن دول أفريقيا جنوب الصحراء ذات الحدود الطويلة السائبة مع ليبيا. ويستفيد داعش من   مزايا الإطلالة الليبية الواسعة على البحر المتوسط، بشاطئ يزيد طوله على 1700 كيلومتر، وبدون ضابط ولا رابط على الموانئ. تسمح هذه الاطلالة البحرية للتنظيم الارهابي  بمدد لا ينتهي من الرجال والسلاح المهرب، ما يعينه على بناء خلافته الوحشية في ليبيا، التي تمتلك إمكانات ھائلة، فهي تشكل  بوابة لغزو أوروبا خصوصاً وأن نحو 300 ميل ھي فقط المسافة الفاصلة بين ليبيا وجنوب السواحل الأوروبية، ويمكن الوصول إليھا باستخدام أبسط قارب بدائي، ويأمل التنظيم في مد نفوذه إلى الدول المجاورة:  مصر وتونس والجزائر، وتحت مظلة أمان نسبي من التغافل الدولي والتردد العربي في التدخل العسكري.

أوروبا قلقة من وقوف "داعش" على مقربة من حدودھا وسواحلھا،  وقلقة أيضا من تحول ليبيا المصدر الأكبر والأخطر للھجرة غير الشرعية، فضعف المراقبة على الحدود، سھل وصول المھاجرين من دول جنوب الصحراء، وكذلك من المغرب العربي ومنھا الانطلاق بحراً إلى أوروبا، فـكلفة الھجرة من ليبيا تعد زھيدة، إذ يدفع الشخص لشبكات التھريب ما يقارب 600 إلى 700 دولار.
 وتقدر السلطات الأمنية في طرابلس أن ھناك ما يقارب 500 مھاجر من دون وثائق سفر ينطلقون يومياً من الشواطئ الليبية للالتحاق بأوروبا. حيث أصبحت ليبيا المنتجة للنفط نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الفارين من الصراع والفقر، أملا في الوصول إلى أوروبا. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "إن عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا تخطى 300 ألف هذا العام ارتفاعا من 219 ألفا في عام 2014."


خريطة رعب بهذا التفاصيل وفقدان الأمن والأمان في ليبيا فتحت الباب أمام خيارات التقسيم فالسيناريو الأول هو تقسيم ليبيا إلى دويلات وفيدراليات تسيطر عليھا المليشيات والقوى المتنازعة، وھو ما يناسب الشركات الغربية لأنه يتيح لھا المجال للتحكم بعملية نھب الثروة النفطية في ليبيا. السيناريو الثاني: يؤدي الى تكوّن رأي عام واسع النطاق يسعى باتجاه إيجاد بديل وطني وإقامة دولة مركزية استنادا الى حجم الغضب والسخط الشعبي في جميع المناطق الليبية، إزاء سيطرة المجموعات المسلحة وصراعاتھا التي أفقدت الليبيين الشعور بالأمن والاستقرار، وزادت من حدة أزماتھم الاقتصادية والاجتماعية.

لكن يبدو ان حجم المأساة الليبية تبدو كبيرة جداً وقد بدا ذلك واضحاً في طلب وزير الخارجية في حكومة طبرق محمد الدايري أثناء جلسة الجامعة العربية الأخيرة، حيث بدا كأنه يتوسل التدخل العربي العسكري السريع جداً، لمواجھة انتشار طاعون الإرھاب الذي استشرى، وذلك عبر ھجمات جوية سريعة تعيد الموازين المختلة على الأرض الى اتزانھا.
وكالعادة، بقي موقف الجامعة العربية موقفاً متخاذلاً كما في غيره من القضايا العربية، حيث عملت فقط على تأييد المفاوضات الجارية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم المطالبة بتسليح الجيش الليبي، مع ترتيب أوراق القوة العربية المشتركة.


واقع الحال الليبي مؤلم حقا، فقد انتھى حوار جنيف بوعود ليبية لحلحلة الأزمة السياسية، لكن حتى لو تم التوصل الى اتفاق سياسي بين الأطراف السياسية البادية في الصورة، فإن عملية تطبيقه على الأرض ستكون شبه مستحيلة، طالما بقيت "داعش" و"القاعدة" وأنصار الشريعة وغيرھا من الجماعات المسلحة فاعلة على الأرض بدون أي رادع حقيقي يقف بوجه تمددها، متيحاً بذلك لمزيد من الخراب والقتل ونقل الفوضى من ليبيا إلى الدول المجاورة، ودك استقرار الدول الأوربية  العاجزة أصلاً عن وقف الهجمات الارهابية المتنقلة داخل أراضيها.

2015-09-05