ارشيف من :ترجمات ودراسات

طريق الحرير الجديدة والاتحاد الأوراسي... يلتقيان

طريق الحرير الجديدة والاتحاد الأوراسي... يلتقيان

الكاتب   Pepe Escobar
عن موقع   Mondialisation.ca    
19 نيسان / أبريل   2015

الذين يتمنون أن تتخلى كل من روسيا والصين عن شراكتهما الاستراتيجية القوية (رابح-رابح)، وهي الشراكة القائمة بشكل كامل على مصالحهما القومية المشتركة، تبخرت أحلامهم أمام الزيارة الحاسمة التي قام بها إلى موسكو وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
فقد أكد وانغ في موسكو في الوقت نفسه على سياسة "التطلع شرقاً" الروسية وسياسة "الذهاب غرباً" الصينية، وهما السياستان اللتان تمران بمشروع طريق الحرير الجديدة، وذلك في تصريحه الذي قال فيه بأن هذا المشروع "قد خلق فرصاً تاريخية من أجل الترابط بين السياسات التنموية في البلدين".
فالاستراتيجيتان متناغمتان بشكل كامل. استراتيجية "التطلع شرقاً" الروسية لا تتعلق بالصين وحدها، بل تتعلق على الأقل بالتكامل الأوراسي وبطرق الحرير الصينية الجديدة. لأن روسيا تحتاج إلى ذلك من أجل تنمية سيبيريا الشرقية والشرق الأقصى الروسي.

طريق الحرير الجديدة والاتحاد الأوراسي... يلتقيان


الشراكة الاستراتيجية، وهي شراكة تتنامى بشكل متواصل، لا تشتمل على الطاقة وحدها، بما فيها إمكانية الاستثمار الصيني في مشاريع كبرى للنفط والغاز الروسيين، بل تتعدى ذلك إلى الصناعات الدفاعية. وعلى كل حال، هناك اهتمام بالاستثمار في مجالات المصارف والتمويلات والتكنولوجيا المتقدمة.
أما هدف الشراكة فواسع جداً. يمتد من التعاون بين روسيا والصين داخل منظمة شنغهاي للتعاون، إلى دور روسيا والصين في بنك التنمية الجديد لبلدان بريكس، وإلى الدعم الروسي للبنى التحتية الصينية بإشراف من بنك الاستثمار الآسيوي ومن مؤسسة طريق الحرير.


بسرعة كبيرة تتجه بكين وموسكو، مع بلدان بريكس الأخرى، نحو إقامة علاقات تجارية متحررة من دور الدولار الأميركي، وذلك من خلال استعمال عملاتها الخاصة؛ وبالتوازي، تدرس هذه البلدان إمكانية إقامة نظام اتصالات بديل بين المصارف (SWIFT)، وهو ما ستلتحق به بلدان الاتحاد الأوروبي بالضرورة، كما أنها ستنضم إلى بنك الاستثمار الآسيوي، إذا فيما لو حدث نظرياً وسمحت ألمانيا لنفسها بالتخلي عن علاقاتها التجارية مع روسيا بموجب سياسة العقوبات التي تطبقها برلين، وما يثيره ذلك من استياء عند الصناعيين الألمان، فإنها ببساطة لن تكون قادرة عن الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية. ومن جهة أخرى، فإنه من غير المعقول بالنسبة لألمانيا أن تتخلى عن علاقاتها التجارية مع الصين.

قطار سيبيريا السريع

بعد يومين من الزيارة التي قام بها إلى موسكو، توجه وونغ يي إلى منغوليا حيث التقى بوزير خارجيتها، لونديغ بورفسورين، وأكد له أن طريق الحرير الجديدة ستسمح بتنمية بنية اقتصادية ثلاثية تربط كلاً من روسيا والصين ومنغوليا.


وبذلك، كان وانغ لي يشير إلى الممر الأوراسي على مستوى النقل والمزمع إنشاؤه مع خط القطارات الحديثة جداً والفائقة السرعة والعابرة لسيبيريا بتكلفة 278 مليار دولار. وهذا الخط يربط موسكو ببكين، وتستغرق الرحلة بينهما 48 ساعة بما فيها فترات التوقف في محطات معينة.


إذن، كان من المؤلم لواشنطن أن يقوم وونغ يي بنفسه بتجميع قطع البازل التي ترفض الولايات المتحدة رؤيتها. "فإقامة الممر الاقتصادي بين الصين وروسيا ومنغوليا سيربط الحزام الاقتصادي لطريق الحرير في الصين بشبكة السكك الحديدية الروسية العابرة للقارات، وكذلك بسهول منغوليا".   
ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو طريق الحرير الجديدة التي تربط مباشرة بين الصين والاتحاد الاقتصادي روسيا-أوراسيا. فالاتحاد المذكور معني مع الصين بإقامة منطقة تبادل حر. وهذا أمر طبيعي من الناحية العملية لأن ما يجري هو عملية التكامل الأوراسي. أما تفاصيل المشروع فستتم مناقشتها خلال زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو الشهر المقبل، وكذلك أثناء انعقاد المنتدى الاقتصادي في مدينة سان بطرسبورغ في شهر حزيران / يونيو.  

خط الارتباط الإيراني-الباكستاني-الصيني

السياسة الصينية الجريئة (الذهاب غرباُ) تطلق تحدياً أساسياً يتمثل بخطوط أنابيبستان لنقل الغاز الإيراني إلى باكستان، والتي تشتمل عليها طريق الحرير الجديدة. وكان مشروع أنابيبستان يشتمل في البداية على الهند، لكنه تعرض باستمرار للتضييق من قبل إدارتي بوش وأوباما قبل أن يتوقف بفعل العقوبات الأميركية.
لقد انتهى العمل في الشطر الإيراني من المشروع بطول 900 كم تصل إلى الحدود الباكستانية. أما الشطر الباقي، وهو بطول 780 كم وتكلفة 2 مليار دولار، فسيتم تمويله بشكل أساس من قبل بكين، في حين سيتم تنفيذ العمل التقني من قبل أحد فروع شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC). هذا، وسيقوم الرئيس الصيني بالإعلان عن الاتفاق في وقت لاحق في إسلام آباد.


وعلى هذا، فإن ما نحن بصدده هنا هو صين تتدخل بشكل فعال بأسلوب "رابح-رابح" بهدف إقامة حبل سرة فولاذي بين إيران وباكستان في مجال نقل الغاز حتى قبل أن يصار إلى رفع العقوبات عن إيران تدريجياً أو بشكل غير تدريجي. يمكننا أن نطلق على هذا الوضع اسم "روحية منشأة طرق الحديد الجديدة" قد بدأت بالعمل بقسمها المتعلق بآسيا الجنوبية.
وبالطبع، فإن ذلك يعود بفوائد جمة على بكين. فإيران، بما هي المصدر الأول للنفط والغاز إلى الصين، أصبحت بالنسبة لها مسألة أمن قومي. فخط الأنابيب سيمر بغوادار، الميناء الاستراتيجي الإيراني على المحيط الهندي والذي يديره الصينيون. على هذا، بات من الممكن نقل الغاز الإيراني إلى الصين عن طريق البحر، أو بوسيلة أفضل، عن طريق خط أنابيب جديد من غوادار إلى سينكيانغ يمر بموازاة طريق كاراكورام السريع الذي يمكن شقه خلال السنوات القليلة القادمة. وبهذا، يصبح من الممكن تجنب الدوران حول مضيق ملقة وتحقيق هدف أساس من أهداف استراتيجية تنويع مصادر الطاقة الصينية.


ومن جهة أخرى، هناك أفغانستان التي تشكل، من وجهة النظر الصينية، جزءًا من مشروع طريق الحرير الجديدة، وممرًّا للبضائع بين آسيا الوسطى وجنوبها.
لذا، تسعى الصين إلى تحقيق هدف عزيز عليها هو الاستثمار في أفغانستان في تنمية البنى التحتية للاستفادة من خيرات هذا البلد وتعزيز رأس جسر جديد يمتد من سينكيانغ إلى آسيا الوسطى، ومنها إلى الشرق الأوسط. والمعروف أن تصدير المنتجات الصينية إلى أفغانستان يمر حالياً عبر باكستان.
إن شركة النفط الصينية الوطنية قد وصلت مع المجموعة الصينية لصناعات التعدين إلى أفغانستان، وذلك من خلال الاستثمار في حوض آموداريا الغني بالنفط وفي مناجم النحاس الضخمة في آنياك. وهذا أمر غير بسيط ويشكل بداية جيدة.


إن كلاً من روسيا والصين العضوين في منظمة شنغهاي للتعاون هما بحاجة إلى أفغانستان مستقرة وجاهزة لأعمال الاستثمار المتعلقة بطريق الحرير الجديدة وبالاتحاد الاقتصادي الأوراسي في الوقت نفسه. أما المشكلة الأساسية التي تعترض ذلك فهي في معرفة كيفية التعامل مع طالبان دون اللجوء إلى الوسائل التي تستخدمها واشنطن.  
بالمقابل، فإن اقتراح البنتاغون الخاص بما يسميه وزير "الدفاع" الأميركي آش كارتر بالكثير من الاستعلاء: "ذلك الجزء من العالم"، هو نشر أسلحة تبدأ بنظام الدفاع المضاد للصواريخ " THAAD "  الذي ما يزال قيد التصنيع ولا تنتهي بأحدث قاذفات القنابل الخفية، مروراً بالوحدات الخاصة في الحرب الالكترونية.
أين ذلك من الاقتصاد الأوراسي؟ بالنسبة للبنتاغون والناتو، اللذين خسرا بالفعل ثلاثة عشر عاماً من الحرب ضد طالبان، فإن التعاون الاقتصادي هو من اهتمامات الجبناء!

2015-09-15